سياسةمجتمع

الهمجية المعاصرة: اختبار حقيقي لضمير الإنسانية في القرن 21

خطف النساء : السلاح المزدوج للإرهاب والتفتيت

كتب الشيخ مجدي نعيم
هل يُعقل أن يعيش الإنسان في القرن الحادي والعشرين، عصر التقدّم والتكنولوجيا والعولمة، ليكتشف أن هناك مَن لا يزالون ينتمون فكرياً وسلوكياً إلى عصور الظلام والهمجية؟ أن تكون هناك جماعات تتبنّى خطف النساء والاتجار بهن، وتفرض نظام السبي والاستعباد، وكأن الزمن قد عاد إلى الوراء آلاف السنين؟
نعم، هذا هو واقع الحال في بعض مناطقنا العربية، حيث تحوّل ما يسمى “المجاهدون” العابرون للحدود، بقيادة أبو محمد الجولاني وعصابته، إلى غزاة جدد، يدّعون تحرير الأرض ممن هم أحق بها، وأكثر دفاعاً عنها. فجبل العرب (السويداء)، الذي اشتهر أهله عبر التاريخ بالشجاعة والتضحية، وكانوا دوماً في طليعة المدافعين عن العروبة والإسلام، ها هو اليوم يواجه غزواً همجياً من قبل جماعات إرهابية تتستر بشعارات دينية مزيفة.

*بعد أن قدّمت دماءها دفاعاً عن الأمة.. السويداء تُغزى وتُخطف نساؤها
وتشهد مقابر الشهداء المنتشرة عند مداخل كل قرية في السويداء، صغيرةً كانت أم كبيرة، على تاريخ عريق من البذل والعطاء، حيث لم يبخل أبناؤها يوماً بتقديم الدماء الزكية دفاعاً عن كرامة الأمّة وعزتها. لكن كل هذا الإرث النضالي لم يحمِ السكان من همجية الغزاة الجدد، الذين انتهكوا الحرمات، ومارسوا القتل والتنكيل، واعتدوا على المقدسات، ووصل بهم الأمر إلى خطف النساء ، وكأننا نعيش في جاهلية القرن السابع، لا في القرن الواحد والعشرين.

*دول ومنظمات تترأسها النساء.. وعصابة تخطفهن
في الوقت الذي أصبحت فيه المرأة تترأس الحكومات وتقود وزارات الدفاع وتطيّر الطائرات، لا يزال “جهاد” هؤلاء يقوم على استعباد النساء واستباحة أعراضهن، تحت ذرائع دينية مُزوّرة، وبتعاليم من “آلهة” صمموها على مقاس أهوائهم ومصالحهم، لا على أساس من شرع أو دين أو قيمة.
لقد بلغوا درجة من الانحطاط الأخلاقي لم تصل إليها حتى عبادة الأصنام في الجاهلية الأولى، حيث كانوا يعبدون آلهة من التمر إذا جاعوا أكلوها، ولكنهم على الأقل لم يصلوا إلى مستوى خطف النساء واستعبادهن تحت شعارات مقدسة

*فضائيات التكفير: كيف يُصنع الكذب والفتنة لدعم الهمجية؟
ويزيد الطين بلّة أن هناك من يتحدّث عبر الفضائيات ووسائل الإعلام داعماً لهذه الممارسات، ومتّهماً أبناء الطائفة الدرزية – الذين ينتمون إلى مذهب التوحيد التسامحي – بالكفر والإلحاد، في محاولة لترويج أكاذيب وافتراءات لا أساس لها. فمذهب التوحيد، كما هو معروف، مذهب روحي لا يعرف الإكراه في الدين، ولا يسعى إلى الدعوة أو التبشير، بل يحترم حرية الاعتقاد، وهو ما يتناقض جذرياً مع ممارسات هذه الجماعات المتطرفة.
فهل يقبل العالم الحرّ، في هذا العصر المتمدّن، أن يصمت على هذه الجرائم البشعة؟ جرائم من يظنون أن الله حكرٌ عليهم، وينسون أن الله رحمة للعالمين، لا لفئة دون أخرى. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107). وهو رب الناس جميعاً، لا رب طائفة أو ملة واحدة.
{قُلْ إِنَّمَا الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف: 29). فالحق واضح، والباطل واضح، والحساب عند الله وحده، لا يحمل أحدٌ رسالة التكفير أو الإرهاب.

*استهداف الأقليات: الطريق الملتوية لتشويه الإسلام وتقسيم المشرق العربي
والغاية الخفية من هذه الجرائم المنظمة ضد الأقليات الدينية في سوريا – من علويين ودروز ومسيحيين وأكراد وشيعة – هي في الحقيقة استهداف المسلمين أنفسهم، وتشويه صورة الإسلام، ووصم أبنائه بالإرهاب والتطرف، مما يخدم في النهاية أجندات خارجية تسعى إلى تقسيم المنطقة وزرع الفوضى، وتقديم المبررات للتدخلات الدولية تحت ذريعة حماية الأقليات.
إن ما تقوم به هذه الجماعات الإرهابية هو أكبر خدمة تُقدّم للمشغّلين للأتراك وبعض اجهزة المخابرات العربية والأجنبية، حيث يتمّ بث الرعب في نفوس الأقليات، ودفعها إلى طلب الحماية الدولية، مما يسهل تمرير مشاريع التقسيم والهيمنة.

*كفى صمتاً: نداء إلى ضمير العالم لإنقاذ حرائر سوريا
وأخيراً، فإننا نوجه نداءً إلى كل ضمير حي في العالم، وإلى جميع المنظمات الدولية والإنسانية، والمؤسسات الحقوقية، ووسائل الإعلام الحرة، ورجال الدين في كل مكان: كفى صمتاً! كفى تواطؤاً! إن خطف النساء وتغيبهن عارٌ على البشرية جمعاء، ويجب أن تقف الجهود كلها لتحرير “حرائر السويداء” وكل امرأة مُختطفة، والضغط من أجل إعادتهن إلى أهلهن بأمانٍ وكرامة.
إنها قضية إنسانية قبل أن تكون دينية أو طائفية، وهي اختبار حقيقي لضمير العالم الذي يدّعي التحضّر والمدنية.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى