بغداد تنصاع للمملكة ودياب كبش محرقة
استراتيجية قطع الطريق أمام أيّ حلٍّ ولو كان جزئياً، بهدف تأزيم الوضع داخلياً، لم يقتصر تنفيذها على الطرقات البرّية وبأذرع محلية، إذ تطال أيضاً تلك الجوية، ولا سيما طريق بيروت – بغداد التي كان ليسلكها رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب على رأس وفد وزاري يضمّ وزراء الصحة والطاقة والزراعة والصناعة والسياحة في 17 و18 من الشهر الحالي لتوقيع اتفاقيات تعاون ثنائي بين لبنان والعراق، أوّلها يؤمن 500 ألف طن من النفط مقابل خدمات صحية وطبية، ليليه المزيد من التعاون في عدّة مجالات.
الأكيد أن لبنان حالياً بأمسّ الحاجة لأيّ شكلٍ من أشكال الانفتاح الاقتصادي لكسر الحصار المفروض عليه، في وقتٍ يعاني فيه البلد من أسوأ أزمةٍ اقتصاديةٍ وماليةٍ ترخي بظلالها الثقيلة على مختلف القطاعات. هي حقيقةٌ مُرّةٌ يعيها الجميع، لا بل يعاني من تداعياتها الجميع، باستثناء أولئك الذين يعيشون في قصورٍ عائمةٍ، ينتظرون أن يأتي الطوفان، ليظهروا لنا على متن سفينةٍ تنقذ من آمن بهم، إن وجد.
لم يعد خفياً على أحد أن رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، الذي يقولها جهارةً أمام زوارها، لا يريد أن يشكل حكومة الإنقاذ الآن، كي لا يتصدّى بصدره للطوفان، فهو يماطل ويراوغ محتجزاً الحكومة ريثما يُرفع الدّعم، وينفجر الشارع في وجه سلفه والسلطة الحالية، ويتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود بما يتعلق بالاتفاق النووي والصراع الإيراني – الأميركي – السعودي في المنطقة.
الحريري، لا يكتفي بالحرد السياسي، بل يناور حينما تحاول أيّ شخصية سنية، ولا سيّما إذا ما كانت في موقع رئاسة الحكومة (ولو كانت حكومةً مستقيلة)، أن تتصدّر المشهد وتُقدم على أيِّ خطوةٍ تساهم في إفشال مخططه القاضي بتسلّم الدفّة بعد وقوع الواقعة وجلاء المشهد.
وعليه، ساهم الحريري الذي بات يُتقن لعبة قطع الطريق في إلغاء زيارة دياب والوفد الوزاري إلى العراق، إذ تولّت مديرية المراسم في رئاسة الحكومة العراقية إبلاغ مديرية المراسم في رئاسة مجلس الوزراء في لبنان عن طلب تأجيل الموعد، وذلك “لأسباب عراقية داخلية”.
المكتب الإعلامي للحريري نفى أن يكون له أي علاقة بتأجيل زيارة دياب، ولكن أليس عدم استقبال الأخير في أيٍّ من العواصم العربية والإقليمية وغيرها استكمالاً لسياسة عزله والتبرؤ منه من قبل نادي رؤساء الحكومات السابقين الذين ما احتضنوه إلّا عندما رفض المثول أمام المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، فراقت لهم تصريحاته وصبّت في صالحهم؟.
كما أن أيّ اتفاقيات بين بيروت وبغداد، تُذيّل بتوقيع دياب ووزراء حكومته سيأتي في إطار تفعيل عمل الحكومة المستقيلة الذي تطرّق إليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير محمّلاً دياب مسؤولية إعادة جمع الحكومة والتصرّف، وهو ما لا يريده الحريري وناديه لأنّ ذلك سيخفّف من الحاجة الملحّة لتشكيل حكومة ومن الضّغط على العهد، لا وبل قد ينقذه ويسحب من الحريري “كارت احتجاز الحكومة” وخطف مصالح البلد معها لتحقيق مطالبه المستحيلة ووفق توقيته السياسي، وهي لعبةٌ ثانيةٌ تعلّمها بعد تجربة.
تأجيل الزيارة: تلاقي مصالح بين السعودية وابنها الضال سعد الحريري
الحديث عن زيارة دياب إلى العراق، وحّد جبهتان لم تلتقيا منذ زمن. فمساعي الحريري تقاطعت مع مساعي المملكة العربية السّعودية التي لا تريد أيّ حلحلةٍ في لبنان تناقض أهدافها ومخططاتها. ولربما العراق يهم الرياض أكثر من لبنان، وأي خطواتٍ إضافيةٍ يتخذها باتجاه دول محور المقاومة تعني مزيداً من الابتعاد عن تحالفٍ معادٍ لطهران تقوده المملكة في المنطقة تحت مظلة الولايات المتحدة الأميركية.
منذ عشرة أيامٍ تقريباً، كانت لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي زيارة إلى الرياض، وُصِفت بالمهمّة والتاريخية وتم توقيع عدّة اتفاقيات خلالها بين الجانبين، وكان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مقدمة من استقبلوه. الكاظمي الذي زار السعودية وغازلها بعدة تصريحاتٍ أكّد فيها رغبته في تطوير العلاقات معها على مختلف الصّعد، لن يضحي بالرضا السعودي كي يوقّع بضعة اتفاقياتٍ مع لبنان، ويحتاجها لبنان.
لا شكّ في أنّ الرياض تريد إحداث نقلةٍ نوعيةٍ في العلاقات مع بغداد، سعياً لتفكيك علاقاتها مع طهران، ورغم أن ذلك صعب المنال ولا سيّما أنّ رجلاً واحداً وإن كان رئيس الحكومة لا يستطيع أن يفكّك صلاتٍ تعمّدت بالدم في مواجهة الإرهاب، إلّا أنّ الأخير لن يقوم بخطوةٍ إضافيةٍ نحو لبنان، تكسر الحصار الأميركي والعربي عليه، وتقوّض مصالحه.
أيادٍ خارجية، وأذرع داخلية، تعبث باقتصاد لبنان ومصير اللّبنانيين، والحسابات التي تبدو ضيّقة ما هي إلّا واجهة لمخطط دوليٍّ متشعّب وانعكاس لصراعٍ بين الدول العظمى، لا منأى للبنان عنه، وهو المحاصر منذ أكثر من عامٍ بهدف تجويع شعبه وتركيع مقاومته، ليلفظ اللبنانيون حزب الله رغم أنّه منهم وفيهم، ويتنازلوا في ملفاتٍ عدّة، ليس آخرها التوطين وترسيم الحدود.
آلاء ترشيشي