
ساعاتٌ قليلة ويدخل لبنان في عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة، واللبنانيون الموجوعون بواقع مرير ومعاناة بائسة على امتداد كل مناطقهم وطوائفهم ومذاهبهم، على أمل أن يقطفوا من ميلاد المخلّص لحظة فرح وبهجة يفتقدونها، ورجاء لولادة جديدة لبلدهم الممغوص بالأزمات المتعددة الألوان والأشكال، والمنحوس بواقع سياسي كريه بتبايناته وإشكالاته وافتراق مكوناته، وأن ينتزعوا من رأس السنة وعداً، ولو وهمياً، بسنة جديدة تكسر الإنسداد الحاصل، وتفتح مساراً جدّياً نحو انفراج طال انتظاره.
مرحلة داكنة
ممّا لا شك فيه، أنّ المنطقة محاصرة بصراعات ميؤوس منها، مقفلة على أي حلول وانفراجات، ومفتوحة على صدامات في أكثر من ساحة، وهذا الواقع الصدامي يهدّد بتداعيات على كلّ دولها. وخصوصاً انّ المرحلة المقبلة يسودها غموض داكن جداً، وحبلى بالمخاوف من حصول تطورات دراماتيكية. وفق ما يقول مسؤول كبير لـ»الجمهورية»، الذي ينظر بقلق بالغ إلى ما قد يتأسس له في اللقاء المرتقب قبل نهاية السنة الحالية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سبقته تسريبات إسرائيلية بأنّ نتنياهو يحمل إلى هذا اللقاء ثلاثة ملفات: لبنان، سوريا وايران».
على أنّ المسؤول الكبير عينه، يؤكّد انّه لا يرى تصعيداً إسرائيلياً كبيراً على ساحة لبنان، ولاسيما انّ ما يريده الإسرائيلي يحققه في حرب مستمرة منذ ما بعد إعلان اتفاق وقف الأعمال العدائية، وإسرائيل تعتدي وتضرب يومياً، ولا أحد يسألها ولا أحد يحاول أن يردعها لا «ميكانيزم» ولا غير «ميكانيزم». الّا انّ الجبهة المثيرة للقلق هي جبهة إيران، التي لوحظ في الآونة الاخيرة تكثيف المستويات الإسرائيلية السياسية والأمنية تهديداتها ضدّ ايران، وآخرها ما أعلنه رئيس الأركان الإسرائيلي عن تحضير لحرب في المدى القريب على إيران».
ويلفت المسؤول الكبير، إلى انّ كل تحليلات الخبراء العسكريين، وخصوصاً الإسرائيليين والأميركيين، تؤكّد عدم قدرة إسرائيل على شن حرب وحدها على إيران، وهو ما بدا جلياً في حرب الـ12 يوماً. الّا انّ خطورة اللقاء بين ترامب ونتنياهو، هو أن يتمكن الأخير من إقناع ترامب بالشراكة مع إسرائيل في الحرب على إيران. لا احد يستطيع ان يتكهن بما يمكن أن يفعله ترامب، ولكن إن ماشى رغبة نتنياهو في الحرب، فمعنى ذلك انّ المنطقة على شفير انفجار كبير، لا يستطيع احد أن يتكهن بما قد ينتج منه من آثار».
ويخلص المسؤول عينه إلى القول، إنّه «في موازاة تموضع المنطقة على خط النار المحتملة، فإنّ لبنان بوصفه أكثر الساحات تلقياً للإرتدادات والتداعيات، في منطقة الخطر الشديد، وأفقه مفتوح على احتمالات مجهولة، إن بقي في مساره الراهن تتلاطمه الأمواج السياسية وغير السياسية من الداخل والخارج في آن معاً. وهنا تبرز مسؤولية مكوناته الداخلية من دون استثناء أي منها، في النزول عن أشجار الكيد والنكد، واتخاذ القرارات الصعبة، والتشارك الصادق في الإمساك بدفة البلد ومنع السفينة اللبنانية من الغرق، وبالقدر ذاته مسؤولية الدول الصديقة والشقيقة في إلقاء حبل النجاة لهذا البلد والإيفاء بالتزاماتها وتعهدّاتها بمدّ يد المساعدة له وإخراجه من أزمته.
الصورة سوداوية .. ولكن!
ويبرز في هذا السياق، ما أكّد عليه سفير دولة غربية كبرى، خلال لقاء جمعه بمجموعة من النواب والسياسيين، لناحية انّ «الوضع في منطقة الشرق الأوسط قابل لاحتمالات مجهولة في ظل الصراعات المتراكمة فيها». ونُقل عنه قوله ما حرفيته «انّ أفق الحلول والتسويات إنْ لم يكن مسدوداً، فبالحدّ الأدنى انّه معقّد جداً».
وكشفت مصادر مطلعة على أجواء اللقاء لـ«الجمهورية»، انّ السفير الغربي قدّم صورة وتقييماً حذراً للوضع في لبنان، حيث لفت إلى انّ «تفجّر أي صراع او صدام في هذه المنطقة، سيلقي بارتداداته بصورة حتمية وعاجلة على ساحة لبنان».
الّا انّه اشار إلى أنّه «على الرغم من هذا الخطر، الّا انّ الفرصة تبقى متاحة أمام لبنان لكي يجنّب نفسه أي خضات او اي تداعيات ومنزلقات، حيث في مقدوره أن ينضبط في مسار معاكس لتلك الصراعات، ويستجيب لحاجته الملحّة إلى خطوات تحصينية، ولعلّ أكثر الحاحاً، هي أن يدرك اللبنانيون بكل مستوياتهم، وعلى وجه الخصوص السلطة الحاكمة وسائر المكونات والتوجّهات السياسية، بأنّ لبنان لا يمكن له ان يستمر في التعايش لفترة طويلة من دون حلول عاجلة لأزمته».
ووفق تقدير السفير المذكور كما نُقل عنه، فإنّ لبنان رازح حالياً تحت ضغطين كبيرين، يتجلَّى الأول في العامل الخارجي، حيث يجب الاعتراف بأنّ الخارج يلقي بارتدادات وتداعيات ضاغطة إلى حدّ كبير على لبنان، ولاسيما من العامل الإسرائيلي الذي تضع الدول الصديقة للبنان في رأس أولوياتها تبريد الأجواء وتبديد المناخ التصعيدي القائم. واما الثاني فيتجلّى في العامل الداخلي اللبناني، وليسمح لي اللبنانيون بأن اقول بأنّه يفوق الضغط الخارجي ضرراً على لبنان، بحيث يشكّل ما يشهده من صراعات سياسية وتوترات مذهبية وتشابك مصالح وتصادم رؤى وتوجّهات، نقطة الإضعاف الأساسية لبنيته السياسية وحتى المدنية والمجتمعية. ويفاقم ذلك بالتأكيد عنصر الخلل الأساس المتمثل بسلاح «حزب الله» ورفض الحزب التخلّي عنه».
وحذّر السفير الغربي من «انّ ظروف المنطقة شديدة الصعوبة والتعقيد، ولبنان وسط هذه الظروف، إضافة إلى وضعه الداخلي، مصيره الشلل الكامل، وربما اكثر من ذلك، إن لم تنجح محاولات تبريد التصعيد العسكري والأمني من جهة، ومن جهة ثانية إن لم تتحول الدولة فيه إلى دولة ذات تماسك قوي، تديرها قيادة صلبة تتمتع اولاً بالقدرة على إدارة نفسها بطريقة سليمة وحكيمة. ونحن في المناسبة نثق بإدارة الرئيس جوزاف عون ونقدّر ما يقوم به، وثانياً، على استيعاب الداخل واحتواء صراعاته، وثالثاً، ليس فقط على اتخاذ القرارات، بل على تنفيذها، ومحاذرة التردّد وأي خطوات من شأنها أن تؤدي إلى إضعاف الدولة».
وخلص إلى القول: «حاجة لبنان ملحّة جداً لبلوغ تفاهمات تنهي التوتر الحاصل مع إسرائيل، وهنا يأتي دور الأصدقاء في رفد لبنان بمساعدة جدّية ترسم خط النهاية لأزمته. ولكن بالدرجة الاولى فإنّ المطلوب من لبنان وبإلحاح ان ينقذ نفسه من اي خلل او شلل يؤدي في نهاية المطاف إلى ما لا يرغب به اللبنانيون، ولاسيما لجهة أن يقرر مصير بلدهم شيء ما خارجي».
موقف موحّد
إلى ذلك، دخلت مهمّة الجيش اللبناني في تنفيذ قرار حصر السلاح في منطقة جنوب الليطاني ضمن فترة تنتهي نهاية السنة الحالية، أسبوعها الأخير، حيث يُنتظر أن يصدر عن الجيش اللبناني اعلان واضح عن إنجاز مهمّته ضمن المهلة المحددة. كذلك أبلغت مصادر واسعة الاطلاع إلى «الجمهورية» قولها، إنّها ترجح أن يصدر موقف موحّد عن الرؤساء الثلاثة جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام حول الأمر نفسه، ربما في بيان مشترك، او إعلان، بعد اجتماع ثلاثي يعقدونه في القصر الجمهوري في بعبدا، يؤكّدون فيه على الثوابت اللبنانية، ولاسيما لناحية وقف العدوان والانسحاب الإسرائيلي وإطلاق الأسرى، والالتزام الكلي باتفاق وقف الأعمال الحربية والقرار 1701.
ولم تستبعد مصادر المعلومات أن يصدر اعلان موازٍ من قبل «حزب الله» حول هذا الأمر، وربما يتمّ ذلك في موقف مباشر يعلنه الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، الذي ستكون له إطلالة جديدة بداية الاسبوع المقبل.
ورداً على سؤال عن الخطوة التالية بعد انتهاء مهمّة الجيش جنوب الليطاني، أبلغ مرجع سياسي إلى «الجمهورية» قوله، انّ ما هو مطلوب من لبنان تمّ تنفيذه بالكامل، والجيش اللبناني قام بما هو مطلوب منه على أكمل وجه. اما في ما خصّ ما يمكن حصوله بعدما أكمل الجيش مهمّته حتى آخر السنة، فكل الامور قابلة للبحث والنقاش».



