سياسة

بعد جلسة البرلمان… ستاتيكو التعطيل باق ويتمدّد!

بعد أن طوى المجلس النيابي، مفاعيل الرسالة الرئاسية حول التأليف الحكومي، بمنازلة أدلى فيها كل طرف بـ”فراغ” جعبته للحل، بقي ستاتيكو “اللّاحل” هو الواقع الراهن. الساحة السياسية مشرّعة على مسارات الربح والخسارة وتسجيل النقاط بين الأفرقاء السياسيين، وهو مسار منعزل عن الواقع الفعلي للمواطنين الذين لا يملكون ترف الانشغال بمنازلات الطبقة السياسية.

“سيرة التعطيل” التي أوردها رئيس الجمهورية ميشال عون في رسالته، وردَّ عليها باتجاه معاكس الرئيس المكلّف تتمدّد وستبقى سائدة في المدى المنظور، بعد دخولها الشهر الثامن، ولا حلول وشيكة في الأفق. وسيناريو جلسة مجلس النواب، الذي رسم مساره رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد رسالة الرئيس ميشال عون بتأكيد تكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة وانتهى على توصية أطراف التأليف المعنيين بـ”المرونة” والإسراع بتشكيل الحكومة، نجح في تثبيت الشلل.

وأبقى سيناريو برّي “المدوزن” على نديّة الفريقين المشتبكين على جنس ملائكة الحكومة وشياطينها، فلم يُهمل الرسالة دستوريًا ولم يتمكن من تنشيط “خمول” الرئيس المكلّف بالتأليف.

فريق رئيس الجمهورية كان مدركًا لنتيجة الجلسة النيابية، لم يكن يتوقع أو ينتظر أن ينزع النواب عن الحريري التكليف، وأن لا شيء في الدستور ينص على نزع التكليف، ولكن الرئيس أدّى دوره في تحريك مياه المناخ السياسي الراكدة في الملف الحكومي، وأوصل رسالة سياسية حول موقفه من أداء الحريري اللامبالي، بحسب قول هذا الفريق.

في المقابل، يقرأ فريق الرئيس المكلّف في الجلسة، أن المجلس النيابي أعاد “تجديد شباب” تكليف رئيس تيار المستقبل لتشكيل الحكومة، وأن الجلسة هي تسجيل لمضبطة مساءلة للعهد في ملف التعطيل وفق ما ورد على لسان الرئيس الحريري. إلّا أن خطاب الرد قرّع فريق بعبدا دون أن يُحرق الجسور مع رئيس الجمهورية، الذي لا يمكن أن تولد حكومة دون رضاه وتوقيعه.

مايسترو المجلس النيابي، وهو المتحالف مع الرئيس المكلّف، استطاع ضبط إيقاع الجلسة مع ترتيب الفوضى ولجم التشنّج الكبير من الخطابات “المتفلتة” من عقال العقل والمنطق المراعي لأزمة الوطن، لئلا تأخذ منحى طائفًا وتُثير اشتباكات جانبية تُضيف إلى المأزق اللبناني الكبير توترًا مذهبيًا بغنى عنها. وأخرج رئيس المجلس النيابي نبيه بري تعويذة برلمانية، إلى أنه إنطلاقًا من “فصل السلطات وتعاونها، وكي لا تطغى سلطة على أخرى، وكي لا يدخل المجلس في أزمات ميثاقية، يؤكد المجلس على ضرورة المضيّ قدمًا وفق الأصول الدستورية، لتشكيل حكومة جديدة بالإتفاق مع رئيس الجمهورية”.

ورغم الانسداد الجلي في خطاب الفريقين المتباعدين، بدأ بري مساع جديدة لتحريك وساطته بين عون والحريري، لعلّ ذلك يسهم في تهدئة التوتر، ويمنع تفاقمه، ويفضي إلى صيغة سياسية معينة يمكن البناء عليها للوصول إلى حكومة. فاجتمع بالرئيس المكلّف قبل الجلسة وبعدها وأجرى مشاورات سريعة مع النائب جبران باسيل، كما تباحث الأخير مع معاون رئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل حول ضرورة العمل على تسهيل التشكيل دون أن تتبلور صيغة الأمر…

باسيل، الذي رسم في كلمته خريطة طريق، على طريقته، لتشكيل الحكومة وفيها توزيعات المحاصصة الطوائفية والأسماء والحقائب، قدّم شرحًا لأسلوب التشكيل ومفهوم الميثاقية دون أن ينزع دستورية التكليف عن الحريري، معلنًا زهده بالمكاسب الوزارية. ومن وجهة نظر التيّار الوطني الحر، رئيس “تكتل لبنان القوي” النائب جبران باسيل “قدّم عرضًا موجزًا للواقع دون تزوير وأزال كل العقبات، كما وضع خارطة طريق للحلول منها مسارات للتأليف ولتصحيح الدستور والنظام، كما توجه بدعوة للحوار”.

تَجاوز البرلمان الانفجار السياسي الكبير، لا يحجب الافتراق الكبير، وفي الخارج المعركة السياسية مستمرة، ويُحكى عن تحضيرات لخطوات سياسية لدفع الحريري إلى التحرّك أو الإعتذار!…

وفي جلسات العصف الفكري، التي لا تهدأ في القصر الجمهوري، دعوة إلى طاولة حوار اقترحها رئيس التيّار الوطني الحر جبران باسيل في مجلس النواب يدعو إليها رئيس الجمهورية ويحضرها رؤساء الكتل والأحزاب في بعبدا، للبحث في كيفية الخروج من المأزق الحكومي.

لكن هذه الخطوة، قد لا تجد استحسان الرئيس المكلّف، الذي بحسب المعلومات غادر الأراضي اللبنانية عائدًا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة حيث تستقر عائلته، ما يُفيد أن أبواب الاتصالات لا تزال مقفل وأن الجلسة التاسعة عشرة بين عون والحريري لم يحن أوانها بعد، وأن المسار الحكومي معلّق على انتظار إشارات خارجية ينتظرها الرئيس المكلّف.. وإلّا العودة إلى خيار الاعتذار، والهروب بعيدًا عن الانفجار اللبناني الكبير، وهذا ما يترقبه فريق الرئيس.

عقد التأليف متشابكة بين بعبدا وبيت الوسط، والاشتباك السياسي ولو ارتدى طابعًا دستوريًا، لا يُشخص الأعراض الفعلية للأزمة المبنية على المقاربات السياسية الشخصية تحديدًا وليس على أية عوامل تتعلق بالدستور والنصوص التي تتحكم باستحقاق التأليف. وبحسب مصادر سياسية مطلعة، أن أسباب الخلاف لا تتعلّق ببرامج الإنقاذ المالي أو معالجة الأزمات الصحية والإقتصادية والتربوية والإنمائية، بل بمساعي السيطرة والمحاصصة.

وبعد إخفاق كل الوساطات والمبادرات الداخلية والخارجية فإن الطبقة السياسية تقود إلى تسريع موعد السقوط المرتقب مع نهاية الدعم للسلع الأساسية وانفجار الشارع بوجه كل الأطراف السياسية من دون استثناء.

الجرّة المكسورة لم يتمكن أحد من ترميمها بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، ولو مع الإبقاء على شقوق بارزة، فيما تتناثر البلاد على هموم المواطنين الشاقة، لا غذاء، لا دواء، لا كهرباء، لا بنزين ولائحة طويلة من الحرمان والعوز.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى