مُسيرة حزب الله رسائل إلى الجليل ومزارع شبعا
خرقٌ أمني جديد سجّله حزب الله في مرمى الجيش الإسرائيلي، تمثل بتسلّل طائرة مسيرة تابعة للحزب إلى عمق الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، التقطت صوراً لقاعدتين إسرائيليتين هما “تصميم الجليل”، وقاعدة أخرى في منطقة مزارع شبعا.
بعيداً عن أبعاد ومرامي هذا الإنجاز الأمني، الذي يأتي في إطار الحرب الاستخبارية والإلكترونية والتكنولوجية المفتوحة بين المقاومة وإسرائيل، والتي تشكّل “حرب المسيرات” جزءاً منها، لا شك أن موقع القاعدتين المخترقتين جوياً، له رمزية خاصة تتصل بأهداف استراتيجية يعمل حزب الله على تحقيقها.
فإسرائيل مسكونة منذ فترة طويلة بـ”عقدة الجليل” كأحد أهم الثغرات الأمنية أو “الثقب الأمني”، الذي يهدّد أمن الكيان عبر فرقة النخبة في المقاومة، أو ما يُعرف بفرقة “الرضوان” التي تنتظر إشارة قيادة المقاومة لتدخل إلى الجليل، كما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في أكثر من خطاب.
ما هي أبعاد وأهداف هذا الخرق الأمني؟
بحسب معلومات “أحوال”، فإنّ الخرق حصل منذ حوالي الأسبوعين، تزامناً مع المناورة التي أجراها الجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية وتحديداً فوق ثكنة “برانيت” مقابل عيتا الشعب، ورميش، وفوق موقع رويسة العلم المحاذي لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
وأضافت المعلومات أنّ المسيرة حلّقت فوق مزارع شبعا والجليل لمدة طويلة، والتقطت صوراً لمواقع عسكرية إسرائيلية حساسة، وعادت إلى قواعدها سالمة، ومن دون أن يرصدها أي من مراكز الرصد وأبراج المراقبة الإسرائيلية.
هذا الخرق الاستخباري شكّل مفاجأة وصدمة لدى القيادة الأمنية والعسكرية في إسرائيل، ما دفع بوزارة الحرب إلى فرض تكتم إعلامي شديد.
وبحسب معلومات ميدانية لـ”أحوال”، لم يرصد أي استنفار إسرائيلي على الحدود مع لبنان خلال تحليق المسيرة في أجواء فلسطين المحتلة؛ علماً أنّ جيش الاحتلال يسارع إلى رفع درجة الجهوزية والإستنفار على طول الحدود عند أي إشارة أو حركة يشعر بها على الحدود، أكانت حقيقية أو وهمية؛ ويعتبرها تمهيداً لعمل أمني أو عسكري للمقاومة، ما يؤكد بأن الجيش الإسرائيلي لم يرصد المسيرة التي كانت تتابع تفاصيل مناورته العسكرية من الجو.
رسائل استخبارية وعسكرية
لفتت مصادر مطلعة لـ”أحوال” إلى أنّ “حزب الله أراد من هذا الخرق إظهار ضعف جيش الإحتلال رغم مناوراته المتكررة وقوة المقاومة في اختراق منظومته العسكرية والأمنية.
إلى ذلك، أوضح الخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية الدكتور أمين حطيط لـ”أحوال” أنّ “إرسال المسيرة فوق أجواء كيان الإحتلال يُعتبر عملاً عسكرياً رائداً تقوم به المقاومة”، مشيراً إلى أنّ “الإعلان عن المهمة اعتداد بالنفس ورسائل تحدي بأن المقاومة تملك إمكانات أهم مما أعلنت عنه، ما يعني أنها تمتلك سلاحاً تقنياً جوياً أهم من سلاح المسيرات”.
كما تُعد رسالة لإسرائيل بأنّ “كل إجراءاتها وحصارها ومناوراتها وقدراتها الإستخبارية لم تجدِ نفعاً، ولم تمنع المقاومة من استكمال خطة تطوير قدراتها التسليحية النارية وغير النارية بالشكل الذي يمكّنها من خوض معركة مع إسرائيل تحقق فيها انتصاراً جديداً”.
ولفت حطيط إلى أنّ “قيادة المقاومة تقصّدت عرض الصور فوق الجليل كرسالة لإسرائيل، بأنّ المقاومة مستعدة لتنفيذ أي تعليمات من قيادتها للدخول إلى الجليل، ولهذا السبب تم تصوير القاعدة في الجليل؛ وهذا نوع من العمل الاستطلاعي الذي يلزم أي عمل عسكري. إضافة إلى أنّ تصوير رويسات العلم رسالة بأنّ مزارع شبعا لازالت على جدول أعمال المقاومة لتحريرها”.
وبرأي العميد حطيط، فإنّ هذا الخرق الجوي تثبيت وتعزيز لما سبق وأعلنه السيد نصرالله في أحد خطاباته بأنّ قيادة المقاومة قد تطلب من المقاومين الدخول إلى الجليل.
أما توقيت الإعلان عن هذا الإنجاز الأمني، فلا يقلّ أهمية عن الحدث بحد ذاته، سيما أنّه جاء في خضم التهديدات الأميركية الإسرائيلية بحرب عسكرية وعمليات اغتيال ضد إيران وحزب الله، الذي تزامن بعد يومين من اغتيال عالم الذرة الإيراني محسن زاده.
ولفت حطيط إلى أنّ الإعلان عن هذا الإنجاز الأمني بعد أسبوعين عن حصوله يدخل في إطار الحرب النفسية بين إسرائيل وحزب الله، وهدفه الإضاءة على قدرة المقاومة أولاً وضعف الإستخبارات، وإمكانات الرصد الإسرائيلية، لهكذا نوع من الأسلحة الجوية التي تمتلكها المقاومة والتي سيكون لها دور هام في أي حرب عسكرية مقبلة.
وأضاف حطيط، أنّ جولات الاستطلاع الجوية التي تقوم بها المقاومة تهدف إلى تعزيز بنك الأهداف عن القواعد والمواقع العسكرية الإسرائيلية، ما يعني أن في حال أي عدوان عسكري إسرائيل على لبنان، سيكون للمقاومة بنك معلومات وفير عن القواعد الإسرائيلية سيما الموجودة في الجليل، وبالتالي ستكون هذه القواعد تحت مرمى استهداف حزب الله.
ولفت إلى أنّ هذا التفوّق الإستخباري والتكنولوجي للمقاومة جزء أساسي من معادلة الردع التي فرضتها المقاومة على إسرائيل، ما سيجعل إسرائل تعد للألف قبل شنّ أيّ عمل عسكري على لبنان.
فالطائرات بدون طيار أو “drone” أُضيفت إلى الصواريخ الدقيقة أو الذكية التي يملكها حزب الله، والتي تتعقبها إسرائيل كونها تهدد أمنها الإستراتيجي بحسب الخبراء في الشأن العسكري.
كيف اخترقت “المسيرة” منظومة الرصد للجيش الإسرائيلي؟
فيما كانت منظومة الرصد في أقصى درجة الإستنفار خلال إجراء المناورة العسكرية الإسرائيلية؛ أوضح الخبير في حقل الإتصالات المدنية والعسكرية العميد المتقاعد محمد عطوي لـ “أحوال” أنّ “هذه المسيرات تحلّق عادة على علوّ منخفض، وبالتالي لا تستطيع الرادارات وأجهزة الرصد كشفها، وحتى لو تم تدميرها؛ فتكون قد أدت مهمتها بتصوير الأهداف وإرسال الصور إلى مشغليها، أو ربما تملك المقاومة أجهزة تقنية إلكترونية ما شديدة التطور تعطّل منظومة الرصد الإسرائيلي من خلال التشويش عليها وبالتالي تعطيل عملها”.
ولفت عطوي إلى أنّ “هناك عدة أنواع من المسيرات تختلف بحجمها والمهمة الملقاة على عاتقها؛ فالمسيرات الصغيرة عادة تقوم بمهمة الاستكشاف والاستطلاع والتصوير، أما الطائرة الكبيرة إذا زاد طول أجنحتها عن 6 أمتار، فتزوّد بأسلحة هجومية أو دفاعية”.
وتعمل هذه الطائرة ذات التصنيع المحلي، بحسب عطوي، بالتحكم عن بعد إلكترونياً، وتجري عملية مسح للمواقع العسكرية لكشف أهميتها ووظيفتها وعدد العناصر والأسلحة الموجودة فيها، وبالتالي لتحديد كيفية ووسيلة تدميره أو مهاجتمه.
ولفت عطوي إلى أنّ “هذه المسيرة تملك دقة عالية في التقاط الصور، ومزوّدة بأجهزة تصوير يمكنها من تصوير بدقة التفاصيل لأي تحركات وموجودات في المواقع العسكرية”.
محمد حمية