سياسة

تأليف الحكومة… حركة بلا بركة

الدولة المتحلّلة ساحة لكلّ أنواع الاختراقات، وفي لبنان تتساقط كلّ أنواع الأزمات الحياتية والاقتصادية والمؤسساتية، ويزيد التأزيم من صدأ الطوق المقفل على الاتصالات السياسية الداخلية لتشكيل الحكومة.

كل الاستحقاقات، التي ينتظرها لبنان تجاوزت الخطوط الحمر، صمت الرئيس المكلّف، الذي سافر من الإمارات إلى الفاتيكان وعاد إليها، إلى الخطاب الحاد الذي خرج به رئيس التيّار الوطني الحر جبران باسيل، تؤشر بوضوح أن إمكان التلاقي والتسوية يتساوى مع الانهيار الشامل والعجز الداخلي عن الإنقاذ.

القضاء المتشظي والثقة المفقودة بين أركانه وبينه وبين الشعب اللبناني، والحدود البرّية والبحريّة المفتوحة على التهريب وكل أنواع المخالفات، الحصار والعزلة العالمية، كلها مرتكزات لانحلال الدولة والكيان وكأن ثمة من يؤسس لوطن جديد. الوطن الجديد يقرأه كل فريق على مزاجه ومن وجهة نظره المؤسسة لوطن يقوم على أنقاض لبنان “اتفاق الطائف” إلى آخر على مقاس المشاريع السياسية للجماعات المتناحرة محليًا ودوليًا.

الرئيس المكلّف منذ أكثر من نصف عام، حالته ضبابية ولا يبدو أن جولاته الخارجية قد أفضت إلى ما يُبنى عليه لاقتحام عملية التأليف مصحوبًا بدعم وحشد عربي ودولي. وفي حين أنه لم يبلغ أبواب الرياض بعد والإحجام السعودي عن دعمه في مهمته مباشرةً أو مواربةً فإن أبواب السرايا الحكومية لا تزال بعيدة عنه. لا بل أكثر تجد مصادر متابعة أن رحلات الحريري الخارجية، تبدو سياحة بين الشرق والغرب وبالأكثر زيارات خاصة وشخصية.

وبعد تعطل كل الحلول الداخلية، التي يُسمعها العرب والغرب للمسؤولين اللبنانيين جاء كلام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أقرب إلى حكم مبرم بإعدام كل النيّات لتسوية أو الاتفاق نع الحريري على تشكيل الحكومة.

رئيس تكتّل لبنان القوي يقول إنه “قدّم كل التسهيلات من أجل دفع الحريري إلى التأليف إلّا أنه لا يريد تقديم تشكيلة من 24 وزيرًا إلى رئيس الجمهورية”. الكلام الذي ردّت عليه مصادر مقربة من الحريري قائلة “لدى رئيس الجمهورية ميشال عون تشكيلة من 18 وزيرًا، حتى اللحظة لم يعطِ ملاحظاته عليها ولم يقل ما المشكلة في الأسماء المسيحية التي أُدرجت فيها”. و”على الرغم من التشدد الرئاسي والعوني”، تؤكد مصادر تيّار المستقبل أن الرئيس المكلف لم يُقفل الباب أمام اقتراح توسيع الحكومة إلى 24 وزيرًا، لكنها تتهم التيار الوطني الحر، بشهيته المفتوحة لتسمية عدد أكبر من الوزراء. وهذا ما أعاد الحريري إلى مربّع حكومة من 18 وزيرًا، لتلافي فتح أبواب مشكلات جديدة مع الكتل النيابية الأخرى. لذا من الأفضل بحسب المصادر المستقبلية الإبقاء على الصيغة المصغرة وبأسماء من أصحاب الكفاءة التقنية وغير المنضوية تحت لواء الأحزاب.

حكومة من 18 وزيرًا، يعني إعطاء رئيس الجمهورية 6 وزراء مسيحيين، إضافة إلى وزيرين للمردة ووزير للقومي، فلا يبقى أي وزير مسيحي من خارج حصة الأحزاب وتتبدد مخاوف رئاسة الجمهورية من أن يسمي مسلم وزيرًا مسيحيًا.

هذا التوزيع “الطائفي” زاد عليه اليوم موقف تصعيدي من نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي المنسحب من تحالفه مع التيار الوطني الحر، والمنقطع عن تكتل “لبنان القوي” النيابي، بقوله

“لن نتنازل عن حقّ المكوّن من النواب المستقلين المسيحيين في مجلس النواب”، وتوجه إلى رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف بالقول “نأمل أن يتم الدفاع عن هذا الحقّ ويجب ألا يفرّط به”.

وزاد الفرزلي “لا يجوز أن تؤخذ البلاد والمجلس النيابي والحقوق الدستورية بتأليف الحكومة التي لا تحمل في طياتها أي اعتداء لا من قريب ولا من بعيد على أي مكون طائفي وبشكل خاص على الطوائف المسيحية”.

الخُبز الحكومي بين باسيل والحريري الممسك بناصية تأليف الحكومة بقوة الدستور، يبدو غير منظور فالرجلان يُمعنان في كيل الاتهامات بالعرقلة والتعطيل، ورئيس التيار البرتقالي، تلا في مؤتمره الصحافي السبت الفائت، سيناريوهات أحكام إسقاط رئيس التيار الأزرق من خلال إسقاط مجلس النواب لإلغاء تكليفه، وذلك بعد رفض الحريري الاعتذار، واستحالة استقالة رئيس الجمهورية، واستبعاد سحب مجلس النواب التكليف.

الجدال الحامي الوطيس بين التيارين يُقابله صمت محكم لدى حزب الله، منذ الكلام الأخير لأمينه العام، الداعم لكل المبادرات والوساطات، استمر السكوت عن الكلام المباح في الشأن الحكومي. الحزب منشغل في انخراطه في مشروع التكافل الاجتماعي لتخفيف أعباء الأزمة الاقتصادية عن المواطنين بخاصة في شهر رمضان، وعقله يرصد تحولات الإقليم والتفاهمات والمفاوضات التي تُطبخ عالميًا.

فيما يطبق الحزب الصمت ويعض على “جمر عناد” الحلفاء والخصوم، لا يزال يُصر بحسب المقربين على سياسة مد اليد والتعاون مع الرئيس المكلف ليُكمل مهمته في تأليف الحكومة. ونصيحته كانت وتبقى هي أن يُشاور الحريري الجميع ولا يُقصي أحدًا من اتصالاته.

أما الحليف، ثاني الثنائي، رئيس مجلس النواب نبيه بري، فهو كما ينقل عنه، زواره، حاله مثل حال “كاظم الغيظ” بعدما لفظ الجميع المبادرات، التي تقدّم بها وتولّى الاتصالات حولها مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم.

وقد رُصِد منذ يومين لقاء متشنج بين بري وموفد الرئيس عون مدير عام الرئاسة أنطوان شقير بحضور اللواء ابراهيم حول عرقلة عملية تأليف الحكومة لأكثر من خمسة أشهر بسبب التمسك بالثلث المعطل وحصة المسيحيين وغيرها فيما المطلوب هو تسهيل ولادة الحكومة لإنقاذ لبنان من الانهيار الكبير.

التطورات الإقليمية والدولية في الملف النووي والاجتماعات السعودية الإيرانية في بغداد وغيرها من عواصم دخلت على خط ترتيب العلاقة، مجتمعة تحمل مؤشرات أن تشكيل الحكومة ركدت في الباحة الخلفية، وكل فريق ينكب على ترتيب أوراقه وفق الاتفاقات التي ستولد.

هي اتفاقات في المنطقة وتفاهمات جديدة، هذا ما يريده الراعي الأميركي، وإذا ما تمّت بين الأميركيين والإيرانيين ستقلب التحالفات في لبنان وتكرس موازين قوى جديدة.

الاتصالات الدولية في ما يتعلق بلبنان، باقية على رتابتها، وفق مصدر مطلع، الفرنسيون يواظبون على العمل لإنجاح مبادرتهم ومهتمون بتحقيق انجاز في الملف الحكومي، وعلى الخط الحراك الروسي مستمر بنفسِ بارد مرتبط بإصلاح أحوال مربّع لبنان وسوريا، حيث كدّست مصالحها. وفي حين يهتم الروسي بإتمام الاستحقاق الانتخابي الرئاسي السوري، تواصل الدبلوماسية الروسية لقاءاتها مع السياسيين اللبنانيين لإسداء النصائح بضرورة حل مشاكلهم داخليًا.

ومن المتوقع أن يزور رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، موسكو خلال أيام، بعد زيارة وفد حزب الله والرئيس سعد الحريري. وكما مع الوفدين الأخيرين فإن زيارة باسيل تندرج في خانة “استمزاج” آراء اللبنانية من الأزمة المستحكمة. مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية، النائب السابق أمل أبو زيد، الخبير بالدوائر الروسية، يشدّد على أن رغبة روسيا في التواصل مع القادة اللبنانيين، هو حثهم على السير بتصوّر واضح لتأليف حكومة وضرورة التفاهم الداخلي بمعزل عمّا يُحاك في الخارج. ويتميّز موقف الجانب الروسي بالتشديد على أن “لا أحد يمكنه اختصار أو إلغاء دور الآخر”.

أما وضع زيارة باسيل المقررة إلى روسيا آخر الشهر الجاري في خانة الضغوط، كما يُصور البعض، فهي غير حقيقية والموقف الروسي من الجميع متساوِ. وفق أبو زيد، عاصمة القياصرة تلتزم بتشكيل حكومة يتفاهم حولها اللبنانيون ولا شروط ولا ضغوط.

 

رانيا برّو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى