حصاد 2020 السّياسي: انفجار مدمّر وآفاق سياسيّة مجهولة
جاء عام 2020 مثقلاً بأحداث استثنائيّة شهدها لبنان في مجالات عدّة. فقد امتدت أحداث “ثورة 17 تشرين” 2019 لترسم مشهداً لم يعتد عليه اللّبنانيون، حين وضعوا مذاهبهم وطوائفهم وانتماءاتهم السّياسيّة والحزبيّة جانباً ونزلوا إلى الشارع، ليَثوروا على الطبقة السياسيّة الحاكمة المسؤولة عن أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد، أشعلت شرارتها ضريبة الـ 6 دولارات على تطبيق الواتساب المجاني.
الاحتجاجات استمرت لأشهر متواصلة، أغلق خلالها المتظاهرون الطّرقات وطالبوا بانتخابات نيابيّة مبكرة، واستعادة الأموال المنهوبة، ومحاسبة الفاسدين، ورحيل ومحاسبة بقية مكونات الطّبقة الحاكمة، التي يتّهمونها بالفساد.
واكبت “ثورة 17 تشرين” محطّات كثيرة عبرت وحفرت. وأسقط الشارع حكومة سعد الحريري التي تضمّ “حزب الله” و”حركة أمل” (الثّنائي الشيعي) مع قوى أخرى، فيما تشكّلت حكومة جديدة برئاسة حسّان دياب، ووزراء وُصفوا انّهم من الإختصاصيين. الدّولار وصل إلى 9000 ليرة، رافقه إقفال شركات ومؤسّسات بالجملة، وطرد تعسّفي عشوائي طال العمّال والموظفين، وبطالة تجاوزت الـ 60%. فأين أصابت “الثّورة”؟ أين أخفقت وماذا بعد؟
مكاسب بلا تغيير
يقول المحامي علي عبّاس من المرصد الشّعبي لمحاربة الفساد لـ “أحوال” إنّ الثّورة لم تكن وليدة السّاعة، بل نتيجة تراكمات منذ سنوات؛ خضنا خلالها العديد من المحطّات منذ العام 2011، وقد نجحت في تحقيق الكثير من المكاسب لاسيّما استقالة الحكومة بعد أيام قليلة على بدء التظاهرات، إلا أنّها لم تتمكن من تغيير الطّبقة السّياسيّة الفاسدة المتجذّرة في لبنان منذ أكثر من ثلاثين عاماً.”
ويشيرعبّاس إلى أنّ الثّورة تعرضت للعديد من محاولات الخرق بهدف تشتيتها، وهناك من حاول تحويرها عن مسارها باجتراح وإبراز المواضيع الفتنويّة لتمييع وتغييب المطالب الأساسية لها، ومن أجل تصويرها على أنها ثورة عنفية غير منظمة ولا أفق لها.
إختلاق أزمات معيشيّة
ويشير عبّاس إلى ان الطّبقة السياسية اختلقت الأزمات المعيشية من كهرباء إلى طحين وغيرها، لكي يحوّلوا هدف الثورة الى طابع معيشي لا سياسي، للهروب من المحاسبة.
ويندّد عبّاس بالقمع الذي تعرّض له الثّوار، والعنف خلال فضّ الاعتصامات أو الاستدعاءات العشوائيّة الممنهجه للنّاشطين، وبالأساليب التّرهيبية التي مُورست بحقهم.
ويوضح أنّ الثّورة ما زالت مستمرّة بكل مطالبها؛ لافتاً إلى أنّه قد تكون أزمة كورونا وانفجار 4 آب قد أثّرا على الحشد في التحركات، لكن هناك موعد قريب سينفجر فيه الشّارع من جديد وستكون مفاجئة للجميع.
إنفجار “بيروتشيما”
رافقت عام 2020 أحداث أمنية أبرزها في تاريخ 4 آب، إذ دمّر انفجار هائل مرفأ بيروت، وتسبب بمقتل حوالى 200 شخص، وجرح أكثر من 6 آلاف، وشرّد 300 ألف آخرين.
وكان سبب الانفجار 2,750 طنّ من نترات الأمونيوم المخزّنة في مرفأ بيروت منذ أكثر من ستّة أعوام من دون احتياطات ملائمة للسلامة.
إلى ذلك، اندلع حريقان في مرفأ بيروت منذ الانفجار، في 8 و10 أيلول، ما أثار العديد من فرضيات التّلاعب بمسرح الجريمة.
تقصير في التّحقيق
أجرت الحكومة اللّبنانية تحقيقاتها حيال انفجار بيروت، إلا أنّ نتائجها أتت بعيدة عن الشفافية والاستقلالية، ولم تراعِ المعايير الدولية العادلة.
وفي 10 آب، أحالت الحكومة اللّبنانية ملفّ انفجار بيروت إلى “المجلس العدلي”، وهو محكمة خاصّة لا تسمح بالاستئناف. عوُيِّن القاضي الذي ترأس التحقيق في عملية مبهمة ومُحاطة بمزاعم التّدخّل السّياسي، ما أثار مخاوف جدّية حول استقلاليّة العمليّة.
إستقالةُ فتكليف
في 10 آب أعلن حسّان دياب استقالة حكومته. أمّا في 31 آب، فأعلن الرئيس اللّبناني ميشال عون، تكليف مصطفى أديب تشكيل حكومة، تخلف سابقتها برئاسة حسّان دياب، التي استقالت، أي بعد ستّة أيام من انفجار “بيروتشيما” كما أطلق عليه.
واعتذر رئيس الحكومة المكلّف، مصطفى أديب، في 26 أيلول، عن عدم إكمال مهمّته، التي كلّفه بها عون بالتنسيق مع الجانب الفرنسي.
زيارة ماكرون: رسالة حازمة
وتزامن تكليف أديب، مع زيارة تفقدية لبيروت أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما دفع أطراف لبنانية إلى اتهامه بالتّدخل في شؤون بلادهم الدّاخلية، خصوصاً تشكيل الحكومة، في محاولة للحفاظ على نفوذ فرنسا في لبنان، البلد الذي احتلته حوالى 23 عاماً.
جدل الإعتقالات
وفي 13 تشرين الأوّل، أفاد الإعلام المحلي بأنّ 25 شخصاً اعتُقلوا بسبب ارتباطهم بالقضية، فيما وُجهّت تهم إلى 30 شخصاً. ولم تفصّل الدّولة اللّبنانية الأدلّة والتّهم ضدّ هؤلاء الأفراد؛ ومن غير الواضح ما إذا مُنحوا الإجراءات القانونيّة الواجبة، في حين لم يُوجّه اتهام إلى أيّ وزير سابق أو حاليّ.
وبعد الانفجار، بدأ المسؤولون بتراشق الاتهامات. وتوضح سجلات المحكمة والمراسلات الرّسمية المسرّبة إلى وسائل الإعلام أنّ العديد من المسؤولين الكبار، بمن فيهم الرئيس، ومسؤولين أمنيين، ومسؤولين قضائيين، كانوا على علم بمخزون نترات الأمونيوم الخطير في المرفأ، لكنهم لم يتحركوا.
دياب كبش محرقة
أمّا في 10 كانون الأول، فادّعى المحقّق العدلي في الملف القاضي فادي صوان، على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب وعلى وزير المال السّابق علي حسن خليل ووزيري الأشغال العامة السابقين غازي زعيتر ويوسف فنيانوس، بجرم الإهمال والتّقصير والتّسبب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص.
إدّعاء استفزّ دياب ودفعه إلى رفع الصوت ورفض استهداف رئاسة الحكومة من أي جهة كانت، متهماً صوان بخرق الدّستور وتجاوز مجلس النّواب.
المحكمة الدّوليّة: المتّهم وحيد
إلى ذلك، طغى قرار المحكمة الدّولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال رئيس الحكومة السّابق رفيق الحريري، على كل الأحداث التي تضجّ بها البلاد.
ورغم أن المحكمة أدانت فقط المتّهم سليم جميل عياش في قضية اغتيال الحريري، وبرّأت في المقابل كلا من حسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا، معتبرة أنّهم “غير مذنبين”؛ فإنّ أغلب قوى 14 آذار اعتبرت أنه بمعزل عن عدد المدانيين، مجرد الحكم على سليم عيّاش يُعتبر إدانة لحزب الله.
المحكمة أدّت أهدافها
من جهته، يؤكد المحلّل السّياسي أمين قمّورية في حديث لـ “أحوال” أنّ قرار المحكمة الدّولية الخاصة بلبنان كان مفاجئاً على كل المستويات.
ويتابع، المحكمة أو المحاكمة وقضية اغتيال رفيق الحريري أدت أغراضها السّياسيّة الكبيرة طوال السّنة الماضية، فالاغتيال وما تلاه أدّى إلى إخراج سوريا من لبنان، وأدّى في فترة من الفترات الى تفكيك النّظام الأمني اللبناني السّوري بوضع أبرز رموزه في السجن، وساهم في تكوين فريق ١٤ آذار الذي استحوذ على الغالبيّة النّيابيّة لفترة من الزمن، كما ساعد في جعل كتلة المستقبل أكبر كتلة نيابية في البلد.
ويضيف قمّورية، ساهمت المحكمة في إذكاء الصّراع السّني-الشّيعي على السّاحة اللّبنانية، بعدما بلغ ذروته في الحروب العراقية من ثم السّورية.
ويردف، حتماً قرار المحكمة الأخير خفّف الاحتقان الطّائفي كثيراً، لكنّه لم يرفع الاتّهام بالكامل عن حزب الله، بل أبقاه معلّقاً لغايات تتعلّق بأجندة جديدة بدأت تظهر الآن بقوّة على السّاحة اللّبنانية.
وعما لو كان من ارتباط بين إنفجار المرفأ وقرار المحكمة الدّولية، يقول: إذا كان الانفجار مدبّراً ونتيجة مؤامرات خارجيّة كما يعتقد كثيرون، يمكن عندها الحديث عن ترابط وأجندات جديدة تعدّ للبنان؛ مستدركاً، “إذا كان الانفجار نتيجة إهمال فقط وعدم تحمّل مسؤوليّة، يضعف عندها الرّابط”.
التّحقيق يخفق
ويشير قمورية إلى أنّ ثمة خطأ كبير يتعلّق بالتّحقيق في انفجار المرفأ، وربما يكون الخطأ عمداً. وهذا الخطأ يتمثل بترك القضيّة للمحقّق العدلي، من دون إجراء تعديلات قانونيّة أساسيّة على نظام القضاء العدلي والتّحقيق العدلي. ويوضح، كان المطلوب إنشاء محكمة خاصة بانفجار المرفأ مع صلاحيّات استثنائيّة؛ لافتاً إلى ضرورة تحويل قضيّة الانفجار والعدالة للمتضرّرين، إلى ثورة قضائيّة فعليّة لأنها ستكون بمثابة العمود الأساس لإنقاذ البلد.
أهداف سياسيّة واقتصاديّة
وحول زيارة ماكرون للبنان يؤكد قمورية، أنّ لفرنسا أهدافاً سياسية واقتصادية تتجاوز الشّق الإنساني والثّقافي. ويلفت، بطبيعة الحال تعمد باريس إلى الحفاظ على موقع مهم لها في شرق البحر المتّوسط بعدما خسرت العديد من مراكز نفوذها في مناطق عدة؛ مضيفاً، “هذا الدّور الفرنسي في لبنان تزداد أهمّيته مع اشتداد الصّراع الفرنسي التّركي، لاسيّما وأنّ أنقرة تبحث عن موطأ قدم لها في هذا البلد”.
دياب تُرك وحيداً
وفيما يتعلق بحكومة حسّان دياب، يقول إنّها أشبه بقائد طائرة يقود طائرة للمرّة الأولى، وهي مصابة بعطل في المحركات وتتقاذفها الرّياح، وليس أمامها سوى الارتطام، والمشكلة أنّ برج المراقبة الذي يوجّه الطّائرة والطاقم ترك الطّيار يواجه مصيره وحيداً حتى يتحمّل وحده مسؤوليّة الكارثة.
مفتاح الرّئاسة بجيب الحريري
وفي 22 تشرين الأول، كلّف عون، رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري، تشكيل حكومة جديدة بعد حصوله على غالبية أصوات النّواب في الاستشارات النيابية التي أجراها. وفي حال نجح في مهمته ستكون المرة الرابعة التي يرأس فيها الحكومة اللّبنانية منذ عام 2009.
وهنا يوضح قمورية، أنّ سعد الحريري سعى وراء التّكليف للاحتفاظ لنفسه بمفتاح رئاسة الوزراء حتى لا تؤول لغيره. ويلفت إلى أنّ المجموعة السّياسيّة الحاكمة مختلفة على كل شيء، لكنها متّفقة على ترك الانهيار يحصل وعدم تحمّل أي مسؤوليّة؛ مؤكداً على أنّ إعلان الحكومة الآن يحتاج إلى ضحية أو كبش فداء، ولا أحد من المجموعة الحاكمة يقبل بهذا الدّور أو يريد تحمّل مسؤولية ما جنته أيديهم من ارتكابات بحقّ لبنان واللبنانيين طوال أربعين عاماً.
ناديا الحلاق