الحكومة سجينة صندوق التناحر والبلد مقفل بلعنة الوباء
باسيل لا يريد مشاركة الحريري والرئيس المكلّف ليس بوارد الاعتذار
من لا داعي للهلع إلى الخطر الشديد، دخل البلد إلى مرحلة الانخطاف في مهالك فيروس كورونا الجديد والمتجدد. الانفلات الاجتماعي وطبيعة الوباء العصية على الفهم طبياً، يُكثفان من تضاءل فرص الاحتواء والتعافي. وبموازاة الانفلات الوبائي فإن غياب القرار السياسي المركزي بالخروج من حال الانحدار الكارثي في ميادين المال والاقتصاد والصحة يُعمّق من الأزمة، مع دخول المؤسسات الدستورية الحجر الكلّي بفعل الإدارة السياسية الفاشلة والمتكئة على المناكفة والتجاذب والمنصاعة لروح الاستئثار والتفرّد. كل المؤشرات تقود إلى حالة طوارئ لبنانية شاملة فيما لا تباشير ولادة حكومة تلوح في الأفق.
من الفوضى السياسية والصحية، خرج رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ليبدّد رتابة يوم الأحد الخاضع لمنع التجوّل وليثير عاصفة ردود سياسية والأهم أنّ مناخ كلام باسيل يؤكد المؤكد أن لا حكومة تُبصر النور في القريب العاجل.
كشفٌ سياسيٌ أجراه باسيل هو الأول من نوعه، خالف فيه صحة الاتهامات التي تتهمه بالعرقلة والسعي إلى السيطرة على الحكومة من خلال المطالبة بالثلث المعطل. وفي موقف لافت قال باسيل “نحن بالتيار غير راغبين لا بالدخول بالحكومة ولا بتسمية وزراء اختصاصيين” وبخلاف مواقف سابقة عن التعاون مع الرئيس المكلّف قال باسيل “نحن لا نأتمن سعد الحريري لوحده على الإصلاح ونحمّل نهجه مسؤولية السياسة الاقتصادية والمالية”. وأضاف باسيل “كيف نأتمن للشخص ذاته، مع نفس الأشخاص الذين لا يقبل أن يغيّر أحداً منهم، وبنفس سياسة التسعينات… أنّه وحده يصلّح البلد؟”، متهماً الحريري بعدم الثبات على رأي فيما يتعلّق بتشكيل الحكومة “كلّ مرّة يلتقي الحريري الرئيس عون يأخذ معه لائحة توزيع حقائب مختلفة عن قبلها”، معتبراً أن “لا اختصاص ولا معيار ولا قاعدة فيما يطرح بتأليف الحكومة”.
عرج رئيس التيّار الوطني الحر على قضايا الأمن والاقتصاد والنفط والغاز والتوطين والسلام، وفي سردٍ متسلسلٍ طرح قضايا إشكالية قد تثير حساسيات الحلفاء قبل الخصوم، حول إسرائيل والانغماس في القضايا الإقليمية والإصلاحات الدستورية والثغرات في اتفاق الطائف، وعمل مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وقانون الأحوال الشخصية، واللامركزية الموسّعة وإدارة واستثمار أصول الدولة. لكنّه في الوقت عينه دعا إلى عقدٍ جديدٍ بين اللبنانيين ولحوار وطني ينتج عنه تصوّر لبناني مشترك لنظام سياسي جديد يضمن الاستقرار.
البلد يؤول الى مزيدٍ من التداعي، والانقسام الحاد يتجلّى علانيةً بين الهجوم والهجوم المضاد والفعل ورد الفعل بين الفرقاء المختلفين على كل شيء حتى على دوران الكرّة الأرضية. والانسداد في أفق المستقبل يوحي أن الحكومة هي أمر ثانوي في بنيان الانقسام اللبناني، وتقرّحات تملأ نظامه وهويته وتركيبته والدستور يعاني الأمرين وهذا ما يدركه القاصي والداني.
وبحسب مصادر مطلعة “الخلاف على تشكيل الحكومة تتداخل فيه مسارات الاشتباك المحلي والاقليمي، وتقول “الأمر يتعدّى الخلاف على حقيبة داخلية أو عدل أو وزارة لهذا الفريق أو ذاك. المأزق أكبر بكثير يتصل بمحاولات بسط السيطرة على البلد وانتزاع الصلاحيات من جهة إلى أخرى”.
ولا تُعوّل المصادر على أمل الخروج قريباً من نفق الانسداد لأن” هناك من يريد تكريس أمر واقع جديد في البلد، ويجعل من تشكيل الحكومة حصان “طروادة” تغيير الصيغة اللبنانية و”قولبة الكيان اللبناني بالتوافق مع الاتجاهات الجديدة في المنطقة لصالح مشاريع أطراف خارجية”. وتعتبر “أنَّ رفع باسيل السقف ضد الرئيس المكلّف سعد الحريري، له مسارات أخرى تتعلق بالصلاحيات والإمساك بالسلطة، وبخلاف الكلام المنمّق عن العلاقة بين الطرفين المعنيين بالتكليف أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف فثمة أزمة فقدان ثقة وعدم ارتياح قد يؤديان إلى كسر العلاقة بين الطرفين”، ويبدو أنَّ كلام باسيل هو الهزة الأولى نحو الانفصال.
هجوم باسيل المباشر على الرئيس المكلّف تلقفه تيّار “المستقبل” بهجوم مضاد، في بيان قال فيه “يترك “تيار المستقبل” للشعب اللبناني تصديق الوزير باسيل أو عدم تصديقه. فنحن كتيار لن ندخل في مهاترات سياسية لا تأتي بالبلاد بلقاح ضد الكورونا ولا إعادة العجلة الاقتصادية الى مسارها الصحيح ولا إعادة إعمار بيروت والتعويض على المنكوبين من انفجار المرفأ”.
وركّز البيان على أن “الحكومة جاهزة تنتظر عند رئيس الجمهورية، لتكون حكومة مهمة تتولى الاصلاحات المطلوبة حسب المبادرة الفرنسية وليس حسب المعايير المذهبية والطائفية والعنصرية “الباسيلية”. هذا ما يعنينا ولا شي آخر مهما أبدعوا في صناعة العراقيل وانتاج القضايا الخلافية”.
التعطيل والدفع إلى الاعتذار هو ما يقرأه تيار “المستقبل” في مواقف كل من باسيل ورئيس الجمهورية، وبحسب نائب رئيس التيار النائب مصطفى علوش “يريدون دفعه الى الاعتذار”، ويضيف “إذا كان باسيل أخذ موقع رئيس الجمهورية فلننعِ الدولة”. ويعتبر علّوش أن “مواقف باسيل السلبية ليست مستجدّة بل أن الزيارات الليلية التي كان يقوم بها باسيل لرئيس الجمهورية عطّلت تشكيل الحكومة بعدم حرّض الرئيس على رفض التشكيلات التي قدّمها الحريري”.
بعيداً عن الخطاب المتشنّج جهاراً بين التيارين البرتقالي والأزرق فإنّ مصادر سياسية تعتبر أنَّ “الحريري يحظى بمباركة بتسهيلات من ثنائي أمل وحزب الله ولا يضيره هجوم باسيل وهو حظي بدعم علني من الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في خطابه الأخير، وأن الرئيس المكلّف لن يتنازل عن أي شيء يتعلّق بتشكيل الحكومة لصالح باسيل”. وفيما لم يرشح عن ساكن بيت الوسط أي جديد يتعلّق بالحكومة بعد عودته من عطلته الخارجية، تؤكد المصادر أن لا “فيتو” سعودياً ولا أميركياً على الحريري لذلك هو لن يخرج عن المعايير التي وضعها لتشكيل حكومة اختصاصيين وفق بنود المبادرة الفرنسية.
رانيا برو