سريالية MTV تعيش على كوكب أخر
المشهد صعب، مرضى يعالجون في سياراتهم أمام مستشفيات لم تعد تحتمل احتواء المزيد من الأعداد. وجع يسطر حياتنا. تشعر بالاختناق وأنت تتابع نشرات الأخبار التي باتت أشبه بورقة نعي.
تتحسس نفسك، تأخذ حرارتك للتأكد أنك بخير ولن تحتاج أن تعيش طقوس الذل أو الموت في أروقة المشافي. الخوف يأكل منك كل جزء سليم، تسقط بلاطة فوق صدرك، لم تعد قادراً على التنفّس، ولم تعد تعرف هل هذه عوارض كورونا أو عوارض وطن زرع فيك كل أنواع الأسى.
أمام هول مصائبنا يطالعك مشهد سريالي يأتي إليك من عالم البال المرتاح حيث لا غمٌ ولا همٌ. لبرهة تقول إن هذا استذكار للماضي عندما كنا أناساً نعيش حياة. تفتح عينيك أكثر وتتابع المشهد بتمعن عبر محطة mtv فتتأكد أن المشهد طازج فهو ليس من غابر الأزمان. صبايا بأثواب براقة نشهدها عادة في عروض الأزياء وشباب بأطقم التوكسيدو والياقات اللَماعة. يمضغون الكلام مضغاً يهزجون ويضحكون.
ماذا يفعل هذا الربع البراق على الشاشة؟ هل ثمّة مناسبة ضخمة سيعلن فيها أن الليرة اللبنانية عادت تذبح رأس الطير؟ أو أن العالم وجد ترياق كورونا فلبسوا المقصّب والمذهّب وراحوا يحتفلون بالإنجاز العظيم؟
لا هذا ولا ذاك. فهذا هو الخبير الاقتصادي دان قزي جالس على رأس الحلقة يحكي عن افلاسنا عن انهيارنا عن فقرنا عن مالنا الذي لم يعد لنا. وجماعة البريق تسأل بسخرية وباستخفاف كأنهم التقوا به عند قارعة طريق، وهم بانتظار الليموزين التي ستقلَهم الى السجادة الحمراء.
يتحدث قزي بسرعة وهم من حوله يجلسون كأنهم في مربع ليلي يحتسون الشمبانيا وتتداخل الأسئلة مع بعضها. فلا تسمع ماذا يقول الخبير ولا تفهم ماذا يفعل هؤلاء اللماعون هنا. أحدهم يتحدث بلغة عربية مكسرة تتداخل فيها الإنكليزية والفرنسية والكأس بيده، كمن شرب قاع البحر وترنح، كلامه غير مفهوم وتعابيره دخلت مرحلة slow motion.
انتهت الفقرة الاولى رشوا خيوط الذهب ودخلت منى صليبا بثوبها الذهبي كأنها في مناسبة خطوبة منتظرة. احدى أهم الاعلاميات في المجال السياسي تدخل كأنها على موعد لمحاورة قيصر، حتى قيصر الرومان ما كان يريد كل هذه البهرجة. تتناوب أحدى الفتيات من صاحبات السيقان اللافتة الى الكلام والكاميرا تصورها من أسفل كاحلها حتى فتحة الفستان أعلى الفخذ، تشد الكلام شداً صوتها أشبه بفتاة مراهقة تواعد حبيبها على عجل، متهدجة خجولة كلامها غير مفهومة مخارجه. صوتها مسطح باهت رغم بريق جمالها الأخاذ.
أمام هذا الاشعاع الذي يغشي العيون لا تجد الجو مناسبة لسرد حكايات الافلاس والفساد والجوع والفقر والمرض والدولة المنهارة والشعب السقيم، والبلاد التي تعيش على كف عفريت. لم ننتبه صراحة لما قالته منى صليبا كان الرأس ملطوشاً بالمقام فتهنا عن المقال.
اجتمع سبعة مقدمين مساء السبت على محطة mtv. أربعة شبان وثلاث صبايا، بهندمة مبالغ فيها طغى عليها اللون الذهبي كاحتفالية بالمجد الضائع والوطن المريض، وراحوا يستعرضون أحداث العام الفائت بالكثير من التكلف والادعاء المفرط، بالكثير من الخفة. سبعة لمحاورة ضيف. سبعة يستعرضون جمالهم ليس إلا. ليس فيهم واحد يجيد الكلام الاعلامي المفترض.
الحديث كان عن الهشتاغ رقم واحد. وهم وضعوا الهاشتاغ خاصتهم في المتجمد ما تحت الصفر.
حان الوقت أن تفهم بعض المحطات أن الغلبة ليست للوجوه الملوّنة والطلة المتكلفة والوسامة والهوت كوتور. ضاع الليل في السطحية بين شاب يرقص على ايقاع الاغنية الناجحة وياقته تلتف حول عنقه وبين صبية لا تجيد سوى لف رجليها الطويلتين ولسانها مربوط بألف عقدة.
هذا الاخراج بنافورته الذهبية وعارضاته وتكلفه وكؤوسه ليس وقته. وجع الناس لا يحتمل مثل هذه الهرطقة ولا مزاج لها أن تستمتع بآخر صيحات الجمال “البراني” الممل.
كمال طنوس
والله صدقت! فعلا الMTV على غير كوكب.. كوكب لا يسكنه الا الرذيلين امثالهم… ولا اوطى ولا اوسخ من هيك محطة…