“هيومن رايتس ووتش” للحكومة اللبنانية: اسمحوا للطلاب اللاجئين السوريين بتقديم الامتحانات
أعربت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن استيائها من قرار وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان القاضي بمنع الطلاب اللاجئين السوريين من تقديم الامتحانات المدرسية إلّا إذا أبرزوا وثائق رسمية لا يمكن سوى لعدد قليل من اللاجئين الاستحصال عليها.
ويشترط المرسوم رقم 40 الذي أقرّه مجلس الوزراء في لبنان في 2017 من الطلاب السوريين تأمين جداول العلامات الرسمية من سوريا للحصول على شهادات الصفّ التاسع أو الثاني عشر.
ورأت “هيومن رايتس ووتش” و”مركز الدراسات اللبنانية” أنّه يتوجّب على الوزارة دعم الحقّ في التعليم وإلغاء شرطها بحيازة الطلاب إقامة قانونية لتقديم الامتحانات المدرسية فورًا، كما ينبغي أن تلغي الحكومة اللّبنانية بشكل دائم القيود التمييزية المتعلّقة بإتاحة التعليم للطلاب اللاجئين.
وقالت إنّ جميع الأطفال، بغضّ النظر عن وضعهم القانوني، سواء كانوا مهاجرين أو طالبي لجوء أو لاجئين، لديهم الحقّ في الحصول على تعليم لائق من دون تمييز.
من جهتها، رأت مها شعيب، مديرة “مركز الدراسات اللبنانية” وهو معهد أبحاث أنّ لبنان يُفرّط بمئات الملايين من الدولارات التي يرسلها المانحون لتعليم الأطفال اللاجئين عبر منع هؤلاء الأطفال من التقدّم للامتحانات المدرسية. ينبغي للمانحين الدوليين، الذين تبرّعوا بسخاء لتفادي ضياع جيل، مطالبة الحكومة بإزالة هذه العوائق أمام التعليم نهائيا”.
يفرض لبنان على اللاجئين السوريين الحصول على إقامة قانونية للبقاء في البلاد بطريقة شرعية، لكنه يخلق عوائق إجرائية ويفرض شروطا صارمة تحول دون حصول 80% من السوريين عليها. أنذر بعض مسؤولي المدارس الطلاب السوريين بأنّ 4 مايو/أيار 2021 هي المهلة الأخيرة لتقديم الوثائق، بما فيها إثبات الإقامة، وإلّا سيُمنعون من إجراء الامتحانات.
في لبنان، يخضع الطلّاب لامتحانات إلزامية في الصفّ التاسع، أي السنة الأخيرة من التعليم الإلزامي، وفي الصفّ الثاني عشر، أي السنة الأخيرة من التعليم الثانوي. في الأعوام السابقة، ألغت وزارة التربية والتعليم العالي شرط إثبات الإقامة، غالبا في اللحظة الأخيرة، بعد موافقة مجلس الوزراء على ذلك. لم يُلغَ هذا الشرط بعد لامتحانات هذا العام التي ستُجرى في أغسطس/آب، رغم تطمينات وكالات “الأمم المتحدة” للعائلات السورية بأنّ “جميع طلاب الصفّيْن التاسع والثاني عشر سيتمكّنون من الخضوع للامتحانات الرسمية اللبنانية”.
“تحتاج ابنتي أن تدرس، لكن لم يعُدْ باليد حيلة”
في آذار، راسل مركز الدراسات اللبنانية وزارة التربية والتعليم العالي ووكالات الأمم المتحدة لإعلامها بأنّ مدراء المدارس يطلبون إثبات إقامة من الطلّاب السوريين، وطالب المركز بإلغاء هذا الشرط نهائيا، لكنّه لم يتلقَّ ردّا. بدلا من ذلك، نشرت الوزارة في 15 نيسان، التعميم رقم 11 الذي يستوجب من الطلاب غير اللبنانيين في المدارس الرسمية والخاصة إبراز تصريح إقامة أو غيره من الوثائق الرسمية الصادرة عن “المديرية العامة للأمن العام اللبناني”، التي تضبط الحدود والإقامة، للخضوع للامتحانات.
بدعم من مجموعات المجتمع المدني التي تقدم المساعدة القانونية والتعليم للاجئين في لبنان، وثّق مركز الدراسات اللبنانية وهيومن رايتس ووتش حالة 18 طفلا سوريا منعتهم السلطات من التسجيل لامتحانات الصف التاسع خلال العام الدراسي الراهن، و10 طلّاب بعمر 18 أو أكثر لم يتمكّنوا من تأمين الوثائق اللازمة للخضوع لامتحانات الصف الثاني عشر.
شهادات الطلاب اللاجئين وأهاليهم
قالت أُسر سورية إنّها باعت الأثاث المنزلي أو استدانت لدفع رسوم الوثائق، حتى أنّ أفرادها تسلّلوا إلى سوريا، مخاطرين بالعقاب الشديد، للحصول على الوثائق التي طلبتها السلطات اللبنانية، لكن غالبا دون نتيجة. بسبب الشروط المفروضة على اللاجئين السوريين لإبراز وثائق لا يمكن إصدارها سوى في سوريا، قد يواجهون ضغوطا للعودة إلى وضع قد يعرّض حياتهم للخطر، وبطريقة غير شرعية، لأنّ السوريين الذين لا يحملون إقامة قانونية ويغادرون لبنان عبر المعابر الحدودية الرسمية يُمنعون من العودة. أكّد مدراء المدارس الذين تواصلت معهم المجموعات بأنّهم سيطبّقون شروط وزارة التربية والتعليم العالي.
“المدرسة أعطت الطلاب السوريين مهلة شهر لتأمين الوثائق اللازمة للامتحانات”
دفعت ثلاث أُسر لاجئة أرادت بناتها الخضوع لامتحانات الصفّ التاسع المال للحصول على أوراق رسمية سورية مصدّقة من وزارة الخارجية والمغتربين في لبنان لتلبية شروط مدارسهنّ. طلبت المدارس الرسمية اللبنانية منهنّ بعدها تصديق الوثائق من السفارة السورية في لبنان، علما أنّها كانت مغلقة بسبب الإقفال العام بسبب تفشي فيروس “كورونا”. عندما تمكّنّ من تقديم الوثائق، رفضت السفارة تصديقها بسبب انتهاء صلاحيتها. قالت والدة إحدى الفتيات إنّ عائلتها اقترضت 150 دولار للحصول على الوثائق ولتسديد تكاليف النقل.
قال أحمد (17 عاما) إنّ مدرسته في سهل البقاع أعطت الطلاب السوريين مهلة شهر لتأمين الوثائق اللازمة لامتحانات الصف التاسع. تمكّن من تأمين إخراج قيد مدني سوري، وهو مستند معلومات شخصية، لكن للحصول على إقامة في لبنان، كان عليه أيضا إبراز إفادة سكن وبطاقة الهوية الوطنية السورية أو جواز سفر، ما يكلّف 425 دولار – مبلغ خيالي بالنسبة إليه.
“عائلة اقترضت 150 دولار للحصول على الوثائق”
قال أحمد ولاجئون سوريون آخرون في سهل البقاع إنّهم حاولوا مرارا الاتصال بـ “مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين” لمساعدتهم في الحصول على إفادة سكن، لكنّهم لم يفلحوا. شعروا أنّ لا خيارات أخرى أمامهم. قالت إحدى الوالدات: “تحتاج [ابنتي] أن تدرس، لكن لم يعُدْ باليد حيلة”.
في أُسرة أخرى، حصل أحد الأشقّاء على إخراج قيد مدني، لكنّه لم يستطع تحمّل كلفة تصديقه في السفارة السورية. لم يستطع شقيقه الأكبر تحمّل تكاليف الحصول على جواز سفر سوري يحتاجه للخضوع لامتحانات الصفّ الثاني عشر. قال لاجئون بلغوا سنّ 18 عاما إنّهم لن يعودوا إلى سوريا لتأمين الوثائق لامتحانات الصفّ الثاني عشر لأنّهم استُدعوا للخدمة العسكرية في سوريا، ورفضوا المشاركة في انتهاكات زمن الحرب التي وسمت تصرفات القوات المسلحة السورية منذ بدء النزاع في 2011.
الطلاب السوريون الذين سُمح لهم بالخضوع للامتحانات في السنوات السابقة، رغم عدم حيازتهم الوثائق المطلوبة، حصلوا على “إفادة نجاح” فقط لدى نجاحهم في الامتحانات، وليس على شهادة أو علاماتهم. انخفضت معدّلات التحاق اللاجئين السوريين بالمدارس في لبنان إلى 1% فقط في المرحلة الثانوية، ويتفاقم الوضع في ظلّ تفشي كورونا.
قالت المجموعات إنّه ينبغي للحكومة اللبنانية أن تُلغي نهائيا القيود التمييزية على إتاحة التعليم للطلاب اللاجئين بدلا من أن تطلب منهم، عاما تلو الآخر، انتظار إعفاء متأخر عن هذا الإجراء،. في 2015، أفادت “منظمة الأمم المتحدة للطفولة” (“اليونيسف”) بأنّ عدم تأكّد الطلاب السوريين من قدرتهم على الخضوع للامتحانات “يثنيهم عن الالتحاق بالمدرسة خلال العام الدراسي، خصوصا في الصفين التاسع والثاني عشر، حتى لو سُمح لهم أحيانا بالخضوع للامتحانات في اللحظة الأخيرة من دون الوثائق [المطلوبة]”.
قال بيل فان إسفلد، مدير مشارك في قسم حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش: “تكافح العائلات السورية اللاجئة بشدّة لتأمين التعليم لأطفالها، لكنّ شروط الحكومة اللبنانية المستحيلة لتأمين الوثائق توصد الأبواب في وجه محاولات هذه العائلات. على المانحين الدوليين إعلاء الصوت بشأن سياسات لبنان التمييزية التي تدمّر حياة ومستقبل الأطفال اللاجئين، والضغط من أجل إتاحة الوصول التام إلى التعليم”.