منوعات

جمهور المقاومة بوجه “اللاممانعة”: من يستفز الآخر؟        

المعركة الافتراضيّة المستمرة والتي حصلت ليل الإربعاء الواقع في 3 شباط الجاري، بين فريقين لبنانيين، غداة الإعلان عن مقتل الناشط السياسي لقمان سليم، لم تمر مرور الكرام، بل وصلت لأن تُوصف بالحرب الأهليّة الجديدة بسلاح “الكيبورد”.

وساق فريق الاتهامات ضد فئة أخر قبل أن يتم العثور على جثمان القتيل، فثارت ثائرة الأخيرة، نتيجة الاتهامات التي شاعت من على الشاشات الفضائية والمحلية بشكل منظّم وهستيري. تبع ذلك رد دفاعي ساحق، إستُعمل فيه سلاح الشتم والشماتة، مما أضعف حجة الفريق الممانع؛ خاصة أنّ التحقيقات لم تكن قد بدأت أصلاّ، وهي رغم مرور أكثر من أسبوع على الجريمة لا تزال الحقائق ضائعة، ولا تزال المعارك الإفتراضية غيرالمتكافئة أدواتياً مستمرة، إذ أنّ المتهمين هم جمهور متنوّع المستويات السياسية والثقافية والإجتماعية، وشعروا بتهمة تنزل فوق رؤوسهم، فحوّلتهم إلى قاتل دون دليل. فيما فئة القضاة الذين لم يعقدوا المحاكمة، أصدروا الحكم نظراً لسيطرتهم على الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب.

هذا اللاتوازن أظهر ضعف جمهور المقاومة، الذي أبلسه الطرف الآخر نتيجة قدرته المالية والإعلامية، في ظل صمت كبير من المقاومة وقادتها.

فما السبب لعدم التكافؤ رغم توفر إعلاميين قادرين لرد السكاكين المشحوذة عن المقاومة؟ وما هي أسباب ضعف الدفاع لدى الممانعة في مواجهة جمهور اللاممانعة، مع هجوم كاسح من طرف جمهور المصالحة و”اللاممانعة”؟

شيطنة جمهور المقاومة

للإطلاع على الأجواء، لجأ “أحوال” إلى استطلاع آراء مجموعة من المحلّلين من كافة الإتجاهات. فرأت مصادر صحفيّة مطلعة، فضلّت عدم الكشف عن نفسها، “أنّنا نشهد أجواءً سجاليّة حادة بين مؤيدي المقاومة والمعارضين لها، ممّا يوّلد الخوف في أن تتطوّر الأمور نحو الأسوأ فتحصل عمليات اغتيال أخرى، قد تمهّد لتدخل دوليّ أو صدور قرار من مجلس الأمن، كما يطالب البعض؛ فهناك من يريد شيطنة جمهور المقاومة واستغلال بعض الأخطاء التي تحصل”.

ظاهرة جديدة

في حين لا يوافق المحلل السياسي خالد ممتاز على التوصيف، ويقول لـ”أحوال”: “هناك شعور عام سيء بسبب الوضع الإقتصادي المنهار وتحكّم حزب الله بالبلد، وبسبب تحميل الحزب المسؤولية صار هناك نقمة لدى معظم اللبنانيين، ولا علاقة للحرب الاعلامية بالإعلام المدفوع”.

ويضيف “نعاني مشكلة كبيرة وهي طريقة تصرّف المناصرين وبعض الناس في حزب الله والمؤثرين على وسائل التواصل الإجتماعي، والناس تطلق كلاماً فوق السطوح وخارج المسؤولية، وهي ظاهرة من ظواهر السوشل ميديا”.

لا محل للوسطيين عند الطرفين

ويرفض ممتاز وصف جمهور المقاومة بالضعفاء،  ويقول “لم يكونوا ضعفاء، الهجمة كانت كبيرة من قبلهم، لأن كل واحد عنده جمهوره، والظروف أتت حين قتل لقمان سليم، والناس صارت تعبّر بجرأة أكثر. وما يجري هو حفل جنون ولا محل لصوت العقل، ولا مكان للناس التي تفكر بعقلها؛ ولا محل للوسطيين عند فريق الممانعة أو عند الفريق الآخر، الذي لا يريد أن يسمع ويريد أن يقاتل”.

ويتأسف ممتاز بشأن حقيقة الوضع، ويقول “المؤسف هو الغوغاء المسيطرة. تفتح التلفزيونات فترى الضيوف وطريقة الحديث وسياق الأمور”.

ويلفت إلى أنّه “حتى حزب الله ليس لديه قدرة على ضبط مناصريه ولا جماعته، فالناس خرجت عن السيطرة وهذه ظاهرة جديدة”.  ويستدرك، سمعنا فويس لمسؤول في الحزب يحذّر من الإنفلات على وسائل التواصل. فجمهور الحزب يقول وضعنا صعب إقتصادياً، ولا قدرة لدينا للتعبير لأن ذلك يُعتبر إنقلاباً على الحزب، لذا يعبّرون من خلال شيء آخر، بإتهامات مثل “يهود الداخل” و”عملاء السفارة”. فالناس تفجّر غضبها، على حد قوله.

ويختم ممتاز “أما الجهة الأخرى، فلم ترَ سوى أن ّحزب الله مسؤول عن تدمير الإقتصاد وحده، طبعا هو مسؤول من خلال تدميره للسياحة في لبنان وتخريب العلاقة مع الدول العربية، ولكن أيضاً جبران باسيل وسعد الحريري ونبيه بري مسؤولين بشكل مباشر عن تدمير الإقتصاد”.

الشعور بفائض القوة

ويلفت أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية الدكتور جمال نعيم، أنّه “من المثير للاستغراب اللغة التي استعملها جمهور الممانعة، وانتشرت على وسائل التواصل الإجتماعي، والتي أقل ما يُقال فيها إنّها لغةٌ غير لائقةٍ وغير مهذّبةٍ، وفيها كثيرٌ من الابتذال”. ويصفها بأنها “غير حكيمةٍ ولا تؤدّي إلى أيّ غايةٍ محمودة، لا سيّما أنّ خصومهم لم يخافوا ولم يرتعبوا، بل كانوا أكثر إصرارًا على المواجهة. وقد بثّوا فيديوهاتٍ كثيرةً بهذا الخصوص”.

كما يظن نعيم أنّ “ما نشاهده منذ فترةٍ غير قصيرةٍ، هو نتيجة الشعور بفائض القوة الذي ولّد لدى هذا الجمهور شعورًا متعاظمًا بأنّ ما يحقّ لهم لا يحقّ لغيرهم، وأنّه آن الأوان أن نعامل الآخرين بأسوأ ممّا يعاملوننا به وبأسوأ ممّا عاملونا به في السابق”. ويُعيد ذلك إلى “إهمال الإعداد للكوادر الجديدة، حيث بات الولاء أهم من أيّ شيءٍ آخر”.

ويختم الدكتور جمال نعيم، “القرآن الكريم حثّ المؤمنين على الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة. ونأمل من الجميع العودة إلى لغة العقل لأنّ طغيان هذه اللغة المبتذلة يُصل المجتمع إلى الحضيض”.

بين تحمّل المسؤولية والاستهتار

من جهة ثانية، يؤكد المحلّل السياسي سمير الحسن، لـ”أحوال”: “لا أعتقد أن هناك ضعفاً، هناك فرق كبير بين تحمّل المسؤولية وبين الاستهتار ودفع البلاد إلى مزيد من التشنج والمهاترات. وأعتقد أن المقاربة التي يقدّمها فريق المحور يرتقي إلى مستوى من المسؤولية والحرص على أن تبقى الساحة اللبنانية قوية ومتماسكة وقادرة على أن تذهب بإتجاه الحوار. أما الآخرون فقد خرجوا عن الأدبيات السياسية والتعابير والمصطلحات، وما يجري بعيد كل البُعد عن المهنيّة وعن المسؤولية أيضاً، لذلك محور المقاومة وإعلاميوه كانوا بمستوى من الوعي والحرص. فالبلد الآن يحتاج إلى إعادة توحيد الصفوف وتشكيل منصات وفتح نوافذ للحوار، وليس لزيادة الشرخ تكريس الإنقسام”.

وردا على سؤال، قال الحسن “إنّ ما يُعرف بـ”السوشل الميديا” أيّ الإعلام الشعبي، يُعاني من نوع من التفلّت وعدم التنظيم، ولا يعني أنّه هناك نكسة أو تراجع، ولا يجب أن تكون مقياساً، فهي ليست معياراً. هناك أزمة اقتصادية – إجتماعية وانقسام بالبلد”.

ويختم “البلد برأييّ يعيش حالة من اللامسؤولية والتفلّت، وهناك خلافات عميقة جداً ونوع من الهستيريا”.

سلوى فاضل

 

 

سلوى فاضل

صحافية لبنانية، تحمل شهادة الدراسات العليا في الفلسفة من الجامعة اللبنانية، تهتم بقضايا حقوق النساء والفتيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى