منوعات

فكرة “تسييل” ذهب لبنان تلوح بالأفق والقرار بيد المجلس النيابي

  • في العام 1971، أي قبل الحرب الأهلية اللبنانية، جمع لبنان مخزونه من الذهب والذي يبلغ 286.5 طنّاً، وهذا المخزون لا يزال على حاله حتى اليوم، فلم يرتفع طيلة السنوات الماضية، ولم ينخفض، وكان الحديث به عابراً، وعدد الذين يعلمون بشأنه تفصيلياً لا يتجاوز ربّما أصابع اليدين، ولكن مع وصول لبنان إلى “نقطة” الإفلاس، هناك من تذكّر الذهب، فهل يكون العام 2021 عام إخراجه إلى الضوء؟

كيف جُمع الذهب؟

في ستينيات القرن الماضي، كان إلياس سركيس حاكماً للمصرف المركزي، وهو الذي قرر شراء الدفعة الأولى من الذهب، والتي بلغت آنذاك 5 ملايين أونصة، ومن ثم خلال سنوات قليلة أصبح لبنان يملك 286.5 طنّاً، أو ما يُعادل تقريباً 10 ملايين أونصة، ولكن في العام 1971 توقف تجميع الذهب بعد قرار من الرئيس الأميركي نيكسون فكّ ارتباط الذهب بالدولار، أي بمعنى آخر عدم الإعتراف بالذهب “تغطية” للدولار، بل أصبح الدولار نفسه يغطّي قيمة العملات، وبالتالي توقّف لبنان عن عملية شراء الذهب.

لم يتخلّ لبنان عن “ذهباته”، رغم كل محاولات استخدام هذا الإحتياط في الفترة التي تلت العام 1971، وسبقت إتفاق الطائف، وفي 24 أيلول من العام 1986 وبعد أن اشتدّت المطالبات بتسييل الذهب واستعمال المال، قرّر المجلس النيابي يومها إصدار القانون رقم 42، والذي نصّ على “منع منعاً مطلقاً بيع ذهب مصرف لبنان بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلاّ بنصّ تشريعي يصدر عن مجلس النواب”.

إن هذا القانون لا يزال ساري المفعول حتى يومنا هذا، وبالتالي تمكّن من حماية الذهب طيلة السنوات الماضية، فهل يكون العام الحالي، عام “تسييل” الذهب؟

فكرة “التسييل” تلوح بالأفق

يملك لبنان بين “يديه” ثلثي المخزون في خزنات المصرف المركزي، ويملك الثلث الأخير في في قلعة “فورت نوكس” في نيويورك، وتتغيّر قيمة المخزون مع تغيّر سعر الذهب عالمياً، وسعره يقدّر اليوم بحوالي 18 مليار دولار.

إن هذه القيمة فتحت الشهية على استعمال الأموال، إذ تكشف مصادر مصرفية عبر “أحوال” أن البعض يطرح اليوم جدّياً فكرة “تسييل” الذهب، بعد أن تأكد من أن رهنه لا يدرّ ما يكفي من المال، مشيرة إلى أن الفكرة تقضي بتسييل ما قيمته 6 مليار دولار، أي ثلث المخزون، واستثمار المال في عملية الإنقاذ، بدل انتظار أموال صندوق النقد الدولي.

وتؤكد المصادر أن من طرح هذه الفكرة يريد استثمار الثلث من الذهب الموجود داخل لبنان، لأنه يعلم، رغم رفضه الإعتراف، بأن الذهب في نيويورك لن يكون متاحاً فور طلبه من السلطات الأميركية، خصوصاً في هذه المرحلة، مشيرة إلى أن السلطات المالية تحاول دائماً القول أن الذهب في أميركا ليس بخطر، ولكن الحقيقة ليست كذلك.

وتشير المصادر إلى أن الفكرة لا يمكن تنفيذها بقرار حاكم المصرف المركزي بل بقرار سياسي بالدرجة الأولى، كون المطلوب لأجل ذلك إلغاء القانون 42 ولا يتمّ هذا الأمر إلا بقانون صادر عن المجلس النيابي.

وفي هذا الإطار يشير الباحث في العلاقات الدولية الإقتصادية علي حمود، إلى أن فكرة استثمار الذهب ليست جديدة، بل تعود إلى التسعينيات، مشدّداً على أن ما حمى الذهب حتى يومنا هذا هو القانون، ولا يجب أن يصدر ما يلغيه إلا بشروط أبرزها القضاء على الفساد، وتغيير المنظومة، ووجود خطط استراتيجية للنهوض، لأنه بحال تقرر تسييل الذهب بالظروف الحالية فإن ذلك سيعني خسارة هذا المخزون الإستراتيجي.

ويضيف عبر “أحوال”: “لا أظن أن القوى السياسية تجرؤ على اتّخاذ قرار كهذا، ولكن بحال فعلت فعليها أن تعلم أن ذلك قد يعرّض الذهب لخطر اصطياده من قبل حاملي سندات اليوروبوندز، وهذا من مخاطر السماح باستعماله”، مشيراً إلى أن الذهب الموجود في نيويورك والذي يقدّر بحوالي 3.3 مليون أونصة، أي ثلث الكمية، يحظى بحصانة سيادية ولا يمكن الحجز عليه، ولكن هناك قانون أميركي يتحدث عن الحجز على ذهب أي نظام يُصاب باضطرابات، أو يصبح نظاماً لا يخضع لمعايير الديمقراطية الأميركية.

المجلس النيابي لن يقع بالفخ

تشير مصادر نيابية عبر “أحوال” إلى أن المجلس النيابي لن “يسير عالعمياني” في أي فكرة من هذا النوع، ولن يفرّط بالقوة التي مُنحت إليه في الحفاظ على هذه الثروة، مشددة على أن أي فكرة لتسييل الذهب يجب أن تنطلق من خطة متكاملة لإنقاذ الإقتصاد وبناء اقتصاد جديد يضمن المستقبل، لافتة في الوقت نفسه إلى أن البعض يريد تحميل المجلس النيابي مسؤولية كل قرارات السلطة التنفيذية ولكن المجلس لن يقع في هذا الفخ، ولن يمر مثل هذا القانون بسهولة لأن الذهب قد يصبح كل ما يملكه لبنان في المستقبل القريب.

إذا يُخشى على “ذهب” لبنان من قرار سياسي يصيب هذه الثروة بمقتل، ويُخشى أيضاً أن يتحول الذهب إلى تعويض لحاملي سندات الديون، ويُخشى ضياعه في زواريب الفساد والهدر والتبذير بظل غياب الخطط الجدية للإنقاذ، لذلك قد يكون الحلّ الأمثل هو ترك الذهب وشأنه علّ الأجيال المقبلة تستفيد من هذه الثروة.

 

محمد علوش

 

محمد علوش

صحافي لبناني، يحمل إجازة في الحقوق وشهادة الماستر في التخطيط والإدارة العامة من الجامعة اللبنانية. بدأ عمله الصحافي عام 2011، وتخصص في كتابة المقالات السياسية المتعلقة بالشؤون اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى