منوعات

كلام باسيل… يربح الحريري ويخسر “الحكيم” 

عندما كان رئيس التيار “الوطني الحر” النائب جبران باسيل يتحدّث ردًّا على كلام الرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري، ركّز كعادته على عنوان أساسي “حقوق المسيحيين”، يستخدمه سلاحًا فعّالًا في معركته السياسية الجارية مع الحريري بشأن عملية تأليف الحكومة. قدّم باسيل حجج ومبررات سعى من خلالها إلى رمي الكرة في ملعب الآخرين، تحديدًا رئيس التيار الأزرق، لكن رئيس التيار البرتقالي كان يقدّم في مطالعته خدمة للحريري قائمة على ركيزة لبنانية واقعية: الحديث الطوائفي يشدّ عصب كلّ الزعامات السياسية الحالية ضمن طوائفها: من سيتجرأ في الساحة السنّية لمهاجمة “الشيخ سعد” حاليًا؟ لن يخرج أحد، لا حليف باسيل ولا خصم الحريري لانتقاد رئيس الحكومة المكلّف بعد مضمون مطالعة باسيل.

فنّد رئيس “الوطني الحر” مواقفه إزاء عملية تأليف الحكومة، متدرّجًا في الكلام عن تلك “الحقوق”، في إطار محاولاته رصّ كل الصفوف الشعبية المسيحية خلف موقفه، واستحضر كلامًا للرئيس السوري بشار الأسد، وطريقة تعاطي “حزب الله” في ذات السياق، للإيحاء بأنّ التيار البرتقالي ينسجم في حلف إقليمي تزداد مكاسبه، خصوصًا بعد موقف الإدارة الأميركية الجديدة بالمُضي قدمًا في التفاوض مع إيران.

أراد باسيل أن يُحقّق أكثرَ من هدف خلال إطلالته: أولًا إن خطوات العهد ليست تعطيلية بل هي تسعى لحفظ حقوق المسيحيين.

ثانيًا، تأكيد حلفه مع “حزب الله” وارتباطه بمحور سوريا.

ثالثًا، استكمال المعركة ضدّ كلّ خصومه السياسيين  المسيحيين، وفي الطليعة حزب “القوات”.

في المحصلة، لم يؤدِّ كلام باسيل إلى إصابة الحريري بأيّ أذى شعبي ولا سياسي. وهو عزّز بالمقابل موقف الثنائي حركة “أمل” و”حزب الله” رغم أن هذا الثنائي يسعى لفرض حلٍّ حكومي بالدعوة للتعالي عن التفاصيل الطائفية، وهو ما أكدته ضمنًا كلّ من مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وخطاب الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله.

من جهة ثانية، فإنّ استحضار باسيل لكلام الأسد هو اعتراف ضمني بأنّ سوريا كانت تسعى لحفظ حقوق الطوائف في لبنان و تحديدًا المسيحية منها: فهل كانت كلُّ الحروب المسيحية ضدّ السياسة السورية في لبنان هي أخطاء؟ تستوجب إشارة رئيس “الوطني الحر” قراءة نقدية موضوعية. وللبحث صلة.

أهم تداعيات كلمة باسيل ستكون في الساحة المسيحية، و خصوصًا تجاه حزب “القوات” الذي سيواجه الرأي المسيحي الذي حاول فرضه رئيس التيار الوطني الحر: ماذا سيقول رئيس “القوات” سمير جعجع إزاء “الحقوق المسيحية”؟ هو حاول تحييدَ معراب عن كل الأزمات، واكتفى بالتفرّج والتصويب على “حزب الله”. لكن مطالعة باسيل المسيحية ستترك تأثيرًا سلبيًا على وضعية “الحكيم” في ساحته.

توحي كل المستجدات أنّ رهان جعجع خسر مرّة جديدة: “لا مع سيدي بخير ولا مع ستّي بخير”. لا هو يريد ولا يستطيع أن يقف إلى جانب الحريري ضد “العونيين”، ولا هو يقدّم جديدًا فاعلًا شعبيًا في الأزمات المتلاحقة. لا يكفي التفرّج من معراب من دون فاعلية. ربما أكبر الأخطاء القواتية تكمن في أنّ جعجع قرّر عدم المشاركة في الحكومة. هو ترك كلّ الحصص المسيحية لخصمه الرئيسي، ومعها ترك أمر الدفاع عن “حقوق المسيحيين” وفقًا للتصنيف الباسيلي.

 

عباس ضاهر

عباس ضاهر

كاتب وصحافي لبناني. باحث متخصص بإدارة الأزمات والخطاب السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى