منوعات

هل نحن أمام أزمة غاز “مفتعلة” بالتواطؤ بين الشركات المستوردة والدولة؟

في العام 2015 شكّل ملف قوارير الغاز المنزلي مادّة دسمة بعد أحاديث عن عمليات فساد مقونن رافقت عملية استبدال القوارير بأخرى جديدة، ويومها تحمّل المواطن الكلفة، لا شركات الغاز، وبعدها بأشهر قليلة “زمط” اللبنانيون من محاولة “سرقة” أخرى، كادت أن تكون قارورة الغاز البلاستيكية بطلتها، ولكن معاناة اللبناني مع “الغاز” لم تنته.

يبدو أنّ نهاية العام 2020 لن تختلف عن بدايته، ففي كانون الثاني الماضي إندلعت أزمة الغاز المنزلي، وتهافت اللبنانيون على شراء القوارير وتخزينها بسبب الخوف من انقطاعها جرّاء المشاكل المالية بين الشركات ومصرف لبنان الذي لا يقوم بالتحويلات اللازمة إلى الخارج، خصوصاً في الدولار إلا من خلال العملة الورقية التي يُضطر أصحاب الشركات إلى سحبها من الصرافين. هكذا برّر القيّمون على قطاع الغاز المسألة. اليوم على مشارف نهاية العام تتكرّر المشكلة.

 

الكلّ يرفض الخسارة

عدنا بالزمن إلى بداية العام لأنّ أسباب الأزمة التي وقعت يومها كانت مشعّبة، والأساس فيها بحسب مصادر خاصة لـ”أحوال” كان رفض أي طرف من أطراف عملية استيراد وبيع وتوزيع الغاز، تحمّل أي خسارة ناتجة عن قرار مصرف لبنان الذي يفرض على المستوردين تحمّل ما قيمته 15 بالمئة من سعر المواد المستوردة بالدولار، مقابل تأمين 85 بالمئة من السعر على أساس الـ 1515، مشيرة إلى أنه يومها عمدت الشركات المستوردة للغاز إلى إخفاء نصف الكميات المستوردة عن السوق لأجل رفع الطلب وخفض العرض، والتلاعب بالأسعار وعدم اعتراض أحد على هذه العملية.

وتكشف المصادر أنّ التواطؤ كان بين كل أطراف ملف الغاز، فالشركات المستوردة تتحكم بالأسعار والمبيع، والضرر الذي أصيب به الوكلاء والموزعين، الذين أُلزموا بشراء عدد من القوارير بسعر المفرق، حمّلوه للمواطن عبر رفع سعر قارورة الغاز زنة 10.5 كلغ إلى حدود الـ 20 ألف ليرة، أي بزيادة 5400 ليرة عن سعرها الرسمي.

 

 

لماذا في بداية الشتاء؟

يستهلك السوق اللبناني سنوياّ حوالي 200 ألف طن من الغاز المنزلي “بوتان”، وتكون ذروة الإستهلاك في الأشهر، كانون الأول، كانون الثاني، وشباط، وذلك بسبب البرد المرافق لفصل الشتاء، واستخدام الغاز للتدفئة وتسخين المياه، الأمر الذي يجعل هذه الأشهر مناسبة لولادة الأزمات والإستفادة منها، تقول المصادر، مشيرة إلى أن ما حصل نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي يتكرر، ولا شكّ أننا سنشهد رفعاً لسعر قوارير الغاز المنزلي، والحجة ستكون كالعادة إنخفاض العرض.

وتضيف المصادر: “مجرّد الحديث عن أزمة الغاز أطلق الرعب في قلوب اللبنانيين فبدأ التهافت على شركات التعبئة ومراكز البيع، فالكل يخشى انقطاع المادة، وهذا الرعب لوحده سيكون كفيلاً برفع الإستهلاك في الأسابيع المقبلة”، سائلة “إذا كان هدف مطلقي أخبار انقطاع الغاز هو حل المشكلة، إذا وُجدت، فلماذا لا يتّجهون أولاً إلى دوائر القرار المعنية بذلك بدل نشر الخوف على وسائل الإعلام؟.

يشير نقيب مالكي ومستثمري معامل تعبئة الغاز المنزلي في لبنان أنطوان يمين إلى أنّ هناك مافيا تتحكّم بكل شيء في لبنان، وملف الغاز من ضمن ما تتحكّم به، مشدداً في حديث لـ”أحوال” على أننا فوجئنا أن مصرف لبنان لا يفتح الإعتمادات اللازمة للإستيراد، والشركات في لبنان عليها موجبات ماليّة لشركات بالخارج وصلت إلى حدود الـ 30 مليون دولار.

ويضيف: “العام الماضي تحجج المصرف بالتهريب، فاعتمدنا أرقام استيراد العام 2018، ولكن الأزمة تتكرر”، كاشفاً أننا “تلقينا وعوداً بأن تُحلّ الأزمة”، مؤكداً أنّه “بحال لم تُحل فسيكون لنا كلام آخر وسنتحدّث بكل التفاصيل”.

 

هل لجعالة الموّزعين علاقة بالأزمة؟

في تموز الماضي ارتفعت صرخة “موزّعي الغاز”، فبالنسبة إليهم لم تعد تتطابق “جعالتهم” مع كلفة ومصاريف التوزيع، وتشير المصادر إلى أن جعالة الموزعين عن كل قارورة هي 1750 ليرة لبنانية، بينما هم يريدون أن تصبح بالحدّ الأدنى 3800 ليرة، مع العلم أن هذه الزيادة بحال أُقرّت فسيتحملها المواطن أيضاً، وهذا ما اعتدنا عليه في لبنان، فهل يكون لهذا المطلب الذي لم يجد طريقه إلى التحقيق بعد، علاقة بأزمة الغاز المستجدّة؟

 

الدولة متواطئة!

قبل العام 1991 كانت الدولة تستورد الغاز، ولم يكن للشركات المحتكرة أي وجود، ولكنها وُلدت بعد اتفاق الطائف في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي ولا تزال حتى اليوم متحكّمة بكل السوق، فعمدت إلى استئجار خزانات الدولة بأسعار رمزية، وأقفلتها لمنع استخدامها، وها هي اليوم تكرر قدرتها على شلّ السوق والتحكّم بالأسعار، فمتى تصبح الدولة “دولة” وتستورد حاجاتها الاستراتيجية بنفسها بدل تسليمها رقاب اللبنانيين إلى أصحاب “الامتيازات”؟

 

محمد علوش

 

محمد علوش

صحافي لبناني، يحمل إجازة في الحقوق وشهادة الماستر في التخطيط والإدارة العامة من الجامعة اللبنانية. بدأ عمله الصحافي عام 2011، وتخصص في كتابة المقالات السياسية المتعلقة بالشؤون اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى