معركة حامية الوطيس بين الصحافة والعسكر… وعويدات يخمدها
رضوان مرتضى بعد واقعة العسكر: لن يسكتني أحد
في حين أن البلاد تختنق مع انقطاع أنفاس اللّبنانيين بسبب جائحة كورونا، ارتكبت المؤسسة العسكرية خطأ في استعراض القوّة أمام مبنى قناة “الجديد” ومحاصرته تمهيداً لاستجلاب الصحافي رضوان مرتضى من داخل المحطة وفق مذكرة عسكرية لا قضائية وبناءً على رأي كفِله الدستور وحقوق الصحافيين وليس جريمة جنائية. وضربت الهيبة العسكرية بعرض الحائط كل الإجراءات القانونية وأصول استدعاء الصحافيين، ولم يكن هناك من داعٍ للمؤسسة التي يرفعها اللّبنانيون إلى مرتبة أعلى من باقي المؤسسات. وما جرى من مشهد يُسيء إلى أداء المؤسسة التي يريدها الناس مدافعة عن حقوقهم وأرضهم لا مصادرة حقّهم في التعبير.
الزميل رضوان مرتضى الذي خبرته ميادين الصحافة في لبنان وفي سوريا، لم يرتكب جريمة تستحق استقدام حُماة الوطن لجلبه. ساءَل رضوان المؤسسة العسكرية ضمن إطار عمله وهذا دوره كصحافيّ في طرح الأسئلة وإثارة علامات الاستفهام المشروعة في جريمة كبرى مثل كارثة انفجار المرفأ، التي من شأنها إسقاط سلطة بكاملها في أي دولة حقيقية وعلى المسؤولين والمراجع المختصّة تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود. وإن أخطأ صحافي فرضاً، في استخدام توصيف في إشارته إلى إهمال أو تقصير أو في نشر معلومة، هي مسؤوليته المهنية ما هكذا يتمّ التعامل معه.
رضوان مرتضى الذي كان متواجداً في مبنى الجديد أثناء حضور قوّة من الجيش، رأى أنه “لو كان لدى هذه القيادة نفس الحماسة لإرسال دورية لإزالة نيترات الأمونيوم، كما تفعل اليوم لتوقيفي، بدلاً من تركها كل هذه المدّة، لما كان وقع انفجار المرفأ”. وكان تحدّث في وقت سابق عن زعم عناصر المخابرات أنّ لديهم إشارة قضائية من مدّعي عام التمييز. وقال “سألت عنها، فتبين أنّها ورقة من مديرية المخابرات لم يُذكر فيها أي قاضي إنما طلبٌ فوري بذهابي إلى فرع التحقيق في وزارة الدفاع. ولدى مراجعة مدعي عام التمييز، تبين أنه لم يعطهم أي إشارة. وأن هناك إشارة من مفوض الحكومة”.
وفي توصيف لما جرى بعد ظهر الجمعة، وبعد وصول دورية من مخابرات الجيش لتوقيف الصحافي رضوان مرتضى من أمام مبنى تلفزيون الجديد، قالت نائب رئيس مجلس إدارة القناة كرمى خياط إن “الدورية قامت بتفتيش الأفراد والسيارات لدى الدخول أو الخروج من المؤسسة، والموضوع تخطى الحدود، والمؤسسة أصبحت محاصرة من كل الجهات بحجة وجود مهمة رسمية، متسائلةً “هل أصبحنا في دولة بوليسية؟”. ولفتت خياط إلى أنّ “دورية حاولت توقيف مرتضى من أمام بيته بطريقة غير شرعية، وكرامة الجيش فوق رؤوسنا ولكن القانون فوق رؤوسنا أيضاً”.
شرارة الخطوة الخاطئة أطفأها قرار القاضي عويدات بسحب إشارة التوقيف بحق الصحافي رضوان مرتضى على أن يمثُل أمام النيابة العامة التمييزية وليس مديرية المخابرات لكونها مخالفة باعتباره صحافياً لا يمثل أمام جهاز أمني.
وشهدت المواقع الالكترونية والتواصل الاجتماعي حملة استنكار وشجب لملاحقة مرتضى، وغردت وزيرة الاعلام في حكومة تصريف الاعمال الدكتورة منال عبد الصمد نجد على صفحتها على “تويتر”: “حرية الاعلام عين، وكرامة الجيش عين، والمكان الطبيعي ليمثل امامه الاعلامي والصحافي هو محكمة المطبوعات”.
أمّا نقابة محرري الصحافة اللّبنانية فأكدّت على مسلمات العمل الإعلامي واحترام مؤسسة الجيش في بيانها وشدّدت على “الحرص الكامل على كرامة الجيش اللّبناني ودوره الوطني في هذه الظروف الصعبة، قيادةً وضباطاً ورتباءً وأفراداً، مع الإشارة الى أن علاقة الصحافة والاعلام مع مؤسسة الجيش ما زالت مبنية على الاحترام المتبادل”.
وشدّدت النقابة على موقفها الثابت والدائم الذي سبق واتخذته في جميع الاستحقاقات المشابهة، “أن الصحافي لا يمثل إلا أمام محكمة المطبوعات. وتأمل من قيادة الجيش احترام قرار النقابة، واعتماده في أي مراجعة قضائية تخصها مع رجال الاعلام، خاصة أن الزميل مرتضى أعلن استعداده للمثول أمام القضاء في حال الادعاء عليه”.
ووفق اعتبار أن واجبات القوى الأمنية هو الدفاع عن الأمن القومي الداخلي والخارجي، وليس الدفاع عن شخصيات عسكرية أو سياسية، وأن الوصول الى هذا الواقع المزرِ ما هو إلّا نتيجة طبيعية لتراكم الأخطاء والمخالفات والتعدي على الحقوق”. أكدت الدائرة القانونية في “مجموعة الشعب يريد إصلاح النظام” في بيان، أنه “من البديهي القول إن محاسبة الصحافيين تتم أمام محكمة المطبوعات، والأدهى هو الإصرار على مخالفة نص المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تمنع التحقيق مع أي شخص دون إبلاغه وتمكينه من توكيل محام للحضور معه قبل 24 ساعة على الأقل من مباشرة التحقيق”.
على الجميع أن يُدرك أنَّ الصحافي لا يمثل إلّا أمام محكمة المطبوعات والرأي ليس جريمة بل الجريمة تلك المرتكبة في مرفأ بيروت ومن فجّر وشرّد وجرح المواطنين في 4 آب. والصحافي لا يجب أن يسكت عن الجرائم المرتكبة بحق الناس ومرتضى كما يؤكد دوماً ” “لن يُسكتني أحد”..” وفي معركة الصحافة والعسكر لا يعلى على الحقيقة.
ليس الأمر متعلّقاً بشعارات برّاقة عن حرية الاعلام، ولا عن تقديس المؤسسة العسكرية بل على اعتبار القوانين والحقوق فوق الأهواء الشخصية والنزعات لحجب الآخرين، وتتعلّق بمساحة التنفس التي تضيق على الجميع وكل شيء ضاق.
رانيا برو