ميديا وفنون

“للموت”: شياطين الذكورية في امرأة

نساء مزّق الماضي أرواحهن لينتقمن من الرجل

“سحر” و “ريم”… إمرأتان بقصة واحدة؛ عنوانها رائحة جسد عفنة مهترئة. جسد مزّقته ذكورية ظالمة “سلطن” أصحابها أنفسهم لاستعباد واستغلال الأنوثة؛ فكلّ الأنوثة حقّ لهم ولو كانت طرّية. بنت السلطان هنا ناعمة وجميلة، وهي تخطف أنفاساً لكي تنخطف روحها حتى الموت.

 من وجع الماضي

القصة إمرأة؛ بل القصة طفلة، عادت من وجع الماضي والفقر والبؤس، نضجت وتحوّلت إلى سيدة راقية، أنيقة، متمرّدة، غاضبة، ومجنونة.  سحر تراشق الجميع بحجارة علّها تستجمع من خلالها في حاضرها_ بما امتلكت من قوّة، الصخرة التي حملتها على ظهرها في ماضيها، كي ترميها بعيداً.

هي ساحرة وقوية الآن؛ لم تعد تلك الزهرة التي اقتطفتها أشواك الظلم والاستعباد، فحولّتها إلى طفلة منتقمة. نعم، بقيت الطفلة إنّما أصبحت أشرس. أصبحت مدافعة قوية عن جسدها، وحقها.  تريد أن ترمي عنها تلك الصخرة بوجه الجميع، لا استثناء لأحد… “بالحرب، كما في الحب، كل شيء مسموح.” في الحرب تُسفك الدماء، وبالحب تنفطر القلوب. وفي الحالتين هناك قاتل ومقتول. هناك ظالم وبريء. لا وجود لثالثهما. ففي الحرب، يستشهد الجندي ليحيا القائد. وفي الحب يموت الطيب، ليحيا القاسي. لا ثالت هنا. وإن وُجد، فندِر.

في “للموت”، توجد رغبة في الحياة، إنّما تقتات على رفاة الأموات.  في “للموت”، توجد إرادة للتخطي، إنّما ترقص على جثت الطيبين.

“ففي الحب، كما في الحرب كل شيئ مسموح.”

عن سحر التي ظُلمت فظلمت

في مسلسل “للموت”، إمرأة قوية وذكية تنتفض لقبلة تأتي خارج إرادتها بعدما افترست شفاها شفاه مغتصبة؛ هنا “سحر”. تنتقم وتحترف ذلك. تعصف بهدوء. تعطف وتقسى. تبكيك وتضحك. تزعجك وترضيك. طيبة هي ولكن تنتقي من تغدق عليه بطيبتها. وهي اختارت بذلك المرأة، كي تكون مدافعة شرسة عنها، علّها بذلك تدافع عن نفسها دون أن تدري. هي أنانية لا شكّ، لكن لا بأس في أنانية توزّع حباً ولو كان مؤذياً.

مناصرة للمرأة هي وتعي جيداً كيف تحميها من نظرات مجتمع ظالم يمتهن إصدار الأحكام. لا تختبىء وراء كلمات مدججة بسلاح قاتل، ولا تتغافل عن ما يخفيه البشر من نوايا.

مرأة عدوّة للمرأة

هناك، في أورقة ينبعث منها دخان أسود، كل زاوية فيها تنتهش روحاً، ترقد فيفي على سرير بارد، واهبة نفسها مرغمة. فهناك من اشترى جسدها وفرض عليها أن تلمس جسداً تمقته وأن تتحس رائحته النتنة… لنا أن نتخيّل أن جسداً يُباع حتى اللحظة.

وفيما الأجساد تتلاقى مع بعضها وتنتج كيمياء قاتلة؛ إلاّ بحال جسد فيفي والأجساد التي تلتصق بها. الحياة قاسية هنا على السرير، والأقسى أنّ “المغتصبة” إمرأة، إيفون القوادة.

مسلسل للموت ينطق بألم المرأة في عالم اخترقه الذكر مستبداً حاكماً ظالماً مغتصباً، حتى خلق للمرأة عدواً أخر هي المرأة نفسها.

ريم الأمل الناقص

على الضفة الأخرى، إمرأة حالمة تهب كلّها لمن رغبت فقط، وهي تركل وتصفع من يريد التعدّي على أغلى ما تملك. إمرأة شغوفة، تقدّم على أطباق من الذهب كلّها، لمن أحبت بصدق. هنا، إمرأة ذات إرداة فولاذية. أرادت أن تنسى ماضيها وتنطلق من جديد. يكفي انتقاماً. يكفي “كرما”. يكفي استخفافاً بقلوب أحبت؛ ليس الجميع ظالمين. لا.

على الجانب الآخر من العالم، وجدت ريم من تحتاج، ومن تريد، قلباً وجسداً وعقلاً. لكن… من يقنع المجتمع أنّ المرء يستحق فرصة جديدة دون أحكام؟ من يجعل الآخر يصدّق أنّ الإنسان يتوب حقاً عن أعماله البشعة؟ من يصدّق أنّ الحياة تبتسم في منتصفها بعد أن “عبست” في أولها؟  فالحب والحياة والفرح عناوين الطفولة. فقط. وليس بعدها.

من يجعل الجارة، والمدير، والقريب، والبعيد، يزيلون غبار الماضي ووسخه عن جسد كان نظيفاً وتلطّخ بدماء ذات لون آخر؟ وإن رفضوا إزالة كلّ ذلك، هل سيسمحون بصاحب الشأن أن يزيلها دون أن يلطّخوه من جديد بصفات وأحكام وتنميط ترديه قاتلاً بعد أن تنفس الصعداء؟

سحر الحكاية

هنا… تأتي سحر من جديد، جرس الإنذار وكلّ الحكاية، كي تذكرنا بكل ما سبق. فهي الأم والأب والشقيقة والصديقة. خائفة هي على صديقتها، ومناصرة هي لها. لكن ربما هي صوت العقل. صوت الحكمة في زمن الشياطين. “فلا يحق لمن ربيت فقيرة واغتُصبت، بحياة لائقة”. فالحياة الكريمة هي حكر على أصحاب الطبقات الراقية فقط؛ ولو تزيّن أصحاب الطبقة الفقيرة والمظلومون، فهم موصومون بالعار في مجتمع العار.

أحكام المجتمع تخترق المشاعر فتقتلها

عن الحب مسلسل “للموت” يحكي. ففي الجانب الأبيض، قصة طيبة بريئة لقلبين صارعا وتصارعا لأجل الحب. حنان وعبدالله. كم جميلة قصتهما تعبق بالزنبق الذي لم يذبل. نموذجان للتضحية وكلّها لأجل عالم نظيف. كلّها لأجل الحب. نعم هناك رجل قدّس المرأة. ليس كلّ الرجال مغتصبين وليس كل الرجال ظالمين.  لكن من جديد؛ المجتمع يفرض حائطاً مسدوداً. فهل يُعقل أن يعشق من هو في خريف العمر؟ وهل من الممكن أن نحصل على ما نريد بعد أن حُرمنا منه في الربيع؟ لا… المجتمع هنا ليحكم ويفتي ويصيغ حياة الآخر.

ذنب الأغنياء؟

هادي وباسل… بطلان في دور الضحية. طيّبان إنّما هما من طبقة الأغنياء في زمن حُرمت فيه طفولة من حقها في الرغد. ذنبهما أنّهما صاحبا أموال. لكن من جديد، كما في الحرب وكما في الحب، كلّ شيء مسموح.

إتجار بالبشر

لميس ضحية أخرى. وهنا نتحدث عن ضحية أخطر من كلّ ما سبق. لميس المراهقة العاشقة ضحية الإتجار بالبشر. بالنسبة لمن “يحتضنها” هي بيضة ذهبية. من يشتريها يغدق بالأموال على “أصحابها.” كنز لا بدّ من الاستفادة منه. جسد لميس الطرّي معروض للبيع.

بين كل ما يرويه مسلسل “للموت”، قصة وجع أخرى تجسّد حياة طبيعية للبنانيّين في مقارنة بين عائلات واسعة الثراء وأخرى تسرق الآخرين استجداءً للطبابة. قصة شعب متروك لحكم فاسد وتمييز طبقي أتعب المواطن. نادين جابر كتبت فأبدعت هنا في وصف حياة اللبناني.

بين الموت والحياة يصارع كل هؤلاء “للموت”. في كل مشهد معاناة جديدة. علّ سطور النهاية تنصف ريم وسحر وفيفي ولميس. علّنا نرى إنصافاً للمرأة وجسدها. علّنا ننظر للمرأة كعقل وروح، وليس كأداة جنس. علّنا نرى، ولو في مشهد درامي، إمرأة تنتصر على الباطل. علّنا نغلق تلك الستارة على مشهد سعيد ولانتصارها…. نبتسم.

لطيفة الحسنية

 

 

 

 

 

لطيفة الحسنية

صحافية متخصصة في الإعلام الرقمي. أطلقت حملة لمكافحة الإبتزاز الالكتروني عام 2019، تناولت تدريب الضحايا على كيفية التخلّص ومواجهة جرم الابتزاز تضمنت 300 حالة حتى تموز 2020. عملت كمسؤولة إعلامية في منظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى