اقتصاد

منصة مصرف لبنان… مولود عقيم بمواعيد مؤجلة

“صيرفة”، التي قيل إنها ستبدأ بالعمل يوم الجمعة بناءً على “وعد” حاكم مصرف لبنان، في وصفته للجم التداول في السوق السوداء، أملًا في خفض سعر صرف الدولار قياسًا إلى اللّيرة اللّبنانية. قد لا تكون ولادتها فعلية قبل أسبوعين، فيما سعر الدولار ما زال يراوح بين هامشي 12 ألفًا و13 ألف ليرة لبنانية بين شراءٍ ومبيعٍ لدى الصرّافين وعلى تطبيقات الهواتف الذكية.

موعد يوم الجمعة، الذي اعتبره البعض تاريخًا لانطلاقة المنصة، هو عمليًا انقضاء المهلة، التي منحها المصرف المركزي للمصارف والصرّافين، بموجب البيان الصادر عنه في 22 آذار الفائت للتسجيل على المنصّة، ولن يكون مخصّصًا تاريخ البدء بتفعيل عمل “صيرفة”.

مصادر مصرفية تقول إن السعر الذي سيحدّده مصرف لبنان في الأيام الأولى لسعر صرف الدولار، سيكون متحركًا ضمن هامش الـ10 آلاف ليرة لبنانية، وهذا يتوافق مع ما صرّح وزير المال غازي وزني في وقت سابق.  لكن موعد إطلاق المنصة، بحسب مصادر مصرفية، ليس يوم الجمعة.

الوقت الذي حدّده مصرف لبنان تاريخ 16 الجاري هو مهلة أخيرة لانتساب المصارف والصيارفة “فئة أولى”، وهذه “المصارف المشارِكة في المنصّة لم تتبلغ بعد الموعد المحدّد لإطلاقها”، وحجة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة “كثرة انشغالات مصرف لبنان في جملة من القضايا التي يعالجها اليوم، ومنها إعادة هيكلة القطاع المصرفي والعلاقات مع المصارف المُراسلة التي أعلمت مصرف لبنان عن إمكانية التوقف عن التعامل مع المصارف اللبنانية”.

وصفة المنصة، التي خرج بها سلامة بعد اجتماعه مع مستشار رئاسة الجمهورية شربل قرداحي في 19 آذار الماضي، كان قد تعهّد من خلالها، أمام رئيس الجمهورية ميشال عون، بخفض سعر الصرف في السوق إلى ما دون الـ 10 آلاف ليرة. هذا الوعد، لا خبز ولا ملح له مع عدم امتلاك مصرف لبنان لاحتياطي يكفي للدفاع عن العملة، والمصارف بدورها لا تملك العملة الخضراء، فكيف ستنجح المنصة؟

السطو على دولارات “خزنات” البيوت سيكون الانجاز الوحيد للمنصة، بحسب خبراء، فيما سيبقى سوق الصرّافين مرتعًا رئيسيًا للباحثين عن بيع وشراء الدولارات، لاسيّما وأن المرحلة الأولى من عمل المنصة سيكون محصورًا بالتجار والمستوردين.

وفيما كان ينتظر اللبنانيون بدء العمل يوم الجمعة 16 نيسان، أصدر مصرف لبنان دعوة إلى المصارف كافة للمشاركة في الدورة التدريبية التي سوف يعقدها بشأن المنصة الالكترونية لعمليات الصرافة وذلك يوم الاثنين المقبل. حيث ينتدب كل مصرف شخصين على الأكثر من قبله للتدريب، ويتم تزويد وحدة العملات الأجنبية في مصرف لبنان. عمليًا إذًا فإن المنصة على قارعة انتظار التدريب وانتهاء التحضيرات اللوجستية، وبحسب مصادر مصرفية، قد يستغرق الأمر أسبوعين آخرين.

تدريب المصارف والصرافين الذي سيتم وفق مجموعات عمل في مبنى ESA مقابل مصرف لبنان في منطقة الحمراء، سيستمر أسبوعًا على الأقل. فيما تلفت مصادر مصرفية أن تعميمًا مفصلًا حول موضوع المنصة وعملها سيصدر الأسبوع المقبل عن مصرف لبنان بعد اجتماع سيعقده المجلس المركزي لهذه الغاية يوم الأربعاء المقبل.

 

“تنويع المتعاملين بالمنصة وإلا تكون العملية “ترقيع” ليس إلّا”

عمليًا، العمل في الترتيبات الداخلية بين المصرف المركزي والمصارف والصرافين سيستغرق أسبوعين ما يعني أن انضمام المنصة إلى سوق الصرافة المتشعب لن يصبح واقعًا قبل مطلع شهر أيار المقبل.

وفي هذا المجال تلفت المصادر إلى أن بعض المصارف لم تتسجّل حتى اليوم للمشاركة في المنصّة، خوفًا من التورط في عمل المنصة دون أن تمتلك أدوات العمل فيها أي الدولارات!.

الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان الرئيس التنفيذي لشركة «أكسيس» كابيتال المالية، يعتبر أن “التحدي الكبير للمنصة أن تكون مركزية وأن يتم التداول فيها بشكل شفاف. والتحدي أن تكون مفتوحة للأفراد وليس فقط للتجار. أي المرء الذي يريد شراء دولار بداعي السفر أو تحويل الأموال لأولاده في الخارج وأيضًا تسديد رواتب العاملين الأجانب لديه”.

إذا لم يحصل ذلك فهذا يعني حتمًا تكريس سعر الـ10 آلاف ليرة لسعر صرف الدولار على المنصة وتبقى أسعار الصرف الموازية بين السعر الرسمي 1509 ل.ل. و3900 سعر صرف البنوك.

بخلاف ذلك تبقى المنصة بمثابة سعر دعم للتجّار. وعمليًا سيضطر مصرف لبنان إلى سحب احتياطه من العملات الصعبة وإعطائهم للتجار. وبذلك يغيب التداول الفعلي والعرض والطلب للشراء وتبقى المنصة تعمل في اتجاه واحد. هذا هو التحدي بتنويع المتعاملين بالمنصة وإلا تكون العملية مجرد “ترقيع”. بحسب أبو سليمان.

كلام أبو سليمان يتوافق مع ما يقوله الوزير السابق فادي عبود لـ”أحوال” أن عملية صرف الدولار لا يمكن ضبطها لا بالمنصة التي لا لزوم لها، ما لم يكن لدينا 2 أو 3 مليار دولار لضخها في السوق كي يستقر سعر الدولار في السوق عند سعر معيّن”. ويستدل عبود على فشل تجربة المنصة في الدول المجاورة قائلًا “لنأخذ الإجراءات في سوريا ومصر وتركيا لتثبيت سعر العملة الوطنية بالقوة لم تنجح واستمر تدهور العملات المحلية. ما لم يكن لديك أموال لضخها في السوق لا معنى للمنصة وهذا يتطلب أموال مستثمرين وتحويلات خارجية. وإلا ستستخدم المنصة أموال المودعين والمركزي سيلجأ إلى الاحتياطي”.

الخطوة أذا سارت في المسار الصحيح لا تكون للجم سعر صرف الدولار فقط، بل لتنظيم العرض والطلب ولجم التلاعب والمضاربات في السوق السوداء التي يدفع ثمنها المواطن والتجّار. وأيضًا بحسب ما يشرح لـ”أحوال” الخبير أبو سليمان “لجم سقوف سعر الصرف هي ضخ الدولارات في السوق وسحب الكتلة النقدية من الليرة اللبنانية، للوصول إلى اختفاء الأسواق الموازية”.

ولكن أيضًا، أن سعر الصرف لن ينخفض عمليًا بهذه الآلية فقط. هو محكوم بالعرض والطلب. ويتطلب مؤشرات اقتصادية تلعب عامل أساسي بالإضافة للعوامل التقنية وهي العرض والطلب. وفي الواقع يقول أبو سليمان، “المؤشرات الاقتصادية جميعها متهاوية والعرض تراجع فيما تزايد الطلب على الدولار. عجز ميزان المدفوعات يزداد بسبب نزيف العملة الصعبة وخروج الدولارات من لبنان إلى الأسواق الخارجية”.

المسار التصحيحي الوحيد هو تشكيل حكومة ولائحة عملها تطول من بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتأمين دخول الدولار. ومباشرة الإصلاحات في الكهرباء وغيرها وتنفيذ قانون الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة القطاع العام وإعادة هيكلة المصارف وهيكلة مصرف لبنان.

وبحسب أبو سليمان “عندما يصبح لدينا مداخيل أخرى تُعيد الثقة من خلال الاستثمارات الخارجية وتدفق الدولارات ونستعيد من خلالها التحاويل بعد ترميم الثقة أيضًا بالجهاز المصرفي وأكيد عبر السياحة والتصدير”.

الحقيقة المرّة أن “منصة” المصرف المركزي “المشتبه” بوصفاته المالية وهندساته التي أفضت إلى أكبر عملية “نهب منظم” لأموال الشعب اللبناني باعتراف دولي، يقدّم للبنانيين مسكنًا، يخفض أوجاع سعر الصرف بألفي ليرة فقط، مولود عقيم غير مجدٍ!.

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى