
في تطور يشكل تحولاً جذرياً في تاخطاب السياسي تجاه أحد أبرز “الفصائل الجهادية”، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، زعيم هيئة تحرير الشام والرأس الفعلي لسلطة الأمر الواقع في دمشق، “يعمل بجد لضمان علاقة طويلة ومزدهرة بين سوريا وإسرائيل”.
هذا التصريح يضع الشرع/الجولاني في قلب ملف التطبيع الإقليمي، ويكشف النقاب عن المسار السياسي الذي يسلكه بعد التغيرات الدراماتيكية التي أعقبت سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024.
لم يأت تصريح ترامب من فراغ، بل جاء في أعقاب تصريح علني لأحمد زيدان، المستشار الإعلامي والسياسي البارز للجولاني، الذي اعترف بأن الطرف الذي رفض التوقيع على الاتفاق الأمني المطروح مع إسرائيل في مرحلة سابقة كانت إسرائيل نفسها، وليس “سلطة الجولاني ” .
هذا الاعتراف يحمل دلالات كبيرة، فهو يقلب الرواية السابقة التي روّج لها بعض أنصار التيار “الإسلامي” في الخليج وبعض قادة “الهيئة”، والذين قدموا الجولاني كرافض للتنازل أو التوقيع لصالح إسرائيل، هذا التصريح الجديد لزيدان يظهر الجولاني كطرف كان مستعداً للتفاوض والتوقيع، بخلاف سرديته التي اوصلته للسلطة ما يؤكد أن مشكلة التوقيع لم تكن منه.
يمثل هذا الخطاب ذروة مسار تحوّل بدأه الجولاني تحت شعار “الإدارة والخدمات”، والتصريحات الأخيرة توضح معالم هذا المشروع:
1. البراغماتية السياسية: العمل على بناء علاقات “طويلة ومزدهرة” مع إسرائيل يتعارض جذرياً مع الخطاب التكفيري والأيديولوجي الذي قامت عليه الجماعة.
2. طلب الاعتراف الدولي: يبدو أن سلطة الجولاني تسعى جاهدة للحصول على شرعية وتغطية دولية، خاصة من قوى إقليمية ودولية مؤثرة.
3. الانقلاب على الحلفاء القدامى: الخطاب موجه بشكل واضح إلى “إسلاميي الخليج” و”عناصر الهيئة” المتشككين. إنه رسالة مفادها أن مرحلة التحالفات الأيديولوجية ويقنعهم انه ضمن سياسة التمكين ( التقية ) ، وأن السلطة الجديدة تسير في طريق مختلف، حتى لو تطلب ذلك إقامة علاقات مع “العدو السابق ” .
هذا الكشف يضع حلفاء الأمس في موقف محرج، ويكشف عن هوة أيديولوجية وسياسية بين قيادة الجولاني الحالية وبين قاعدة أنصاره التقليدية وجزء من خطابه التأسيسي.
ولكن يبقى السؤال “هل الاسرائيلي والأمريكي غافلين عن لعبة التمكين والتقية التي هي عماد النهج السلفي الذي تستند اليه الهيئة في حكمها؟



