سياسة

تفاؤل اصطناعي بتأليف الحكومة: “إذا مش بكرا البعدو أكيد”

وساطات مرجع نيابي وآخر أمني بين بعبدا وبيت الوسط والفرزلي يرى الولادة قريبة وحتمية

الملف الحكومي قيد المراوحة السلبية في ضوء استحكام العقد بعملية تشكيل الحكومة، وما يُسرّب عن تشكيلات جاهزة لا تُعد إلّا كونها جزءًا من إعلان إنّه أسبوع التفاؤل “الاصطناعي” عن قرب تشكيل الحكومة.

لم يُفلح الرئيس المكلّف سعد الحريري أن يخرج إلى اللّبنانيين لإعلان تشكيلته الوزارية وإطلاق قطار العملية الإصلاحية الآيلة لإخراج لبنان من طريق الانهيار. ومرّ 59 يومًا على إعلان “نيو” سعد الحريري، الجديد المطهّر من آثام العهود الماضية، و45 يومًا على تكليفه لكنّه لا يزال يرقد في صمت وقدر من اللّامبالاة عن كل ما يجري في البلاد، متمسكًا بتكليف مثقل بالعقبات لم تتضح أبعاد هذا التشبث بموقع لا يستطيع أن يتحمّل مسؤولياته ولا التفريط به.

لا يُفسّر تقاعس السياسيين في لبنان عن السرعة في تشكيل الحكومة، سوى أنّه رغبة في تحقيق مصالح داخلية من قبل جهات وانصياع تام للخارج من قبل جهات أخرى. وفي بلد تضييع الوقت والفرص فإنّ التسريبات والمواقف المتضاربة تضع الملف الحكومي على حاله من الجمود في ضوء التباينات الحاصلة بين العاملين على خط التأليف واختلاف وجهات النظر مع بعض القوى السياسية، إلّا أنّه يحلو لمصادر متابعة التأكيد لـ”أحوال” أن الرئيس المكلّف سعد الحريري سيطرح تصوّرًا أمام رئيس الجمهورية ميشال عون عن شكل الحكومة على أن يتمّ استكمال التشاور في الأسماء بين الرئيسين في زمن لاحق. وتجزم المصادر بأنّ الحكومة ستُبصر النور سريعًا في لحظة تنازل كلِّ من رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر عن شروطهما في التأليف، وأن اعتذار الحريري عن التكليف ليس واردًا، وهو ما أشار إليه نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش، محذرًا من أن “تنحّي الحريري سيؤدي إلى مزيد من تدهور الأوضاع ولن يتمكّن أحد من تحمّل مسؤولية ذلك”. ويُكرر النائب السابق أنّ “الحريري مصرّ على حكومة اختصاصيين غير حزبية ومعياره الوحيد أن تكون هناك حكومة قادرة على التفاهم مع المجتمع الدولي”. ويقول “يبقى أن يوافق الرئيس عون على التشكيلة الحكوميّة المؤلّفة من 18 وزيرًا ويُنتظر أن يزور الحريري بعبدا ولكن لا موعد محدّدًا بعد”.

إذن الملف الحكومي معلّق وسط صمت مطبق للرئيس المكلّف سعد الحريري وشبه انقطاع لزياراته إلى بعبدا. ويعلّق علوش على الأمر أنّ “الحريري لن يتأثر بكلّ ما يُقال أو يُشاع، وهو يتحمّل مسؤوليته في السعي إلى تشكيل الحكومة في أقرب وقت ممكن، لتبدأ مهمتها في تنفيذ البرنامج الإنقاذي والإصلاحي الذي حَدّدته المبادرة الفرنسية. وبالتأكيد، ليس هو من يعطّل تأليف حكومته”.

حتى الآن لا مؤشرات على زيارة قريبة للرئيس المكلّف إلى قصر بعبدا ولم يتمّ تحديد موعد له اليوم ولا غدًا علمًا أنّه في الزيارات السابقة يتمّ تحديد الموعد في نفس اليوم. لذا تصرّ بعض المصادر على قاعدة “إذا مش بكرا البعدو أكيد” وتتوقّع أن يزور الحريري عون في الساعات الـ48 المقبلة.

وعلى قاعدة أنّ لا محاصصة حقائب في الحكومة المقبلة لكن يجب التشارك في تشكيلها يصرّ رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر على التشاور مع الجميع دون تغييب إرادة المكوّنات الأساسية في تشكيل الحكومة على أن يكون رئيس الجمهورية شريكًا أساسيًا في تسمية الوزراء.

رغم الجمود الظاهر على الخط الحكومي، حيث لا اتصالات ولا لقاءات علنية بين الأفرقاء المعنيين بملف التأليف، فهناك ثمّة حركة تدور خلف الكواليس، لترميم الشرخ بين بيت الوسط وبعبدا لتقريب وجهات النظر وتذليل العقبات أمام ولادة الحكومة. وضمن هذا الإطار تشير مصادر عديدة متابعة عن وساطات يقوم بها مرجع نيابي وآخر أمني، لتوحيد وجهتي نظر بعبدا وبيت الوسط.

وبحسب المصادر ذاتها، يعمل الوسطاء على طمأنة الرئيس عون، إلى أنّ الرئيس المكلّف، وضع مسودّة كاملة متكاملة من 18 وزيرًا، وفق قاعدة المبادرة الفرنسية التي تنص على اختيار الوزراء وفق معايير الكفاءة والاختصاص والجدارة فقط، ما يؤهلهم لنيل ثقة المجتمع الدولي والمانحين، (وهذه الثقة تعني استثناء حزب الله حصرًا واستبعاده من الحكومة) واللّبنانيين وأنّ الحريري يريد عرضها على “سيّد القصر” وتأمين موافقته عليها. والرئيس يردّ بثباته على موقفه بضرورة إتيان الحريري بحكومة مكتملة وغير منقوصة ليبني على أساسها موقفه من التركيبة، مع اعتماد معايير موحدة تسري على الجميع في التشكيل، سواء كانت تسمية الوزراء أم اعتماد مبدأ المداورة أو التخلّي عنه، وكان جدّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كلمته أمام مؤتمر دعم الشعب اللّبناني، تمسّكه بحكومة تؤلف على أساس معايير موحّدة.

عن تشكيل الحكومة، يحلو لنائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي التبشير “بقرب ولادتها”، ويُجدّد في اتصال مع “أحوال” اعتقاده “أن الحكومة ستؤلف في أقرب وقت ممكن”، مؤكدًا “أن الحريري لن يَخرُج ولن يُحرَج”. ويعتبر الفرزلي أنّ “الحكومة حتميّة، وحاجة دولية وإقليمية ومحليّة، وفي لحظة ليست ببعيدة ستولد”. ويضيف “البلد على طريق الانهيار ووجود حكومة حاجة ماسة للجميع للخروج من الأزمات القائمة، لا يمكن الاستمرار على وقع التجاذبات والتراشق بين الفرقاء”. وعلى مبدأ التمسّك بالمبادرة الفرنسية يقول الفرزلي إنّه “لا بديل عن المبادرة والجميع يريدها لأن لا حلّ آخر لدينا، والمجتمع الدولي لا يملك خيارات بديلة. لذا على وسطاء الحل والربط أن يُسارعوا إلى تبديد العقبات وتقديم حكومة للناس التي لم تعد قادرة على تحمّل الهموم”. ويُصرّ الفرزلي على القول إنه “عندما تتشكل الحكومة تتراجع الأزمة الاقتصادية حيث ستوضع الأموال في صندوق مساعدات للبنان سيتم إنشاؤه وستساهم فيه دولًا عربية”.

من العقد الداخلية المعلنة والمعروفة تقف التعقيدات الخارجية، وفي مقدّمها الفيتوات والعقوبات والشروط الأميركية تجاه مكونات لبنانية، حائلًا أمام التوافق اللّبناني فيما يستمر مسلسل استنزاف البلد المستمر بلا أيّ طائل. وبانتظار اللّحظة التي ستكشف البشائر الحكومية يمرّ لبنان بأيام هي الأكثر سوءًا وكارثية ومأساوية في تاريخه.

 

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى