فضيحة ابستين وتوم براك بعد زيارة الجولاني لواشنطن : الوجه القبيح للعبة السياسية الأمريكية

في لحظة تاريخية كان من المفترض أن تغير خريطة التحالفات الإقليمية، وتحديداً بعد الإعلان عن زيارة رئيس سلطة الأمر الواقع ( الجولاني ) إلى البيت الأبيض، عاد شبح جيفري ابستين ليضرب من حيث لا يحتسب أحد.
بعد 24 ساعة فقط من الإعلان عن زيارة الشرع. تسريب وثائق ابستين التي تطال توم براك، مهندس التقارب السوري الأمريكي وصديق ترامب الشخصي.
لم تكن هذه الصدفة بريئة. لقد كانت ضربة موجهة بدقة متناهية، تهدف إلى تقويض التحول التاريخي في السياسة الأمريكية تجاه سوريا. فبراك ليس دبلوماسياً عادياً، إنه الملياردير ذو الأصول اللبنانية الذي بدأ محامياً لريتشارد نيكسون، ثم تحول إلى مستثمر عقاري ضخم امتلك فندق بلازا في نيويورك ومنتجع نيفرلاند الشهير.
الأهم من ذلك، أن براك كان الرجل الذي قاد لجنة تنصيب ترامب الرئاسية، وأصبح سفيراً في تركيا ومبعوثاً خاصاً إلى سوريا. إنه مهندس صفقة التقارب مع دمشق، والتي كان مقرراً أن تكلّف بإعلان انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد داعش.
الرسالة الإلكترونية المسربة التي يُزعم أنها لبراك، والمحتوية على طلب مرعب: “أرسل لي صورك مع الطفلة وأجعلني أبتسم”، جاءت في توقيت يثير الريبة. إنها ليست مجرد فضيحة أخلاقية، بل هي سلاح في معركة نفوذ داخل الأروقة الأمريكية.
الحقيقة التي تظهر بين السطور أن هناك أطرافاً قوية في الداخل الأمريكي لم تكن مستعدة لتقبل تحول السياسة الأمريكية نحو دمشق. لوبيات متجذرة في مراكز القرار رأت في هذا التقارب تهديداً لمصالحها وإستراتيجيتها الإقليمية.
ما حدث كان عملية دفع مرتفعة الثمن. استخدام أقذر الملفات وأكثرها حساسية لإسقاط رجل كان جسراً بين واشنطن ودمشق. إنها معركة بين مشروعين: مشروع ترامب وبراك القائم على البراغماتية والصفقات، ومشروع آخر يرى في استمرار العزلة السورية بظل حكم الجهاديين ضماناً لمصالحه.
الضحايا في هذه المعركة ليسوا فقط الأطفال الأبرياء الذين تم استغلالهم، بل هم أيضاً شعوب المنطقة التي تدفع ثمن صراعات القوى الكبرى. الأسرار التي طواها ابستين في قبره الغامض عادت لتطفو على السطح في اللحظة المناسبة لأصحاب المصالح.
في الخلفية، هناك إسرائيل التي عبرت عن قلقها من التقارب الأمريكي السوري، وهناك لوبيات الضغط التي لا تريد تغييراً في موازين القوى الإقليمية. الفضيحة لم تكن هدفاً بحد ذاتها، بل كانت وسيلة لعرقلة تحول جيوسياسي كان على وشك الحدوث.
اليوم، وبينما تتهاوى السمعة المهنية لأحد أبرز الدبلوماسيين الأمريكيين، تتهاوى معها فرصة تاريخية لتغيير خريطة التحالفات في المنطقة. هذه هي اللعبة القذرة التي يخوضها اللوبي الأمريكي ضد أي محاولة للخروج عن النسق التقليدي للسياسة الخارجية.
الضحايا الحقيقيون ليسوا فقط أولئك الأطفال الذين تم استغلالهم، بل هم ملايين السوريين والعرب الذين يدفعون ثمن معركة النفوذ هذه. وفي النهاية، تثبت الأيام أن بعض الأسرار لا تموت، بل تظل كالسلاح النائم، تنتظر اللحظة المناسبة للانطلاق وتحقيق أهداف من دفنوها.




