منوعات

بين تعميمي مصرف لبنان 158 و151: هل يضيع حقّ المودعين؟

لا يزال التّعميم 158 الذي أصدره حاكم مصرف لبنان، والذي حدّد فيه شروط وكيفيّة تسديد المصارف بشكل تدريجي، الأموال لأصحاب الودائع الأجنبيّة، في الحسابات المفتوحة قبل 31-10-2019، اعتباراً من 30 حزيران 2021، موضع شكّ بالنّسبة لمعظم المودعين.

صحيح أنّ التّعميم طمأن نحو 800 ألف مودع من المستحقين، بأنّ ودائعهم ستصل إليهم في مدة أقصاها 5 سنوات، إلّا أنّه أثار الكثير من الشّكوك والتّساؤلات، حول آليّة تطبيقه وإمكانيّة استمراره، خصوصاً وأنّ البعض اعتبره الطّريق الأسرع للانهيار.

رابطة المودعين ترى أنّ مخاوف كبيرة تحاصر هذا التّعميم وامتداده المبدئي إلى 5 سنوات مع إمكانيّة تعديله وتجديده سنوياً، أو العودة إلى إلغائه وتكبيد المودعين خسائر إضافيّة. فمثلاً قبول شروط التّعميم  وإمضاء التّعهد المرتبط به، قد يعيدا قيمة الوديعة إلى سعر صرف 1500 ليرة. ففي حال تعثّر الدّفع بالدّولار من قبل “المركزي” بعد سنة من تطبيقه، يفقد المودع تلقائياً حق الاستفادة من التّعميم 151 الذي يحدّد سعر صرف الدّولار على المنصة بـ 3900 ليرة لبنانيّة، وبالتّالي يصبح استرداد وديعته على أساس سعر صرف 1500 ليرة.

فمن يضمن للمودعين حقّ الحصول على كامل ودائعهم، أو أقلّه عدم إضاعة فرصة الاستفادة من أحد التّعميمين المذكورين لاحقاً؟

تعاميم الفوضى

يؤكد الرّئيس السّابق للجنة الرّقابة على المصارف سمير حمود لـ “أحوال”، أنّ من حقّ المودعين الحصول على أموالهم، إلا أنّنا نواجه مشكلة حقيقيّة ركيزتها الأساسيّة، المودع، ولا نستطيع اتّخاذ أيّ قرار دون حفظ حقوقه، كونها حقوق مقدّسة.

ويتابع، نحن اليوم نعيش إمّا بتعاميم الفوضى وإمّا بفوضى التّعاميم في ظلّ غياب الحلول الشّاملة. ويوضح حمود أنّ كل تعقيدات التّعميم 158 ستطال الودائع الكبيرة، وسيكون تنفيذه من خلال صغار المودعين. ويعتبر أنّه من مصلحة أصحاب الودائع الكبيرة والمتوسطة الإبقاء على التّعميم 151 والاستغناء عن مفاعيل التّعميم 158.

احتيال مقونن: المطلوب قوانين لا تعاميم

وتساءل حمود ما تفسير أن تكون أموال النّاس بالدّولار منها على أساس 12000 ومنها على أساس 3900؟ داعياً جمعية المصارف أن تأخذ بعين الاعتبار إنعكاس التعميم، وأن تكون أكثر دقّة ومتابعة.

ويشدد على ضرورة تشكيل حكومة تخاطب المشاكل الماليّة، لافتاً إلى أن جميع التّعاميم الصّادرة عن المصرف المركزيّ لا تؤدي إلى حل الأزمة، بل قد تفاقم تعقيداتها. ويقول: “نحن نحتاج إلى قوانين لا تعاميم، خصوصاً وأنّ التّعميم يمكن الطعن به”.

من جهتها، ترى المحاميّة ديالا شحادة من رابطة المودعين، أنّ العقود المرتبطة بالتّعميم 158 هي عمليّة احتيال مقوننة، وحذّرت من التّعميم المذكور، واصفة إياه بـ”الخطر”.

وتعتبر أن هذا القرار كسوابقه، صُمم لتحميل الكلفة لأصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة، أمّا باطنه فهو تجميد للحسابات المصرفيّة، وعبارة عن حماية للمصارف على حساب المودعين.

وترى أنّ القرار يحتوي على مهل متناقضة؛ فهو يقول إنّ مدته سنة واحدة قابلة للتعديل من جهة، ويذكر في المادة 11 من القرار نفسه، أنه سيبقى سارياً لغاية تحرير كلّ الأموال المحوّلة إلى الحساب الخاص من جهة أخرى.

لا لقبول التّعميم 158

تناشد شحادة أصحاب الودائع الصّغيرة والمتوسطة عدم الرضوخ لمحتوى القرار، فمن حقهم الحصول على ودائعهم كاملة، وبالعملة التي وضعت بها في المصرف.

كما وتطالب القضاء المختصّ باتّخاذ الإجراءات اللّازمة لكف يد حاكم مصرف لبنان عن العبث بالأمن الاجتماعي، وتعديه السّافر على القانون والدستور، محمّلة المسؤوليّة الأكبر للكتل السّياسيّة في البرلمان اللّبناني والسّلطة التنفيذيّة.

وبحسب معلومات أكدها مصدر مصرفي  لـ “أحوال”، فإنّ مصرف لبنان سيعود بعد فترة ويعلن عن عدم قدرته على الدفع بالدّولار.

استنتاجات استباقيّة

يعترض بهيج الخطيب مدير القطع الأجنبيّ السّابق في مصرف لبنان ومستشار اتّحاد المصارف العربيّة، على هذه الاستناجات الاستباقيّة، التي تهدف إلى الإساءة للمصرف المركزيّ وحاكمه وجهازه ونظامه المصرفيّ.

ويقول، أهداف ونوايا الجهات التي تحاول الإساءة “للمركزيّ” وتعاميمه أصبحت معروفة ومكشوفة، والتعميم رقم 158 المتعلّق بالإجراءات الإستثنائيّة لسداد تدريجي للودائع بالعملات الأجنبيّة، وإعادة بعض من دولارات المودعين، واضح ويساعد صغار المودعين في الحصول على جزء من ودائعهم، على مدّة 5 سنوات بقيمة 9600 دولار سنويّاً، نصفها بالدّولار والنّصف الآخر باللّيرة.

ويضيف الخطيب، الحاكم أعطاهم حلولاً، لماذا كل هذه التّعقيدات في طريق هذه المبادرة التي تعتبر جزءاً من عمليّة إعادة الودائع المحتجزة لدى المصارف، تطبيقا للمادة 79 من قانون النّقد والتّسليف، والتي أعطت الحقّ للمصرف المركزيّ بالتّأثير على التّسليف بالشّكل الذي يراه مناسباً، وذلك بتحديد حجم التّسليف بحسب القطاعات أو لأغراض معيّنة، مع تنظيم شروط هذا التّسليف.

ويرى أن هذه الخطوة التي قام بها المركزيّ، ما هي إلاّ بهدف حماية أموال المودعين من سياسة الدّعم المشبوهة، التي تنفّذها وتسرقها الطّبقة السّياسيّة الفاسدة، مع اقتراب موعد الانتخابات النّيابيّة المقبلة.

وفيما يؤكد مصدر مصرفيّ أنّ التّعميم 158 محفوف بالصّعوبات، خصوصاً وأنّ المصارف لم تستطع بأكملها الإلتزام بالتعميم رقم 154،  والذي يقضي بزيادة المصارف السّيولة لديها بنسبة 3% لدى المصارف المراسلة، وبالتالي فهي غير قادرة على تسديد الدّولارات، ما يعني أن بعض المصارف ستتمنع عن تطبيق هذا التّعميم؛ إلاّ أن الخطيب يؤكد، على أنه بإمكان كل المصارف تنفيذ التّعميم، “فكلّ التّعاميم الصّادرة عن المصرف المركزيّ لها قوة قانونية، توازي كلّ القوانين وأكثر”. ويضيف، مصرف لبنان سيفرض عقوبات على المصارف المخالفة والرافضة للالتزام بالتّعميم 158.

ناديا الحلاق

 

 

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى