تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود يوم الخميس، قبل إصدار تقرير المخابرات الأميركية الذي طال انتظاره بشأن مقتل الصحافي السعودي الذي تحوّل إلى معارض، جمال خاشقجي.
وبعد اتصال النظيرين، من المتوقع قريباً أن يتم نشر التقرير الذي صدر بتكليف من الكونغرس، متضمناً اتهام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في وفاة كاتب العمود في واشنطن بوست. وقال مصدر مقرّب من الحكومة السعودية إنّ الاتصال “سار على ما يرام”، فيما كشف مسؤولو البيت الأبيض أنّ تقرير خاشقجي لن يُنشر إلا بعد إجراء المكالمة.
هذا، وسيكون إصدار التقرير التحوّل الأخير الذي يقوم به بايدن، بدعم من الكونغرس، حيال العلاقات مع المملكة العربية السعودية حليفة الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يقدّم المشرّعون الديمقراطيون قرارًا يوم الجمعة لمحاسبة السعودية على مقتل خاشقجي وتقطيع أوصاله، فضلاً عن انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى.
وأكد بايدن ومسؤولون في الإدارة أنّهم ملتزمون بأمن المملكة. في الوقت نفسه، أنهى الرئيس الأميركي دعم الولايات المتحدة للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، والتي شنّها ولي العهد قبل ست سنوات. كما أمر بإنهاء بيع بعض الأسلحة للمملكة، وسيصدر قريبًا التقرير الذي رُفعت عنه السرية، والذي من المتوقع أن يسلّط الضوء على انتهاك الأمير غير القانوني لحقوق الإنسان الأساسية.
رسالة وراء إصدار التقرير الاستخباراتي
قال دينيس روس، الذي عمل في قضايا الشرق الأوسط في إدارات متعددة، إنّ بايدن يستخدم إصدار التقرير لإرسال رسالة إلى الكونغرس، حيث اشتعل غضب الحزبين بشأن المملكة العربية السعودية على مدى السنوات القليلة الماضية، وكذلك تجاه المملكة نفسها. وتابع، “بصرف النظر عن الرد على ما كان تفويضًا تشريعيًا، فإنّه يرسل إشارة إلى الكونغرس وأعتقد أنه أيضًا طريقة الإدارة للقول للمملكة العربية السعودية، ‘لن نحميك من عواقب السلوك السيئ”. وقال روس، المستشار في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “أعتقد أنّ إدارة بايدن تريد أن تثبت بوضوح أنّه يوم جديد بعد إدارة ترامب… فقط لإرسال رسالة للسعوديين مفادها أن العلاقة ستتم إعادة ضبطها”.
وأشار روس إلى أنّه في الوقت الذي تتعرّض فيه العلاقة بين البلدين للتوتر، لا تزال هناك مجالات تحتاج فيها الولايات المتحدة إلى التعاون مع السعوديين، بما في ذلك مكافحة الإرهاب في المنطقة. قائلاً: “من الصعب تخيّل أي قضية في المنطقة لا تلعب فيها الشراكة والدعم السعودي دورًا مهمًا. ولكن، يجب أن تكون هناك حدود واضحة حتى نتمكن من تخفيف السلوك السعودي الذي يتجاوز الخط”؛ ملمّحاً أنّ إدارة البيت الأبيض قد تدرس أيضًا نوعًا من العقوبة للسعوديين بعد إصدار التقرير.
وعندما سُئل عما إذا كانت الإدارة ستنظر في فرض عقوبات على أولئك الذين ثبتت مسؤوليتهم عن مقتل خاشقجي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس يوم الخميس، “أتوقع أننا سنعلن قبل فترة عن خطوات لتعزيز المساءلة للمضي قدمًا في هذه الجريمة المروعة.” وأضاف برايس أنّ وزير الخارجية أنطوني بلينكين سيكون لديه “إيمان وثقة كاملان” بنتائج التقرير.
تجدر الإشارة إلى أنّ إصدار تقرير مجتمع الاستخبارات عن مقتل خاشقجي أمر منصوص عليه في قانون تفويض الدفاع الوطني. ويتطلب هذا القانون من مدير المخابرات الوطنية إعطاء لجان الكونغرس ذات الصلة تقريرًا غير سري يتضمن “تحديد وعرض الأدلة فيما يتعلّق بالمعرفة المسبقة، ودور أي مسؤول حالي أو سابق في حكومة المملكة العربية السعودية، أو أي مسؤول حالي أو سابق وشخصية سياسية سعودية معنية بالتوجيه أو الأمر أو التلاعب بالأدلة في القتل “.
لا مفاجأة متوقعة من التقرير
لا يُتوقع أن تكون النتيجة الأساسية للتقرير مفاجأة؛ إذ بعد وقت قصير من مقتل خاشقجي في أكتوبر 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول، قيّمت وكالة المخابرات المركزية بثقة عالية أنّ بن سلمان أمر شخصيًا بالقتل. في يونيو 2019، وجد محقق من الأمم المتحدة أنّه “من غير المعقول” أن الوريث الملكي لم يكن على علم بالعملية.
غير أنّ الرئيس دونالد ترامب رفض إدانة الأمير السعودي؛ كما نفى المعلومات الاستخباراتية التي تفيد بأن الأمير كان له يد في القتل، قائلاً “ربما فعل، ربما لم يفعل”.
في المقابل، أعلن بايدن خلال مناظرة المرشحين الديمقراطيين للرئاسة في تشرين الثاني /نوفمبر 2019، أن “خاشقجي قُتل وقُطعت أوصاله، وأنا أؤمن بأنّه بأمر من ولي العهد”.
ومضى بايدن ليقول إنّه “سيوضح أننا لن نبيع المزيد من الأسلحة لهم. في الواقع، كنا سنجعلهم يدفعون الثمن ونجعلهم منبوذين”؛ مبدياً عدم رضاه عن – أداء الحكومة الحالية في المملكة العربية السعودية.
ثم قارن بايدن بين مقتل خاشقجي والحصيلة الإنسانية الرهيبة في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، قائلاً إنّه “سينهي بيع المواد والأسلحة للسعوديين، حيث يذهبون ويقتلون الأطفال، واصفهم بقتلة الأبرياء، وعليه يجب محاسبتهم”.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي الأسبوع الماضي، إنّ الرئيس يعمل على “إعادة تقويم” العلاقة الأميركية مع السعودية وسيتواصل مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بدلاً من ولي العهد.
وقال روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “سيكون هناك توقع مبكر للخطوات التي يجب اتخاذها لتحديد العلاقة بين واشنطن والرياض، وتحديد ما يشكّل المساءلة “عن مقتل خاشقجي التي دعا إليها الرئيس بايدن في ذكرى مرورها”.
وقال ساتلوف إنّ مقتل خاشقجي كان “مثالًا متطرفًا بشكل واضح”، لكنه مجرد حدث واحد من عدة أحداث سببت قلقًا حقيقيًا، مما دفع الإدارة “إلى الإشارة لتحديد نوع العلاقة التي نرغب في الحصول عليها”، لافتاً إلى تغييرات هيكلية كبيرة. هذا، ويعمل المشرّعون على ضمان وجود تغيير هيكلي في العلاقة أيضًا.
وقال النائب الديمقراطي رو خانا لشبكة سي إن إن: “إنها أنباء سارة أنّ البيت الأبيض ينشر هذه المعلومات عن خاشقجي التي طلبتها أنا وزملائي منذ مقتله الوحشي”.
وأضاف خانا، وهو قائد مشارك في رسالة من المشرّعين إلى الإدارة حول اليمن، إنّ هناك “دعمًا واسع النطاق في الكونغرس لإدارة بايدن للوفاء بوعودها الانتخابية بإنهاء الدعم العسكري للسعوديين والإمارات العربية المتحدة، وهو أمر ضروري للولايات المتحدة لدعم إنهاء الجوع في اليمن وبدء حل سياسي “.
وتأتي الرسالة بينما من المتوقع أن يقدم عضوان ديمقراطيان في الكونغرس – النائبان ديفيد ترون من ولاية ماريلاند وجيري كونولي من فرجينيا – قرارهما بمحاسبة السعودية على مقتل خاشقجي وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان.
وقال ترون في رسالة إلى زملائه إنّ القرار سيدعو إلى “تخفيض كبير في المساعدة الأميركية للسعودية، حتى تظهر المملكة مساءلة حقيقية بشأن حقوق الإنسان وسيادة القانون والقضايا النووية”.
وقال ترون في الخطاب أيضا إنّ الاتفاق “يسعى إلى تقليص التعاون النووي حتى توقّع السعودية اتفاقية 123 لبرنامج مدني يحظر صراحة تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية”.
ومن المتوقع أن يتم تقديم القرار بعد أن تحدث بايدن مع الملك سلمان وبعد صدور تقرير المخابرات.
المصدر: وكالات_ CNN