الأحزاب تترنّح في النقابات… فهل تسقط بالنيابة؟
“النقابة تنتفض، النقابة تنتصر”، هكذا كان الجو يوم أمس في انتخابات مندوبي نقابة المهندسين، إذ تمكنّت قوى “الثورة” من تحقيق فوز كبير على تحالف قوى السلطة، في مشهد استعاد ذكرى انتخابات نقابة المحامين التي حصلت عام 2019 وأفضت إلى وصول النقيب ملحم خلف على حصان الحراك الشعبي، وذكرى الإنتخابات الطلابية التي حصلت في العامين الماضيين، فهل تُقدّم الإنتخابات النقابية صورة مصغّرة عن الإنتخابات النيابية المقبلة، وماذا عن أسباب هزيمة الاحزاب؟
التحالف “الكذبة”
من التفصيل الثاني نبدأ، حيث يمكن بكل بساطة قراءة أسباب هزيمة الأحزاب، ومنها “شكل التحالف”، حيث كيف يمكن توقع نجاح حلف يضمّ قوى سياسية متباعدة ومختلفة فيما بينها، ولا تترك مناسبة إلا وتُعلن فيها الحرب على بعضها؟، وكيف يمكن توقع نجاح حلف يراه القريب والبعيد “حلف المصلحة”، وحلف “الكذبة”؟
كذلك إن الأزمة الإقتصادية التي يمر بها البلد وارتفاع أعداد البطالة بين المهندسين كانت سبباً لازدياد النقمة على قوى السلطة، لذلك حتى المهندسين القريبين من الأحزاب صوتوا ضدها كـ”فشّة خلق” من الواقع الحالي. ومن الأسباب أيضاً تبدّل المزاج الشعبي، حتى ولو لم يكن هذا التبدّل معياراً لتوجهات الشعب في النيابة، إلا أنه يُعطي صورة عن تراجع شعبية الأحزاب، وهو ما يحتّم عليها إعادة النظر بعملها وتحركاتها قبل الإستحقاق النيابي.
هي ليست مؤشر حقيقي
لا يظنّ الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين أن الإنتخابات النقابية تقدم صورة عن شكل ونتيجة الإنتخابات النيابية المقبلة، معتبراً أن لا علاقة بأي انتخابات نقابية بالإنتخابات النيابية.
ويضيف شمس الدين في حديث لـ”أحوال”: “في البداية علينا أن ننتظر انتخابات النقيب في 18 تموز لأن النتيجة قد تظل نفسها وقد تختلف، ولكن بكل الحالات فإن الإستحقاقين يختلفان، والتوقيت أيضاً يختلف إذ أننا نتحدث عن انتخابات حصلت اليوم، وأخرى ستحصل بعد 10 أشهر، وهي فترة طويلة قد تحمل الكثير من المتغيرات”، مشيراً إلى أن أسباب الإختيار لدى الناخبين تختلف عندما سيكون الإستحقاق نيابياً.
ما يسري على النقابات يسري على الإنتخابات الطلابية أيضاً، فالمهندسين أو المحامين أو الطلاب لا يمثلون كل الشعب، ويمثلون فئة منه، وفي لبنان عادة ما تكون حسابات الإنتخابات النيابية مختلفة عن كل باقي الحسابات.
توقع بانخفاض نسبة الإقتراع بالإنتخابات النيابية
إن حديث شمس الدين لا يعني أن الأحزاب في أفضل حالاتها جماهيرياً، بل على العكس تماماً، إذ يتوقع الباحث في الدولية للمعلومات أن نسبة الإقتراع في الإنتخابات المقبلة قد تنخفض إلى ما دون الـ 40 بالمئة، لتكون الرسالة الشعبية مقاطعة الإنتخابات، كنوع من الإحتجاج، خاصة بظل عدم توفّر بديل يحظى بثقة الناس.
أما عن الإحصاءات، فيشير شمس الدين إلى أن الظروف الحالية وعدم الإستقرار الذي نعيشه يجعل الإحصاءات شبه مستحيلة، لافتاً إلى أنه في أحسن الأحوال فلا يمكن إجراء أي دراسة قبل 4 أشهر على الأقل من موعد الإنتخابات النيابية، وبدء وضوح صورة المرشحين.
المزاج تبدّل .. ولكن
هل ينكر أحد أن المزاج الشعبي اليوم تغيّر؟ لا نظنّ ذلك، ولكن هل يمكن القول أن نتائج انتخابات نقابة المهندسين تعني خسارة الأحزاب في الإنتخابات النيابية المقبلة؟ أيضاً لا نظنّ ذلك، ففي العام 2017 خسر تحالف “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر” مقعد نقيب المهندسين في بيروت، لمصلحة مرشح المجتمع المدني، المهندس جاد ثابت، ولكن هذه النتيجة لم تنعكس على الإنتخابات النيابية عام 2018. ربّما وقتها كان الوضع في لبنان جيداً، بينما اليوم نعيش في جهنّم، ولكن لا شكّ أن لعبة الإنتخابات النيابية في لبنان تحمل في طياتها حسابات مناطقية وطائفية ومذهبية وحزبية ومالية تجعلها فريدة من نوعها.