سياسة

رحيل طلال سلمان.. مسيرة ثريّة “على طريق” الصحافة والوطن والعروبة

رحيل هيكل آخر من لبنان، طلال سلمان “أبو أحمد” عميد الصحافة اللبنانية، وصاحب صحيفة “السفير” ذات الخط العروبي المقاوم، صوت الذين لا صوت لهم.

وسط حزن عارم على رجلٍ ترك مكانه شاغراً الى الأبد في الوطن وفي الصحافة وفي فضاءات الذاكرة، نعى اللبنانيون والعرب الأستاذ والمناضل وأحد صنّاع وجه لبنان السياسي والثقافي على مدى اكثر من نصف قرن.

توفي، اليوم، ناشر صحيفة “السفير” اللبنانية، طلال سلمان، عن 85 عاماً، في أحد مستشفيات بيروت، حيث كان يعالج بعد تدهور صحته خلال الاشهر الأخيرة، وفق ما ذكرت وسائل إعلامية وأصدقاء للصحافي الكبير.

بعد شيوع خبر الرحيل، نشر حساب الراحل طلال سلمان عبر منصة “X”، الآتي:

“إلى اللقاء.

ما أسرع السنين، ما أبطأ الأيام، ما أطول النهارات، ما أقصر الليالي. ما أقسى العيش، ما أمتع الحياة، ما أعظم الحرية، ما أحط القمع والعسف والاستكانة والاستسلام.
ما أمر الاحتلال، ما أشرف المقاومة. ما أتفه الـ “نعم” ما أكرم الـ “لا” مجلجلة وجليلة في وجه الظالم والمهيمن والطاغية والمحتكر والمغتصب والمستغل والطائفي والدخيل.
ما أروع أن تكون أنت الكل، وجهك هو الوجه، صوتك هو الصوت والصدى، خطك هو الخط والرسالة، ورايتك هي الراية من استظل بها وُلد فخلد ومن أضاعها ضاع في سديم حدوده النسيان والعار ولعنة الأجيال. ما أجلّ أن تكون السيف وزند الصلابة، واليد غير راعشة وغير راجفة، وغير مرتبكة، والعين ثاقبة البصر والطعنة المقدسة لا تخطئ هدفها ولا ترتد عنه وفيه رمق فهو العدو العدو. طلال سلمان… إلى اللقاء يا كلّنا”.

وكتبت الوكالة الوطنية للإعلام: “توفي اليوم ناشر صحيفة “السفير”، طلال سلمان، بعد مسيرة إعلامية حافلة بالنجاحات”.

ونعته وسائل إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال أصدقاء للعائلة إن صحته تدهورت كثيراً خلال الأشهر الأخيرة، ودخل المستشفى للعلاج أكثر من مرة.

أصدر طلال سلمان عام 1974 جريدة “السفير” في بيروت، وكانت صحيفة يومية حملت شعار “صوت الذين لا صوت لهم”، وعُرفت بمواقفها المناصرة للقضايا العربية، لا سيما القضية الفلسطينية.

ولسنوات طويلة، كتب افتتاحية في صحيفة “السفير” التي نجحت في إيجاد موقع لها في لبنان والعالم العربي، وأصبحت مرجعاً لكثيرين لتحليل وفهم ما يجري في لبنان والعالم العربي، كما أجرى لقاءات مع العديد من الزعماء والقادة العرب.

وُلد طلال سلمان في بلدة شمسطار شرقي لبنان عام 1938، وتزوج عفاف محمود الأسعد، ولهما أربعة أولاد.

له مؤلفات عدة بينها: “إلى أميرة اسمها بيروت”، و”هوامش في الثقافة والأدب والحب”.

يصف طلال سلمان خطواته على الطريق إلى الصحافة بمقدار ما يصف حال الصحافة اللبنانيّة وتطوّر مسيرتها لتصير “صحافة العرب الحديثة”.
أمّا مسيرته فمسيرة شاقّة، بدأت في نهاية الخمسينات من القرن الماضي لـ”واحد من متخرّجي بيروت عاصمة العروبة”، كما يصف نفسه في سيرته، استهلّها مُصحّحاً في جريدة “النضال”، فمخبراً صحافيّاً في جريدة “الشرق”، ثمّ محرّراً فسكرتيراً للتحرير في مجلّة “الحوادث”، فمديراً للتحرير في مجلّة “الأحد”. وفي خريف العام 1962 ذهب إلى الكويت ليصدر مجلّة “دنيا العروبة” عن “دار الرأي العامّ” لصاحبها عبد العزيز المساعيد. لكنّ الرحلة لم تطل لأكثر من ستّة أشهر، عاد بعدها إلى بيروت ليعمل مديراً لتحرير مجلّة “الصيّاد” ومحرّراً في مجلة “الحرّية”، حتّى تفرّغ لإصدار “السفير” في 26 آذار/مارس 1974، وكان عضواً في مجلس نقابة الصحافة اللبنانيّة منذ العام 1976 حتّى العام 2015. اشتهر أيضاً بحواراته مع غالبيّة الرؤساء والقادة والمسؤولين العرب.

ظلّ القارئ يترقّب افتتاحيّات طلال سلمان بعنوان “على الطريق”، والتي تميّزت بالوضوح السياسيّ وصلابة الموقف. كما يترقّبه بحماسة مماثلة في “نسمة”، الشخصيّة التي ابتدعها في “هوامش” يوم الجمعة (الملحق الثقافيّ لـ”السفير”)، وهي شخصيّة ذات دفء وجدانيّ حميم ترسم “بورتريهات” للمسرح السياسيّ والثقافيّ والأدبيّ، وتصوّر صدق المشاعر الإنسانيّة وشغفها بالحياة وحماستها لها ولأخلاقيّات الذوق الرفيع. ربطته صداقات بطيف واسع من المثقّفين والفنّانين العرب.
تتميّز شخصيّته كإعلاميّ بمزيج من رهافة الوجدان السياسيّ والصلابة في الموقف، ما عرّضه إلى ضغوط متزايدة بلغت أوجها في نجاته في 14 تموز/يوليو 1984 من محاولة اغتيال أمام منزله في رأس بيروت فجراً، تركت ندوباً في وجهه وصدره. وكانت سبقتها محاولات لتفجير منزله، وكذلك عمليّة تفجير لمطابع “السفير” في الأوّل من تشرين الثاني 1980.
حاز جائزة الديبلوماسيّ والمستشرق الروسيّ فيكتور بوسوفاليوك الدوليّة المخصّصة لأفضل نقل صحافيّ روسيّ وأجنبيّ للأحداث في الشرق الأوسط. وتسلّم الجائزة في 7-11-2000. وفي سنة 2004، في الذكرى الثلاثين لإصدار “السفير” كرّمته المؤسّسات الثقافيّة والنوادي في أنحاء لبنان كلّه.
اختاره منتدى دبي الإعلاميّ “شخصيّة العام الإعلاميّة” لسنة 2009.
وفي 7 أيّار 2010 منحته كليّة الإعلام في الجامعة اللبنانيّة درجة الدكتوراه الفخريّة تقديراً لدوره المتفرّد في الصحافة والإعلام والأدب الصحافيّ.
في الرابع من كانون الثاني 2017، اختار طلال سلمان بملء إرادته إطفاء شمعة “السفير”، وأراد أن تكون افتتاحيّة العدد العشرين قبل 43 سنة، هي افتتاحيّة العدد الأخير “لعلّها تكون أطيب تحيّة وداع”، وجاء فيها: “يحقّ لنا أن نلتقط أنفاسنا لنقول ببساطة وباختصار وبصدق: شكراً”.
منذ كانون الثاني 2017، حتّى العام 2022، ظلّ طلال سلمان مواظباً على كتابة “على الطريق” في الموقع الذي حمل وما يزال اسمه: طلال سلمان (https://talalsalman.com). هذا الموقع كان أيضاً منبراً أطلّ من خلاله عدد كبير من أصدقاء “السفير” وطلال سلمان، من لبنان والعالم العربيّ، وسيستمرّ كذلك.
مؤلّفات طلال سلمان:
– مع فتح والفدائيّين (دار العودة 1969).
– ثرثرة فوق بحيرة ليمان (1984).
– إلى أميرة اسمها بيروت (1985).
– حجر يثقب ليل الهزيمة (1992).
– الهزيمة ليست قدراً (1995).
– على الطريق… عن الديمقراطيّة والعروبة والإسلام (2000).
– هوامش في الثقافة والأدب (2001).
– سقوط النظام العربيّ من فلسطين إلى العراق (2004).
– هوامش في الثقافة والأدب والحبّ (2009).
– لبنان العرب والعروبة (2009).
– كتابة على جدار الصحافة (2012).
– مع الشروق (2012).
– هوامش في الثقافة والأدب والحبّ (2014).
– مع الشروق (2014)”.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى