“القبيسيات”.. من التطبيل للأسد إلى التهليل للجولاني.. الدين في خدمة السلطان
خاص أحوال ميديا

في مشهد سوري سوريالي لا يخلو من المفارقات، تتحول بعض الرموز الدينية من التطبيل لبشار الأسد إلى التهليل لأبي محمد الجولاني، في انعكاس صارخ لبراغماتية مذهلة تتقنها بعض الجماعات الدعوية، وعلى رأسها “القبيسيات” وهي جماعة دعوية نسائية نشأت على يد منيرة قبيسي (1933 – 2022)، وعرفت تلك الحركة سريعاً باسم “القبيسيات” أو “الحركة القبيسية”، والمؤسِسة نفسها تلقت تعليمها الديني على يد المفتي السابق لسوريا الشيخ الصوفي أحمد كفتارو (1912-2004) الذي كان يحظى بمكانة علمية ودينية واجتماعية في الشارعين السوري والعربي- الإسلامي على حد سواء.
من البكاء في حضرة الأسد… الى الاشادة بـ”الفتح” و”التمكين”
في دمشق، كانت القبيسيات يتصدرن الصفوف الأولى في احتفالات المولد النبوي التي يحضرها بشار الأسد، يرفعن الأكف بالدعاء له، وتسيل الدموع على الخدود عند ذكر اسمه، وكأنهن في حضرة “وليّ أمر شرعي” لا يُسأل عما يفعل. كانت تلك اللحظات تُبث على التلفزيون الرسمي، وتُقدَّم كدليل على “تديّن الدولة” و”محبة الشعب” لقائدهم.
لكن اليوم، وتحديداً في مدرسة دار الفرح، المشهد تغيّر، لم تعد الأناشيد تُرفع للأسد، بل للجولاني. ولم تعد الدموع تُسكب في الدعاء لبشار، بل صارت الزغاريد تُطلق في حفلات التحرير، حيث يُشاد بـ”أمير المؤمنين” الجديد، وتُغنّى الأناشيد التي تمجّد “الفتح” و”التمكين” تحت راية هيئة تحرير الشام.
في أحد المقاطع المصورة التي انتشرت مؤخراً، تظهر مجموعة من الفتيات الصغيرات وهن يرددن بحماسة:
“أحمد الشرع ياغالي …. يازينة كل الرجالي”
في مشهد يختلط فيه الدين بالسياسة، والبراءة بالدعاية، والولاء بالاضطرار.
تكيّف أم انتهازية؟
قد يرى البعض في هذا التحول قدرة على التكيّف مع الواقع الجديد، بينما يراه آخرون انتهازية فاقعة، تُفرغ العمل الدعوي من مضمونه، وتحوّله إلى أداة بيد السلطة، أياً كان اسمها أو رايتها. فالقبيسيات، اللواتي كنّ يرفعن صور الأسد في قاعات التدريس، أصبحن اليوم يرفعن شعارات الولاء للجولاني وهيئة تحرير الشام، ويُدرّسن الفقه في ظل راياتها السوداء.
الدين في خدمة السلطان
من الأسد إلى الجولاني، تتكرر القصة ذاتها: الدين يُستثمر، والنساء الداعيات يُعدن توجيه بوصلتهن حيث تميل كفة القوة. وبينما تتغير الوجوه، تبقى البنية واحدة: سلطة تستثمر في الدين، وجماعات دينية تبحث عن مظلة تحميها، ولو على حساب المبادئ.
هل هو انحراف عن الطريق؟ أم مجرد محاولة للبقاء في زمن لا يرحم؟ الجواب، كما يبدو، يختلف باختلاف موقع السائل من الخريطة السورية.



