بلدية بيروت تغرق في الفوضى: المازوت أيضاً يُشعِل الانقسام الإسلامي – المسيحي!
لينا فخر الدين - الأخبار

مع كل جلسة جديدة له، يثبت مجلس بلدية بيروت أنه بعيدٌ سنوات ضوئية عن كونه إدارة محلية قادرة فعلياً على تلبية الحاجات الإنمائية لـ 1.5 مليون مواطن، عدا وضع خطط واستراتيجيات لمشاريع حقيقية يمكنها النهوض بعاصمة لبنان. فمجلس البلدية غير قادر على تمرير جلسة واحدة منذ تسلّمه مهامه، من دون فوضى وصراخ وإشكالات، والنتيجة دائماً ما تكون: لا نتيجة، بعد أن يضيّع الأعضاء وقتهم على بنود روتينية، ويحرقوا أعصابهم، بلا أي فائدة.
ولا نتيجة ليست «كلمة وبتِنقال»، فبعد عقد أكثر من 10 جلسات، وإرسال نحو 60 طلباً وقراراً إلى إدارة البلدية، لم يُنفّذ حتى الآن عدد قليل منها. وبعدما اشتكى الأعضاء من ذلك، مقترحين تشكيل لجنة لمتابعة قرارات المجلس ومعرفة أسباب عدم تنفيذها، لم ينجحوا في ذلك، ولا حتى في تفعيل لجنة التسلّم للإشراف على المشاريع المُنفّذة والبضائع التي يتم شراؤها، بعدما فضّل رئيس البلدية إبراهيم زيدان إيلاء الأهمية لأمورٍ أخرى.
هكذا مثلاً، قضى أعضاء البلدية سبع ساعات في جلسة عُقدت أمس، يتحدّثون هباءً، فيما البنود التي تمّت الموافقة عليها أقلّ من روتينية، كالتزفيت والهبات. صحيح أن الجلسة لم تكن مملّة بالكامل، إذ شهدت احتفالاً بذكرى ميلاد أحد الأعضاء وغداءً على نفقة أعضاء آخرين، إضافة إلى التركيز على هبة تثبيت عدد من المقاعد أو ما يُعرف بـ«la chaise bleue» للفنانة الفرنسيّة Sab على واجهة بيروت البحرية، وذلك على غرار بعض المدن الفرنسية، وأيضاً توزيع «جوائز» تسمية الشوارع بلا أي معايير محدّدة.
كما لم تنفع كثيراً مشاركة محافظ بيروت، القاضي مروان عبود، في الجلسة أمس، على حدّ تعبير عدد من الأعضاء، الذين قالوا إنه بدلاً من أن تتحوّل مشاركته إلى جلسة مصارحة حول ملاحظات الأعضاء على أداء الإدارة والموظفين كي يتّخذ التدابير اللازمة، فوجئ هؤلاء بأن زيدان حوّلها إلى جلسة إطراء لـ«آدمية المحافظ وأخلاقه الدمثة»! في المقابل، أصرّ عدد قليل من الأعضاء على أخذ الكلام من زيدان من أجل وضع اليد «على الجرح»، ليطلب منهم عبود أن تتم مراجعته بجميع الطلبات مباشرة، خصوصاً أن مكتبه مفتوح للجميع، من أعضاء وحتى مواطنين، لحلّ جميع الأزمات العالقة.
وعلى هذا المنوال، لم يعمد زيدان إلى إيجاد حلّ لمسألة الهبات المُقدّمة من دون ماهيّة واضحة أو معايير محدّدة، وهو ما أثاره بعض الأعضاء، لكون بعض مقدّمي الهبات لا ينفّذون ما يعدون به بالكامل، وإنما يكتفون بتنفيذ مشاريع لصالح مناطق محدّدة، ليظهر أن هدفها انتخابي بحت، ويتحوّل بالتالي تقديم المشاريع للمجلس إلى أقلّ كلفة من حملة إعلانية لبعض المرشحين. ولذا، بات بعض الأعضاء متيقِّنين، إلى جانب الخلفيات السياسية للعديد من الهبات، من أن البلدية أيضاً دخلت في «موسم الانتخابات»، وهو ما يُفسِّر، بالنسبة إليهم، رفض رئيسها حسم بعض القضايا وإقفال بعض الملفات.
التدقيق في صهاريج المياه
زيدان ترك جميع شكاوى أهل بيروت ليركّز في نقاشٍ أخذ أكثر من ساعة من الوقت على التأكد من نوعية مياه الخدمة التي تبيعها الصهاريج لسكان العاصمة، مطالباً بالتدقيق في النبع الذي يملأ منه أصحاب الصهاريج المياه، والتقدّم بشهادة المنشأ إلى البلدية وفحص هذه المياه. وهو ما اعتبره بعض الأعضاء أنه لا يدخل في صلب صلاحيات البلدية، خصوصاً أن وزارة الصحة هي التي تدقّق في هذا الأمر، عدا أنه يفتح الباب أمام بعض الموظفين للانتفاع من الأمر، لافتين إلى أنه من الأَولى للبلدية معالجة ملفات أكثر إلحاحاً ولا يمكن إغفالها.
الأَنفاق المسلمة أكثر من المسيحية!
ومن المياه إلى المازوت، «دبّ المشكل» بين الأعضاء المعترضين على شراء المازوت الأخضر من شركة «بترولين» لتشغيل مولّدات الكهرباء في أنفاق العاصمة. كثيرون منهم اعترضوا على سرعة انتهاء الكميات التي يوقّع عليها المجلس كل فترة، مع عدم وجود لجنة تسلُّم تُشرف على كيفية استخدام المواد والتأكد من استخدامها بالطريقة المطلوبة، داعين إلى التدقيق في وجود سمسرات بين الشركة المورّدة للمازوت وبعض الموظفين. ومع ذلك، اعتبر بعضهم أن لا إمكانية لعدم شراء الكميات المطلوبة وفتح باب تقديم العروض كي تحصل العملية بطريقة أكثر شفافية، خصوصاً أن الامتناع عن ذلك سيؤدي إلى انطفاء إنارة هذه الأنفاق، ما سيؤدي حكماً إلى حصول حوادث سير.
ورغم الكثير من الأخذ والردّ، إلّا أن المفاجأة أن الانقسام داخل المجلس لم يأتِ على خلفية الاعتراض على الفساد الحاصل في الإدارة، وإنما على خلفية طائفية، إذ أصرّ الأعضاء المسيحيون على التصويت ضدّه، فيما صوّت الأعضاء المسلمون معه! وفسّر بعض الأعضاء الانقسام الطائفي هذا، بأن عدد الأنفاق الموجودة في المناطق المسلمة يفوق تلك الموجودة في المناطق المسيحية!
وبحسب بعض الأعضاء، كان يُمكن لبند التعديلات على سنّ التقاعد لعناصر فوج الإطفاء التابع للبلدية بحسب اقتراح وزارة الداخلية والبلديات أن ينتج أيضاً انقساماً طائفياً آخر، لكون العناصر المسلمين أكثر عدداً من العناصر المسيحيين، إلّا أن الأعضاء المسيحيين سرعان ما انسحبوا من الجلسة بحجج مختلفة، ليُفقَد النصاب. ووفقاً لعدد من الأعضاء، فإن أحد المنسحبين عبّر عن اعتراضه على تعديل السن، فيما لم يكن لدى الآخرين أي مشكلة، ولكنهم انسحبوا لأسباب مختلفة: بعضهم ملَّ من طول مدّة الجلسة، والبعض الآخر كان مرتبطاً بمواعيد مُسبقة.
وهو ما استاء منه عدد من الأعضاء الذين تحدّثوا عن عدم التعامل بجدّية مع سير الجلسات، خصوصاً أن بعضهم انتظروا زملاء لهم كانوا يعمدون إلى «تظبيط» أماكن ركن سياراتهم، قبل أن يتبيّن أنهم غادروا من دون اعتذار. فيما أشار هؤلاء إلى أن مسألة تعديل السنّ التقاعدية لفوج الإطفاء أمر مهم، لجهة أن اثنين منهم سيُحَالان على التقاعد مع نهاية الشهر الحالي.
الريِّس زيدان: على كل عضو تدبُّر أمور منطقته!
لم يكن عضو مجلس بلدية بيروت، عماد فقيه، الوحيد الذي رفع الصرخة بشأن تحييد بعض المناطق والأحياء البيروتية عن تنفيذ المشاريع، كما حصل في عملية تزفيت الشوارع وسدّ الحفر وتشحيل الشجر. وهو ما فهمه بعض الأعضاء على أنه تقصّد واضح لتغييب مناطق على حساب أخرى، خصوصاً بعض الأحياء المسيحية والشيعية.
في البداية كان الأمر يُبرَّر بـ«سقط سهواً» أو أن الميزانية لم تعد تكفي، إلّا أن تكرارها أوحى بأن الخلفيّة واضحة: سياسية – انتخابية، إذ يكفي أن يدعو أحد الأعضاء المتعهّد بالأعمال البلدية إلى جلسة خاصة حتى يتمكّن من تمرير «شارعه» وخدمة «ناخبيه»!
هذا فعلياً ما يجري في بلدية بيروت، وهو ما دفع فقيه إلى سؤال رئيس البلدية، إبراهيم زيدان، عن أسباب تغييب المناطق والأحياء الشيعية، متسائلاً: «هل يجب أن أدعو المتعهّد إلى غداء وعشاء حتى يستفيد الأهالي من خدمات البلدية التي يجب أن تطاول جميع المناطق؟».
هذا السؤال المطروح على لسان أحد الأعضاء كان من المُفترض أن يثير علامات استفهام لدى زيدان أو حتى فتح تحقيق شامل في كيفية استثناء أحياء بيروتية، لكنّ المُستغرب أن زيدان ردّ ببساطة: «نعم حاج، ادعُه إلى الغداء حتى تتيسّر الأمور، وليس لدينا أي آلية أخرى قبل أن نعود إلى فتح باب المناقصات، وإلى أن نعود إليها، على كل عضو أن يشدَّ من أجل متابعة أمور منطقته». وقد دفعت هذه الإجابة فقيه إلى الانسحاب من الجلسة.
إجابة زيدان، على خِفّتها، يمكن لها اختصار السبب الحقيقي لوصول بلدية بيروت إلى هذا الدرك، وتحويلها إلى «بلديات أحياء» ومنصّة انتخابية لتكتّلات حزبية ومناطقية وطائفية.