سياسة

الحريري في بعبدا… تشكيلة دون تشكيل وتفاؤل اصطناعي

لقاء بعبدا اقتصر على عرض الأسماء والحقائب بشكل عام والأربعاء هو موعد جديد لمزيد من المشاورات

بين المعروض والمرفوض غاب إعلان تشكيل الحكومة بعد انفراج “لوجستي” في الجمود السائد على مستوى الاتصالات الحكومية. الحدث في المسار الحكومي اقتصر على زيارة رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري قصر بعبدا عارضًا رؤية غير مكتملة لتشكيلة حكومية مرتقبة لرمي كرة النار في ملعب الرئيس عون ونفض المسؤولية عن أكتافه أمام الزائر الفرنسي القادم على صهوة الأعياد محمّلًا بمبادرته التي أطلقها في آب الماضي دون أي جديد يُضاف. وعليه فإنّ الانتعاش في حركة الاتصالات التشاورية لم تُثمر انفراجًا يُلطف من أحوال اللّبنانيين بل اتفاق على تفعيل المشاورات الحكومية وبقيت مجرّد تفاؤل اصطناعي.

الرئيس المكلّف الذي خرج من باب القصر الجمهوري كما دخل متسلّحًا بالكتمان اكتفى بإشارته إلى أنّ اللّقاء مع الرئيس عون اقتصر على التشاور على أن يعود يوم الأربعاء في ذات الوقت الزمني “لتحديد الكثير من الأمور الأساسيّة”. الخلاصة الوحيدة لهذا اليوم هي أنّ أهم ما في لقاء رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف هو أن التواصل عاد بعد طول انقطاع خطوطه. ويُفيد مطلعون على الأجواء أن ما جرى اقتصر على عرض الأسماء والحقائب بشكل عام وأن يوم الأربعاء هو موعد جديد لمزيد من المشاورات مع تحديد بعض النقاط العالقة ولتقديم طروحات بالحلول الممكنة لحلّ العقد التي تحول دون التأليف.

مسودّة التشكيلة من 18 وزيرًا التي يُصرّ عليها الحريري وتروّج أوساطه حول جهوزيتها في عقله وجيبه، لم ترقَ إلى بياض الوضوح في المجريات الحكومية، وبالتالي فإنّ إسقاط الأسماء على الحقائب لم يحصل حتى الآن وهذا ما جعل من اللّقاء الرئاسي القصير مجرّد محرّك لعودة الاتصالات فيما تكتّمت المعلومات عن تفصيلات الحوار بين الرئيسين فإنّ الأربعاء المقبل سيكون يومًا آخرًا للتخمينات والتحليلات.

وتلفت مصادر مطّلعة لـ”أحوال” أنّ الحريري جهّز تشكيلة وزارية كاملة لكن لم يودعها لدى رئيس الجمهورية بل تشاور معه فيها حول الأسماء، وقد تضمنت أسماء المرشحين الشيعة مع العلم أنّ مصادر ثنائي أمل وحزب الله تؤكد أنّهما لم يودعا حتى الآن أسماء مرشحيهما لدى الرئيس المكلّف. وإذا كان الحريري استساغ تسهيل الثنائي لعمله فإنّ ذلك لا يعني أن ينفرد بالتسمية بل أن الثنائي ينتظر الاتفاق بين الحريري وعون قبل تثبيت الأسماء. وكما الثنائي فإنّ الرئيس المكلّف لم يتواصل مع رؤساء الكتل النيابية الأخرى كالحزب اشتراكي والمردة وبالتالي فإنّ التفاؤل المفرط بقرب التشكيل لا مرتكزات فعلية لإشاعته.

انفتاح عون على الحلول والصيغ الآيلة إلى تذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة مهدت لزيارة الحريري إلى القصر الجمهوري لاستشراف الآفاق والنوايا المتبادلة بين الطرفين، ووضع أرضية مشتركة يؤسس عليها حكوميًا. وإن كان الرئيس مرحبًا بعودة الحرارة إلى خطوط التواصل والتشاور، إلّا أنه لا يزال عند موقفه من جملة مسلّمات باتت معروفة وهي عدم استبعاد أو استفراد أي مكوّن من المكوّنات اللبنانية.

ثمّة قناعة داخل الدوائر الرئاسية في قصر بعبدا بأنّ التأخير في التأليف يأتي تحت وطأة ضغوط إقليمية ودولية على الحريري لا يستطيع مواجهتها، وفي طليعتها “الفيتوات” بعدم تأليف حكومة تضم “حزب الله” أو حلفائه ومن يدور في فلكهم. وبالتالي فإنّ الحديث عن أن الرئيس ومحيطه لهم اليد الأساسية في عرقلة ولادة الحكومة هو “تجنِ” وإسقاط للتهرّب من المسؤولية، كما تقول الدوائر المحيطة بالرئيس.

رئيس الجمهورية المستاء من حال المراوحة وتردّد الحريري، يقلق من الاستنزاف الزمني والمالي والسياسي الذي يضيف إلى الأضرار الوطنية أحمالًا إضافية ترهق البلد. لكنّ الرئيس الذي ينتظر الحسم من الحريري، يقف مكبّل اليدين دون إجراءات دستورية بمتناوله تسمح له بإنهاء هذا الجمود. مروحة الخيارات الدستورية والسياسية أمام الرئيس غير متاحة، ليس بمقدوره أن ينزع التكليف ولا دفع الحريري إلى الاعتذار بل يبدي انفتاحًا على كلّ الخيارات لتسهيل مهمّة الحريري مع قرار حازم بعدم إثارة أزمات قد تتخذ طابعًا طائفيًا ومذهبيًا. وجلّ ما يتطلّبه الأمر بالنسبة لرئيس الجمهورية أن ينتقل مع الحريري من مرحلة التشاور و”العصف الفكري” إلى ترسيم التشكيلة الحكومية “بالورقة والقلم” ضمن مسالك جدية للانطلاق إلى العمل الجدّي لحلّ المعضلات اللّبنانية التي تنهش المؤسسات والإدارات وحقوق المواطنين.

ساكن بيت الوسط، الذي آثر الصمت المطبق منذ تكليفه، يعتبر أنّه يقوم بواجباته كاملةً ويتحدّث لوسطاء عن وصوله إلى آخر مراحل التشكيل الحكومي والسيناريوهات المحتملة في المستقبل القريب. وهو مُتحمل لمسؤولياته كاملةً في عدم الانجرار إلى “مشكل” مع أي طرف كان ولا إلى “تطييف” و”مذهبة” معايير تشكيل الحكومة، وبالتالي “لن يقدّم خدمة مجّانية للّذين يحاولون نصب الكمائن السياسية لإيقاعه في فخ التجاذبات” كما تفيد مصادر سياسية مطّلعة لـ”أحوال”.

دوليًا، يجد “أب” المبادرة الفرنسية فرنسوا ماكرون أنّ معاناة لبنان تكمن في عدم تنفيذ المسار السياسي المطلوب، فيما يتطلّع إلى تكليف أوروبي شامل يناله من بروكسل التي خرجت بعد اجتماع للاتحاد الأوروبي بدعم المبادرة الفرنسية وضرورة الإسراع بتنفيذها لتجنيب لبنان الأخطار المحدقة على كافة الصُّعُد. ويرتكز ماكرون على السير قدمًا بمبادرته خلال زيارته القريبة للبنان مع إلحاح أوروبي على ضرورة أن تتخذ الأوروبي السلطة اللّبنانية عاجلًا سلسلة إجراءات وتدابير لإخراج لبنان من أزمته الطاحنة، بدءًا من تشكيل “حكومة المهمّة” لتنفيذ الإصلاحات وإنجاز التدقيق الجنائي وتطبيق مبدأ المحاسبة والمساءلة بحق المرتكبين، وصولًا إلى التعاقد مع صندوق النقد الدولي حول برنامج عمل يضع حدًّا للانهيار.

وفيما تتفاقم الضغوط الداخلية مع الوصول إلى الخطوط الحمراء بملف رفع الدعم، ثمّة معطيات، أنّ جهات تدفع باتجاه قرار ترشيد الدعم تتحمّل تبعاته حكومة تصريف الأعمال القرار غير الشعبي تتلافى تداعياته الحكومة الجديدة. وتشي المعلومات المسرّبة عن الاجتماعات السياسية والاقتصادية أنّ قرار ترشيد الدعم بات حتميًا وبالتالي فإنّ أعياد اللّبنانيين مقبلة على مزيد من القهر.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى