مخافر بيروت لا تلتزم الوقاية وقصر العدل أرضاً خصبة لـ “كورونا”
على الرّغم من المناشدات المتكرّرة لوزارة الصّحة ووزارة الدّاخليّة والبلديّات والمسؤولين، بضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائيّة للحماية من فيروس كورونا، إلّا أنّ الكثير من عناصر قوى الأمن الدّاخلي، لا يلتزمون بالتّباعد الاجتماعي ولا بارتداء الكمّامات داخل أماكن خدمتهم وتحديداً في مخافر بيروت. فلماذا هذا التّهاون وهم العنصر الأوّل الذي يقف في وجه المواطنين المخالفين في أوقات التّعبئة العامّة؟
وهل يُعقل أن يكون عنصر قوى الأمن الذي يطبّق القانون على الأرض هو نفسه المخالف؟ وماذا عن الموقوفين الذين يدخلون النّظارات قبل إجراء فحوصات الـ PCR، ويوضعون في زنزانة بطول 4 أمتار وعرض 7 أمتار مع 15 موقوف تقريباً، يرتادون مرحاضاً واحداً، ويتشاركون الهواء الذي قد يكون ملوثاً بكورونا إن كان أحدهم مصاباً، ومن المسؤول عن هذا الاستهتار؟
تضارب معلومات
مصادر أمنية تؤكد لـ “أحوال” أنّ المديرية العامّة لقوى الأمن الدّاخلي توزّع باستمرار أدوات التّعقيم والتّنظيف والكمّامات على جميع المخافر.
رغم هذه التّصريحات، إلّا أنّنا لا نزال نرى عناصر قوى الامن، على مداخل المخافر وفي أروقتها، لا يرتدون القفازات ولا الكمامات ولا يلتزمون بالإجراءات الوقائيّة، لتفادي انتشار العدوى. البعض يبرّر ذلك بعدم مقدرتهم الماديّة على تأمينها بشكل يوميّ، والبعض الآخر يقول: معظمنا أصيب بالكورونا “ولا داعي للهلع”.
وفيما يخصّ الموقوفين الجدد، تشير المصادر إلى أنّ المديريّة العامّة لقوى الامن، باشرت منذ تسجيل أوّل إصابة في شهر شباط 2020 لجائحة كورونا في لبنان، إلى اتخاذ كلّ التّدابير الوقائيّة في جميع السّجون والمخافر.
وتقول المصادر، عملت المديريّة على اتّباع الأساليب الموصى بها عالميا ً للحماية والوقاية من هذا الفيروس، وذلك من خلال زيارات من خلف الزّجاج، تعقيم وتنظيف، إجراء التّحقيقات “online” بالتّنسيق مع وزارة العدل.
وتضيف، تقوم المديريّة بإجراء فحوصات الـ PCR” ” لكل سجين تظهر عليه أعراض مشابهة لعوارض فيروس كورونا (حرارة، سعال، ألم في الحنجرة وفقدان حاسة الشّم…)، كما يتم إجراء الفحص لكل موقوف جديد يدخل نظارات التّوقيف قبل أن يختلط بالموقوفين.
كورونا في النّظارات
تصريحات اصطدمت بإفادات عدد من الموقوفين السّابقين من داخل المخافر في بيروت، إذ أنّ جميعهم أكّدوا على أنّهم لم يخضعوا لفحوصات الـ PCR ولا من يحزنون، وكانوا يدخلون مرافق الاحتجاز مباشرة والتي تعاني أصلاً من سوء النّظافة الصّحيّة وتفتقر إلى التّهوئة.
ويؤكّد موقوف سابق لـ “أحوال” أنّه لم يخضع لفحص الـ PCR عند توقيفه، بل وُضع مع موقوفين آخرين، في ظلّ غياب إجراءات الوقاية والنّظافة والتّهوئة.
ويلفت إلى أنّ اثنين من الموقوفين كانا معه في النّظارة، فقدا حاستي التّذوق والشّمّ، ورغم ذلك لم يتمّ عزلهما ولم تجرَ لهما فحوصات الـ PCR.
قصور العدل غير آمنة
أمّا بالنّسبة لقصور العدل (بيروت نموذجاً)، فحدّث ولا حرج؛ فهو من أكثر الأماكن اكتظاظاً بالمراجعين، وذلك إلى حدّ يجعل تطبيق الإجراءات الاحترازيّة أقرب إلى المستحيل.
وتقول المحاميّة ندين عراجي، إلى أنّ الإجراءات الوقائيّة المتّبعة في قصور العدل لمواجهة جائحة كورونا، لا تتناسب أبداً مع خطورة الفيروس، ولا تشكّل بالتّالي مانعاً لانتقاله .
نبدأ من بوابات قصور العدل، حيث الإكتظاظ على أبوابها، جرّاء الإجراءات الأمنيّة الضروريّة المترافقة مع تفتيش الأشخاص الداخلين الى بهو المحاكم، يصاحبها فحص حرارة الجسم، كل ذلك يترافق مع إزدحام على تلك البوابات، حيث ينعدم التّباعد الإجتماعي بالكامل، ناهيك عن تفتيش الأغراض الشّخصيّة التي توضع على الطاولات، ويتمّ لمسها من شخص لآخر، ما يسهّل مسألة إنتقال عدوى الفيروس .
جهاز تعقيم معطّل
أمّا بالنّسبة لجهاز التّعقيم “العاطل عن العمل”، فالمشهد مستفزّ، يقف داخله حوالى 3 أشخاص في آنٍ واحد، معتبرين أنّ كورونا “كذبة”، إذ لا يزال عدد كبير من اللّبنانيين لا يبالون لمخاطر الوباء، ولكيفيّة تخفيف إحتمالات إنتقال العدوى.
لذلك لا بدّ من أن يتشدّد المسؤولين في قصور العدل على إلزام الموظّفين والمراجعين بوضع الكمامات، وارتداء القفازات، والحفاظ على التّباعد الاجتماعي، تحت طائلة المسؤوليّة.
وتضيف عراجي، الأمر الأخطر هو الإزدحام الكبير أمام مكاتب تحرير المخالفات، حيث تظهر طوابير المواطنين بإنتظار تسديد رسوم المخالفات المحرّرة بحقهم، لينتقل الإكتظاظ الى أماكن تسديد الرّسوم(الصّندوق)، حيث المكان المخصّص لا يتّسع أصلاً لأكثر من عشرة أشخاص، مما يشكّل مكاناً رحباً لانتشار فيروس كورونا.
وفيما يخصّ فكرة التّباعد الإجتماعي، إن طُبّقت، فإنما تقتصر على الإبتعاد عن مكاتب الموظّفين فقط، مقابل إكتظاظ من يقوم بعمل ما من المواطنين، بإنتظار وصول دوره لأداء عمله، كل ذلك مترافق مع فقدان أدنى مقوّمات التّباعد الإجتماعي أو سبل الحماية من الفيروس .
لا شك أنّ جائحة كورونا ساهمت بإيجاد حلول لمسألة التّعلم عن بعد، في مواجهة عدم القدرة على ارتياد المدارس. فهل تعجّل الجائحة بإقرار تشريعات تواكب العصر؟ مثل مسألة التّقاضي عن بعد والتبليغ الإلكتروني المعمول به في كثير من الدّول ؟
التّشدد بضرورة التّقيّد
وفي السّياق، يوضح مصدر من وزارة العدل، أنّ كل الوزارات تعاني من هذه المشكلة وليس فقط قصور العدل.
ويتابع، وزارة العدل تعاني من أزمة ماليّة خانقة، وبالتّالي لا تستطيع تحمّل أعباء مصاريف المطهّرات والمضادات الوقائيّة، ولا تأمين الكمّامات والقفّازات الصّحيّة، لتوزّع على من لايصطحبها معه من روّاد المبنى والموظّفين.
ويشدّد المصدر على ضرورة عدم إجراء التّفتيش بطريقة اللّمس المباشر للأغراض الشّخصية للمراجعين، كونها طريقة غير آمنة، ومن شأنها تسريع نقل العدوى، إضافة إلى ضرورة االتّعقيم المستمر لمباني قصور العدل. كما وإلزام المواطنين بتطبيق الإجراءات الوقائيّة، وعدم السّماح بالدّخول لأي مراجع أو موظّف لا يلتزم بها.
ناديا الحلاق