منوعات

القلق الفاتيكاني يحرّك العواصم نحو لبنان

لم تكن زيارة الرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري إلى الفاتيكان هي السبب في اندفاعة الدولة الكاثوليكية نحو العمل لإيجاد حل سياسي في لبنان. تتحدث مصادر مطّلعة عن أنّ أمانة سر البابوية تابعت مسبقاً كل تفاصيل لبنان، وبات لديها ملفاً كاملاً عن وقائع أزمته الخطيرة، وصلت فيه إلى خلاصة: خشية من تزايد الهجرة المسيحية من لبنان بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية: لا فرق بين التهديدات الأمنية وتداعيات الأزمة المعيشية. كلاهما يحقّق ذات النتيجة، أي الهروب نحو دول تحقّق الآمان الاجتماعي للمرء. وبما أنّ أبواب العواصم مفتوحة للمسيحيين أكثر من غيرهم، فإن الهجرة ستزداد، ويفرغ بعدها لبنان من مسيحييه. وإذا تراجع حضور المسيحيين في هذا البلد، فإن المسيحية ستُصاب بنكسة في الشرق. لذا، فإنّ المسارعة الدولية نحو حلّ الأزمة اللّبنانية يُمكن أن تحدّ من هجرة المسيحيين من بلد يثبتون فيه حضورهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي منذ زمن بعيد.

المفارقة بحسب المعلومات نفسها أنّ رؤية الفاتيكان لا تنطبق مع رؤية رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي يمسك عنوان “حقوق المسيحيين” شعاراً يخوض به معاركه السياسية ضد خصومه. يقول العارفون إنّ الدولة الكاثوليكية تؤيد تطبيق اتفاق الطائف، ولا تشجّع على فرض تغييرات جوهرية في دستور لبنان. يمكن قراءة الإرشاد للرسولي الذي كانت أصدرته البابوية منذ سنوات، باعتباره يصلح لأيّ زمان لبناني: هل القوى السياسية المسيحية، بمن فيها “الوطني الحر” ينسجمون مع وصايا الإرشاد المذكور؟.

بجميع الأحوال، يترقّب المعنيون أن تُثمر مساعي الفاتيكان، في وقت يتفرّج الفرنسيون عاجزين عن الإقدام على أيّ خطوة عملانية تجاه بيروت. لكنّ اللّافت أنّ إيطاليا أبدت خلال زيارة الحريري لروما استعدادها للمساعدة، وهي معنية بأمن واستقرار لبنان لاعتبارات أهمّها ملف الغاز والنفط الذي يهم شركة “آني” الإيطالية.

أمّا الروس فهم يقاربون ملف لبنان من باب مصالحهم السورية: إنّ اهتزاز الاستقرار في الساحة اللبنانية ستطال شظاياه سوريا، فيترك تداعيات سلبية على المهمة الروسية هناك. لذا، فإن موسكو تريد بت أمر الحكومة اللبنانية، وهو ما سمعه الحريري في موسكو، وسيسمعه باسيل في الأيام المقبلة، بهدف منع الفوضى في لبنان.

وإذا كان العرب غير معنيين بما يجري سياسياً في لبنان لغاية الآن، باستثناء دور مصري خجول، فإنّ الأميركيين مهتمون بلبنان من دون استعجال: يريدون أن تنعكس الاتفاقية الإيرانية – الأميركية المرتقبة على ملفات الإقليم، ومن بينها لبنان. لكنّ القرار الأميركي يشبه القرار الروسي إلى حدّ التطابق: مطالبة بحلّ حكومي في لبنان من دون ممارسة أي ضغوط على القوى اللّبنانية.

في حال نجح الفاتيكان في تسويق فكرة الضغط على لبنان لاستيلاد حكومة، فإنّ حراكاً دبلوماسياً سيولد خلال أسبوعين بشأن لبنان: هل ينجح هذه المرة؟.

الانهيارات الاقتصادية تُجبر الجميع على المساهمة بولادة الحل الحكومي؟ متى؟ الحراك الدولي انطلق ضمناً، من دون معرفة أحد بساعة إخراج الحل.

 

عباس ضاهر

عباس ضاهر

كاتب وصحافي لبناني. باحث متخصص بإدارة الأزمات والخطاب السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى