دمشق في عين العاصفة: قراءة بحثية في “نبوءة أشعياء 17” وإسقاطاتها على واقع دمشق 2025
إعداد أحوال ميديا

لطالما اعتُبر الإصحاح السابع عشر من سفر أشعياء واحداً من أكثر النصوص إثارة للجدل والرهبة في الأدبيات النبوية القديمة.
واليوم، ونحن نعيش في نهاية عام 2025، ومع تحول دمشق إلى ساحة لصراع دولي وتغيرات جذرية في سلطة الأمر الواقع ، تبرز هذه النبوءة مجدداً ليس كفعل إيماني فحسب ، بل كخارطة جيو-سياسية تثير التساؤلات حول “حتمية السقوط” ومصير “المدن المحصنة”.
أولاً: الجغرافيا السياسية للنبوءة (آرام وأفرايم)
تتحدث النبوءة عن تحالف (دمشق/آرام) مع (السامرة/أفرايم).
تاريخياً ، كان هذا التحالف “عسكرياً” بامتياز لمواجهة القوة الآشورية الصاعدة. ما وراء هذا النص يكمن في قاعدة سياسية ذهبية : “التحالفات المبنية على المصالح المؤقتة والارتهان للقوى الخارجية تحمل بذور فنائها في داخلها”.
حين يقول النص “يزول الحصن من أفرايم والملك من دمشق” ، فهو يشير إلى انهيار “منظومة الحماية”.
إذا أسقطنا ذلك على واقعنا اليوم ، نجد أن “سلطة الأمر الواقع” في دمشق (سلطة الجولاني) تعيش ذات الحالة؛ ارتهان للخارج ، وفقدان للحصانة الوطنية ، وتحالفات هشة قد تنهار في أي لحظة لتترك المدينة “رجمة ردم”.
ثانياً: فلسفة “الخراب” واستبدال العملة (الزوال الاقتصادي)
يركز النص في الأعداد (4-6) على فكرة “الهزال” وتلاشي المجد.
يصف المحصول بأنه سيكون “كآبة عديمة الرجاء”.
في التحليل العميق ، يرمز الخراب هنا إلى انهيار الدولة المؤسساتية.
دمشق اليوم تحت حكم الجولاني تعيش هذا “الهزال” الاقتصادي ؛ فقرار استبدال العملة الذي يُطرح حالياً ليس إلا محاولة لمداراة “الرجمة” التي آلت إليها مؤسسات الدولة.
النبوءة تحذر من أن “الغرس الغريب” ( السياسات الدخيلة والارتهان الاقتصادي) لن ينتج حصاداً ، بل سيهرب الحصيد في يوم الضربة.
ثالثاً: “المساء رعب.. وقبل الصبح ليسوا هم” (سقوط سلطات الأمر الواقع)
الخاتمة الصاعقة للإصحاح (12-14) تتحدث عن ضجيج شعوب كثيرة وهدير قبائل .
هذا “الضجيج” يمثل في العلوم السياسية “حالة الفوضى العارمة” أو التدخلات الدولية الكبرى .
النبوءة تحمل سرّاً خطيراً في توقيت الزوال : “في وقت المساء رعب ، وقبل الصبح ليسوا هم”.
يشير هذا إلى السقوط المفاجئ وغير المتوقع للقوى الغاشمة.
فالسلطات التي تظن أنها أحكمت قبضتها على دمشق بقوة السلاح والترهيب ، قد تجد نفسها أمام “انهيار إلهي” أو تحول كوني ينهي وجودها في ليلة وضحاها، تماماً كما حدث مع الإمبراطوريات التي سادت ثم بادت في لحظة رعب مسائية.
رابعاً: البعد الروحي والتحول نحو “الصانع”
تؤكد النبوءة في العدد (7) أن الغاية من هذا التأديب القاسي هو أن “يلتفت الإنسان إلى صانعه”.
خلف هذا الكلام تكمن حقيقة أن الشعوب حين تصل إلى ذروة اليأس من “المذابح” و”السوار” (والتي تمثل في عصرنا الأيديولوجيات المتطرفة ، والأصنام السياسية ، والقادة النفعيين)، لن يتبقى لها سوى العودة إلى الجوهر والبحث عن الخلاص الحقيقي بعيداً عن تجار الدين وأمراء الحرب.
خلاصة القول : هل دمشق أمام “زوال” مادي أم سياسي؟
البحث في “ما وراء النبوءة” يقودنا إلى أن دمشق ، أقدم مدينة مأهولة في التاريخ ، ليست مجرد حجارة ، بل هي رمز للسيادة.
إن “الإزالة” الواردة في النص قد لا تعني المحو من الخريطة الجغرافية بقدر ما تعني المحو من الخريطة الحضارية والسياسية كدولة فاعلة.
ما تعيشه دمشق اليوم في 2025 ، من تخبط في سلطة الجولاني ، وارتهان للأجندات القطرية والإقليمية ، وفشل في الإدارة ، هو تجسيد حي لـ “رجمة الردم” المعنوية .
النبوءة تذكرنا بأن ” الناهبين والسالبين ” (العدد 14) لن يكون لهم حظ سوى الريح والزوبعة ، وأن الفجر الحقيقي لدمشق لن يشرق إلا برحيل “أغراس الغرباء” وعودة المدينة إلى أصالتها وصخرة خلاصها.



