منوعات

هكذا يواجه حزب الله الضغط الاقتصادي على بيئته

يستمر جسم البلد في التحلل على وقع تفاقم عوارض الازمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية، وسط إمعان الطبقة السياسية في إنكار الواقع والانفصال عنه، كما يتبين من خلال افتقارها الى حد أدنى من الحس بالمسؤولية في طريقة مقاربتها لمسألة تشكيل الحكومة.
ومع ان علامات الانهيار آخذة في التوسع والازدياد على وقع انهيار قيمة الليرة وتداعي ركائز مختلف القطاعات المنتجة، ومع ان ارقام البطالة والهجرة والفقر والافلاس تواصل ارتفاعها، الا ان جفن الطبقة السياسية لم يرف بعد، مفترضة ان تعب الناس لن يسمح لهم بأن ينتفضوا مجددا عليها، خصوصا عقب خيبة الأمل التي ترتبت على إخفاق تجربة حراك 17 تشرين نتيجة عوامل عدة.
والى جانب مسؤولية السلطة عبر عقود من الفساد والهدر، عن دفع لبنان الى الهاوية، لا يمكن أيضا اغفال دور بعض الخارج الذي يستخدم الورقة الاقتصادية والحصار المالي للضغط على حزب الله وتأليب الرأي العام عليه، سواء عبر السعي الى إنهاك بيئته المباشرة واضعاف قدرتها على التحمل او من خلال محاولة إقناع عموم اللبنانيين بأن خيارات الحزب هي التي جلبت لهم المعاناة والقهر.
وليس خافيا ان الضخ المتواصل والمنهجي على هذا الصعيد قد يكون نجح في التأثير على البعض، لاسيما ان هناك في الداخل من يرفده ب”مواد خام” لإحراج الحزب ودفعه الى تقديم تنازلات محلية واقليمية.
يعرف حزب الله، من جهته، ان المعركة التي تُخاض ضده حاليا باسلحة غير كلاسيكية وبواسطة “الأشباح” هي أصعب من المواجهة العسكرية، لأنها تستهدف كل مواطن داخل نطاق بيئته وخارجها، ولان الخصوم هم مبدئيا أقوى في الميدان المالي حيث يملكون زمام المبادرة ويتحكمون بالدولار والاسواق.
لكن الحزب قرر ان يواجه التحدي، ورفع امينه العام السيد حسن نصرالله منذ فترة شعار “لن نجوع” مع ما يستوجبه ذلك من تدابير احتوائية في مناطق نفوذه للتخفيف من وطأة الازمة، فإذا بسياسة التضييق الاقتصادي والمالي التي كان يراد منها اخضاعه تؤدي الى نتيجة عكسية مع الوقت، حتى بات كثيرون يخشون من ان تنهار الدولة ويبقى الحزب في نهاية المطاف.
وقد اعتمدت “الاستراتيجية الدفاعية” للحزب في مواجهة الخطر الاقتصادي على المبادرات الآتية:
– اصدار البطاقة التموينية المخصصة لمن يحتاج اليها ضمن الجغرافيا الممتدة من الجنوب الى البقاع مرورا بالضاحية، مع تسهيلات في إعطائها، وهي تمنح حسومات كبيرة على اسعار المواد التي يتم شراؤها من تعاونيات السجاد التي استحدثها الحزب ويتولى الاشراف عليها، علما انها تحتوي كل الاحتياجات المنزلية وهناك إقبال كبير عليها. وعلم انه تم حتى الآن توزيع ما يقارب 11 ألف بطاقة على المواطنين.
– تخصيص بطاقة مماثلة للمحازبين المتفرغين وإنما بحسومات أقل.
– الاستعداد لاطلاق سوق خضار بأسعار زهيدة أيضا.
– تحضير معامل لإنتاج الألبان والاجبان.
– تفعيل الدعم للمشاريع الزراعية والصناعية التي ازداد الاهتمام الشعبي بها في مناطق انتشار الحزب بعد دعوة نصرالله الى إيلاء هذين القطاعين الاولوية عقب وقوع الانهيار في الاقتصاد الريعي.
كذلك، فإن المجالات الجديدة التي يخوضها الحزب (تعاونيات، مشاريع..) سمحت بتوظيف عدد لا بأس به من العاملين وبالتالي إيجاد فرص عمل لبعض من كان يشكو البطالة.
وعلى الرغم من ان الحزب يؤكد التمسك بمرجعية الدولة في الشؤون الداخلية، من امنية واقتصادية واجتماعية وصحية، الا ان في حوزته دائما البدائل للتعويض عن أي قصور او تقصير رسمي. وهو يعلم أن آلية اتخاذ القرار الرسمي معقدة وبطيئة بفعل التجاذبات الحادة او الحسابات المتضاربة، ولذلك فإن لديه خططه لملء الفراغ، علما ان خصومه يتهمونه بانه صار دولة داخل الدولة ويضعون سلوكه في سياق تكريس هذا الواقع، الأمر الذي لم يعد يتوقف عنده الحزب ولا يبدي اي اكتراث حياله، معتبرا ان من واجبه تحصين بيئته لحمايتها عندما تعجز الدولة عن ذلك، خصوصا اذا كانت الغاية من استهداف تلك البيئة هي اضعافه.

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى