حزب الله يواجه “فكي كماشة”
دفعة واحدة، وجد حزب الله نفسه أمام تحديين كبيرين، هما أقرب إلى “فكي كماشة”: الأول في الداخل ويتعلق بكمين خلدة الذي كان يراد منه استدراجه إلى مواجهة عبثية، الرابح فيها هو أكبر الخاسرين، والثاني على الحدود مع فلسطين المحتلة ويتمثل في انتهاك إسرائيلي فادح وفاضح للسيادة اللبنانية عبر القصف المدفعي والغارات الجوية غير المسبوقة منذ عام 2006 على مناطق جنوبية عدة.
في الحالتين، بدا ان هناك محاولة لانتزاع زمام المبادرة من الحزب ودفعه إلى ردود فعل على غير توقيت ساعته، وفي ساحات اختارها الآخرون.
بالنسبة إلى فخ خلدة، كانت المقاربة واضحة لدى الحزب على الرغم من انفعالات المتحمسين في بيئته: لا انزلاق الى فتنة يتوسلها خصومه لاغراقه في وحولها ودمائها، ولا تساهل في الملاحقة القانونية لمرتكبي الجريمة.
صحيح ان شعورا بالغضب العارم ساد صفوف الحزب بعد استهداف موكب تشييع الضحية علي شبلي في وضح النهار، لكن القيادة التي ناقشت أبعاد الحادثة وخيارات التعامل معها، اتخذت عقب بحث مستفيض قرارا غير شعبي بعدم التدخل العسكري على الأرض وترك الأمر للجيش حصرا بعد وضعه أمام مسؤولياته وواجباته، وذلك لاجهاض السيناريو المعد سلفا تحت إشراف اكثر من مخرج والذي كان يقضي بتوريط الحزب في معركة مع عشائر خلدة، سرعان ما يتم إلباسها اللبوس المذهبي، لتصبح معركة ضد الطائفة السنية، بكل ما يمكن أن يجره ذلك من تداعيات على موقع المقاومة ودورها، في لحظة اشتداد الضغوط عليها.
تفادى الحزب هذه المرة 7 أيار جديدة، خصوصا انه في الأساس ليس من هواة الحروب الداخلية التي تشكل الخطر الأكبر على اي مشروع مقاومة. واذا كانت المصلحة قد اقتضت في 7 أيار 2008 اعتماد الحسم العسكري لحماية المقاومة من محاولة خنقها بأسلاك شبكة الاتصالات العائدة اليها بعدما ضاقت الخيارات الأخرى أمامها، فإن حمايتها هذه المرة تطلبت خيارا معاكسا وهو التسلح برباطة الجأش والامتناع عن استخدام القوة العسكرية في غير زمانها ومكانها المناسبين، لصالح تعزيز دور الجيش ومرجعيته في ما يخص ضبط الوضع الداخلي المعقد والذي يعرف الحزب انه “قميص وسخ” يجب تنظيفه ب”مسحوق” الدولة تحديدا.
اما التحدي الآخر فهو ينطوي على اختبار ادق للحزب لانه يتصل بالمواجهة الأصلية مع العدو المركزي. صحيح ان الحزب ليس معنيا بإطلاق صواريخ بدائية على محيط مستوطنة كريات شمونة في شمال فلسطين المحتلة لكنه المعني الأساسي بالرد الاسرائيلي الذي تجاوز سقف المألوف من خلال اعتداء جوي على الجنوب هو الأول من نوعه منذ 2006، وأخطر ما فيه انه يشكل خرقا فجا لقواعد الاشتباك التي نجحت المقاومة في ارسائها على اساس توازن الردع.
ومع ان العدو الاسرائيلي تفادى قصف مواقع للحزب او إلحاق خسائر بشرية سعيا الى عدم الذهاب بعيدا في استفزاز المقاومة، الا ان عصف الطائرات الحربية اصاب معادلة توازن الرعب والحق بها اضرارا مباشرة، وهو الأمر الذي لا يمكن للحزب ان يتغاضى عنه طويلا، لاسيما ان حجم الهجوم المعادي الواسع لا يتناسب مع أثر الصواريخ “المتواضعة” التي سقطت في شمال الاراضي المحتلة، إضافة إلى ان الحساب مع الاسرائيلي أصبح كبيرا بفعل تراكم “مخالفاته” العابرة للحدود.
وهكذا، سيكون على الحزب ان يبتكر ردا مدروسا يجمع بين وجوب ترميم معادلة الردع وبين تجنب التدحرج الى حرب شاملة في وقت يواجه لبنان أزمة اقتصادية- اجتماعية قاسية.
ولئن كان الاحتلال يفترض ان الانهيار يكبل المقاومة ويمنعها من المجازفة، الا ان المقاومة لن تقبل على الارجح بأن يستغل العدو هذا الانهيار لفرض امر واقع جديد عليها.