منوعات

تحرير سعر الصرف استكمال لمخطط “بونزي” في لبنان

بعدما واظب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خلال ثلاثين عاماً على تطمين اللبنانيين حيال استقرار النقد الوطني، أعلن مؤخراً في حديث لقناة “فرانس 24″، أنّ “عصر تثبيت سعر الصرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي انتهى، ونتجه نحو سعر صرف معوّم يحدده السوق”.

سلامة استدرك كلامه قبل أن تنعكس نتائجه السلبية على أرض الواقع على شكل نوبات هلع تصيب اللبنانيين؛ فسارع إلى توضيح موقفه في حديث لـ”رويترز” بأنّ تحرير سعر الصرف قرار تتخذه الحكومة بعد الإتفاق مع صندوق النقد الدولي.

لكن سوق الصرف الذي يقف على شفير إشاعة تستغلها “مافيات” التطبيقات الإلكترونية لترفع سعر الصرف، لم يستجب لتوضيحات سلامة بل قفز الدولار ملامساً الـ 9000 ليرة.

تصريحات الحاكم المركزي أثارت جدلاً واسعاً لدى الأوساط السياسية والمالية والمصرفية، وتساؤلات عن الرسائل التي أراد إيصالها؟ وهل كلامه مقدمة لوقف تدخل “المركزي” بسوق الصرف وبالتالي رفع الدعم عن السلع الأساسية؟ وما هي التداعيات التي ستنجم عن ذلك؟

تحرير سعر الصرف سيفاقم الأزمات

الخبير الاقتصادي د. جاسم عجاقة حذّر من أن تحرير سعر الصرف سيفجّر بركاناً اجتماعياً كبيراً بشكل لا يستطيع أحد إطفاءه. ولفت لـ”أحوال” إلى أنّ “تحرير سعر الصرف سيزيد من تحكم مافيات السوق السوداء للدولار والمواد الأساسية سيما في ظل نظام تطبيقات الدولار على مواقع التواصل الاجتماعي التي تتحكم به أجهزة استخبارية خارجية بالتعاون مع مضاربين ومافيات في الداخل”. وأوضح عجاقة أنّ “تحرير سعر الصرف بلا برنامج مع صندوق النقد الدولي لدعم لبنان بالدولارات الطازجة للجم الإرتفاع الحتمي لسعر الصرف، سيأخذ لبنان نحو سيناريو الفقر والمجاعة الحقيقية”.

قرم: لبنان في مرحلة الإنهيار

أما وزير المالية السابق جورج قرم، فلفت إلى أنه “وقبل تحرير سعر الصرف يجب على مصرف لبنان توحيد أسعار الصرف في السوق. فهناك ثلاثة إلى أربعة أسعار”؛ مشيراً لموقعنا إلى أن طريقة الدعم التي يتبعها مصرف لبنان خاطئة وعادت بنتائج سلبية”. وأوضح أن “لبنان في مرحلة الأزمة الحادة والإنهيار منذ انتهاج سياسات مالية اقتصادية نقدية في أوائل التسعينات في عهد الرئيس رفيق الحريري”.

قراءتان لكلام سلامة

وبحسب عجاقة، فإنّ الحاكم لم يقصد أن تحرير سعر الصرف سيحصل غداً، بل بعد التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. لأن الحاكم يعرف ضمناً أن تحرير الصرف بلا اتفاق مع  الصندوق سيكون جريمة اجتماعية كبيرة؛ ولذلك يستبق الحاكم الأمر بالتحذير. علماً أنه كان قد أعلن في حديث على قناة الحرة منذ أسابيع قليلة بأن المركزي لا يزال يملك ملياري دولار وبالتالي يستطيع الإستمرار بالدعم لفترة شهرين أو ثلاثة. ما يعني أن رفع الدعم حتمي بعد نفاذ إحتياط المركزي.

لكن تحذير سلامة هو رسائل ضغط بأكثر من اتجاه: للطبقة السياسية بالإسراع بتأليف الحكومة للتفاوض مع صندوق النقد، والرسالة الثانية لصندوق النقد نفسه وإجابة على ضغوطه وطلبه من لبنان منذ العام 2000 تحرير سعر الصرف. فأراد القول له “لكي نحرّر السعر تفضل وساعد لبنان”.

العلّة في النظام المصرفي

وهنا أوضح الوزير السابق جورج قرم بأنّ “العلّة موجودة في النظام المالي المصرفي المتمثل بوجود عملتين للتداول:

الأولى عملة الدولار القوية والثانية الليرة اللبنانية الضعيفة، وهذا ما أدى إلى الوضع القائم”. مشدداً على أن الخطأ الأكبر هو اعتماد السعر الصرف الثابت ودفع كلفته المالية عشرات مليارات الدولارات من دون وضع خطط مستدامة وطويلة الأمد للتأسيس لاقتصاد إنتاجي وطني قوي. كما أنّ إدخال الدولار كعملة رئيسية في المدفوعات، حقق أرباحاً خيالية لأصحاب الرساميل والمصارف عبر سياسة الإستدانة والفوائد والإقراض”.

ولفت إلى أننا “إذا ما استمرينا بذات النهج السياسي والاقتصادي وتركيبة القطاع الخاص والفساد في التلزيمات والمناقصات في الإدارات العامة، لا يمكن توقع أي رقم سيسجله سعر الصرف؛ متوقفاً عند حجم الإنفاق الهائل على البنية التحتية من دون بناء بنية قوية ومنتجة إضافة إلى حجم الإنفاق العام الهائل المقدّر بعشرات المليارات على بلد مساحته 10452 كلم مربع”.

عائلات لبنان تحت عتبة الفقر تدريجياً   

من جهته، حذّر عجاقة من أن نسبة الفقر زادت بشكل كبير في لبنان بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، إذ أن الرواتب فقدت قيمتها ولم تعد تستطيع تأمين المتطلبات الحياتية اليومية للمواطن ما اضطر آلاف المواطنين إلى العمل في أكثر من وظيفة لسد كامل احتياجاتهم المعيشية”. ولفت إلى أنه “عندما يصل راتب العامل إلى 2 دولار يومياً يعني أن لبنان بات في حالة الفقر المدقع. فراتب المليون ليرة بحسب عجاقة بات يوازي 110 دولارات وبالتالي 3.5 دولار شهرياً وهذا لا يكفي لعائلة مؤلفة من شخصين أو ثلاثة، وإذا زادت إلى خمسة تصبح تحت عتبة الفقر المدقع ما سيضع عائلات لبنان تحت خط الفقر بشكل تدريجي”.

هل طبق نظام “بونزي” في لبنان؟

واتهم خبراء مطلعون على الوضع المالي والسياسي منذ عقود، جهات خارجية وداخلية بتطبيق نظام “بونزي” في النظام المصرفي في لبنان. فما هو هذا النظام؟

مخطط “بونزي” هو عملية استثمار إحتيالية تعمل عن طريق الدفع لأقدم مستثمرين بإستخدام أموال تم جمعها من المستثمرين الجدد.

وتسمية مخطط بونزي على اسم تشارلز بونزي وهو محتال إيطالي انتقل إلى أميركا الشمالية وأصبح مشهوراً بنظامه المحتال في صنع الأموال. في أوائل العشرينات 1920 تمكن بونزي من الاحتيال على مئات الضحايا وظل مخططه يعمل لأكثر من عام.

وهذا ما يشبه “الخديعة الكبرى” التي حصلت في لبنان بعد أحداث 17 تشرين الأول 2019 بحسب الخبراء. إذ استفاق اللبنانيون ولم يجدوا أموالهم المودعة في المصارف التي أغلقت أبوابها فجأة واحتجزت الودائع في أكبر عملية سطو وسرقة في العالم أبطالها المصارف والمحميات الساسية والطائفية التي يحتمون بها.

أما الفخ الذي نصبه حاكم مصرف لبنان والمصارف بحسب الخبراء، فهو الفوائد المرتفعة والتطمينات التي كان يطلقها حتى الأمس القريب عن قوة الليرة وثباتها وأمان وضمان الودائع والثقة العالمية بقطاع المصارف لبنان وحجم الإحتياطات النقدية الكبيرة من العملة الأجنبية في مصرف لبنان. فسارع اللبنانيون من المغتربين والمقيمين إلى إيداع أموالهم في المصارف طمعاً بالفوائد العالية ليستفيقوا ذات يوم لا يملكون شيئاً. فأين ذهبت تطمينات سلامة؟

بحسب المطلعين، فإنّ رفع سعر الصرف مخطط متعمد بهدف تشريع وقوننة سرقة أموال المودعين. أما المستفيد الأول فهي المصارف التي تدفع الودائع على سعر 3999 فيما سعر السوق 9000 ل.ل في عملية احتيالية مشتركة بين المركزي وجمعية المصارف. كيف ذلك؟

يزوّد سلامة المصارف بكميات كبيرة من العملة اللبنانية لتدفع للمودعين ودائعهم الدولارية وفق سعر المنصة الإلكترونية، ويقوم سلامة بالمقابل بشطب وإطفاء ما يوازيها من ديون المصارف على المركزي بالدولار.

 من أين يأتي سلامة بأموال الليرة؟

يقوم المركزي منذ عام ونيف، بطبع كميات كبيرة من الليرة ذلك لتغطية مدفوعات الخزينة اللبنانية ودعم المصارف، وبالتالي حل الأزمة بينه وبين المصارف على حساب المودع بطريقة إحتيالية إلتفافية من خلال الإستفادة من الفارق بين سعر الصرف “المنصة الرسمية” وبين سعره في السوق السوداء؛ ما يؤكد بأن تحرير سعر الصرف لرفعه إلى معدلات عالية هو استكمال لمخطط “بونزي” في لبنان، أي استمرار سرقة الودائع بطريقة مشروعة. وبحسب الوزير قرم، فإنّ ودائع اللبنانيين تبخرت وغير موجودة في المصارف كما يدعي المعنيون.

وتساءل خبراء: هل ستدفع المصارف الودائع وفق سعر الصرف الذي يبلغه الدولار بعد تحريره أم سيبقى على سعر 3999؟

ودعا عجاقة أصحاب الودائع في المصارف إلى عدم سحبهم إن لم يكونوا بحاجة إليهم في الوقت الحاضر لكي لا تفقد من قيمتهم نتيجة الفارق بين سعر السحب في المصارف على 3999 ليرة لبنانية وبين سعر السوق. ولفت إلى أنّ الأموال التي يقدمها المصرف المركزي للمصارف هي مطبوعة وهذا سيؤدي إلى رفع نسبة التضخم وبالتالي فقدان الليرة مزيد من قيمتها، وبالتالي تحليق الدولار إلى معدلات قياسية. وكشف أن قسماً كبيراً من المودعين يعملون على سحب دولاراتهم على سعر المنصة أي 3999 وتحويلها إلى الخارج أو وضعها في منازلهم لو تحمل خسارة معينة. وحذر عجاقة من أن ارتفاع حجم الكتلة النقدية من الليرة في السوق مؤشر سلبي جداً. ودعا الأجهزة الأمنية إلى ضبط تفلّت التطبيقات الإلكترونية التي تتحكم بالسوق وتسبب حالة الهلع والخوف لدى المواطنين وتتيح للمضاربين والمحتكرين إحكام قبضتهم على السوق. وتوقع عجاقة أن يرفع المضاربون والمتحكمون بنظام التطبيقات سعر الصرف بعد كلام سلامة؛ ما سيدفع المودعون إلى سحب المزيد من أموالهم من المصارف، وبالتالي سيدفع مصرف لبنان إلى زيادة طبع الدولارات ما يفقد الليرة المزيد من قيمتها، وهكذا يدخل لبنان في حلقة مفرغة يدفع المواطن ثمنها في النهاية.

محمد حمية

 

 

 

 

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى