منوعات

“كابيتال كونترول” لتشريع سرقة الودائع يصطدم برفض نيابي لأسباب انتخابية

ميقاتي يُهدد بمفاوضات "الصندوق".. من يُنقذ المصارف من الكأس المرة؟

عشية وصول وفد صندوق النقد الدولي الى بيروت، هبط اقتراح قانون “الكابيتال كونترول” بـ”المظلة الوزارية”، على جدول أعمال جلسة اللجان النيابية المشتركة في مجلس النواب، ما دفع برئيس ومعظم أعضاء اللجان لرفض الاقتراح في الشكل والمضمون رغم عدم الخوض بنقاش تفاصيله.

فمن يقِف خلف هذا الاقتراح؟ ولماذا أُسقِط فجأة على رؤوس النواب؟ ولماذا رُفض؟

ليست المرة الأولى التي يطرح قانون “الكابيتال كونترول” على بساط البحث، فالتداول به بدأ منذ عام ونصف تقريبا، أي في الفترة التي أعقبت أحداث 17 تشرين 2019 وبدء مسار الانهيارات المالية والاقتصادية وإقفال المصارف وتهريب مليارات الدولارات الى الخارج.

وقد تم خلال هذه الفترة طرح عدة صيغ لـ”الكابيتال كونترول”، تم إجهاض بعضها ورفض وتأجيل بعضها الآخر بعد تضارب الحسابات والمصالح السياسية كما درجت العادة، سيما وأن “حزب المصارف” موجود في مجلسَي النواب والوزراء، الأمر الذي يحول دون تمرير “كابيتال كونترول” على حساب المصارف.

وأغلب الصيغ التي سبق وحاول بعض النواب النافذين والمساهمين في قطاع المصارف تمريرها في مجلس النواب، أتت لكي تُمعِن بسرقة الودائع، لكن بعض الكتل النيابية حالت دون ذلك ودخل الملف في دوامة التأجيل حتى مرحلة حكومة الرئيس حسان دياب، حيث ناقشت الحكومة آنذاك اقتراح قانون للكابيتال كونترول ينظم عملية التحويلات المصرفية الخارجية وعائدات الصادرات وعملية إعادة الودائع على مراحل، تمهيدًا لإرسال الاقتراح الى مجلس النواب، لكن وزير المال يومذاك غازي وزني، طلب سحب الاقتراح من مجلس الوزراء لأسباب معلومة، قيل يومها إن نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي ورئيس لجنة المال النائب إبراهيم كنعان والنائب في كتلة الرئيس نجيب ميقاتي نقولا نحاس، أجهضوا هذا الاقتراح بضغط من المصارف، وهو الفريق نفسه الذي اتهم بإسقاط خطة التعافي التي أعدتها حكومة الرئيس دياب.

اليوم انقلب المشهد في اقتراح القانون الجديد لـ”الكابيتال كونترول” الذي أعدته حكومة ميقاتي رغم أنها لم تتبناه، لكن يتضمن تجميد الودائع خمس سنوات مقابل إعطاء مبلغ 1000 دولار شهرياً، ليأتي الرفض من النائب كنعان الذي هاجم الاقتراح، ومن كتل نيابية عدة.

مصادر نيابية مشاركة في الجلسة كشفت لـ”أحوال” أن “اللجان المشتركة رفضت اقتراح القانون الذي أعدته لجنة مالية وزارية لا صلاحية لها ويرأسها نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ويشرف عيلها ميقاتي، ما يُخالف الدستور، فلا يمكن للجان النيابية مناقشة اقتراح يأتي من لجنة وزارية في وقت يجب أن تُحيله الى الحكومة لتناقشه وتقره وترسله كاقتراح قانون الى مجلس النواب ليناقشه ويصوت عليه، أما الذي حصل فهو أن الاقتراح سقط في الشكل والمضمون، لمخالفته الدستور وتضمنه الكثير من الثغرات والخلل، لا سيما موضوع الإيداعات والعائدات الاستيرادية واحتساب سعر صرف الدولار والتسعيرة وطريق توزيع الخسائر الذي يحمل القسم الأكبر منه للمودعين”.

مصادر مطلعة على الملف تشير لـ”أحوال” الى أن “ميقاتي “محروق” لتمرير هذا القانون قبل زيارة وفد صندوق النقد الدولي الى لبنان، كون هذا القانون شرط أساسي من شروط صندوق النقد الإصلاحية لتقديم الدعم المالي، انطلاقا من اتفاق بين الحكومة والصندوق، لذلك حاول ميقاتي تجاوز مجلس الوزراء و”طبخ” الاقتراح في لجنة مالية يشرف عليها شخصيا عبر معاونه النائب نقولا نحاس، لرمي كرة هذا الاقتراح الى مجلس النواب لإحراجه ودفع مسؤولية التأخر بإقرار القانون عنه أمام وفد الصندوق، علماً أن جزءاً من القانون له علاقة بشروط الصندوق وليس القانون كله”.

وبحسب المصادر، فإن ميقاتي أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري أن عدم إقرار القانون سيجمد المفاوضات مع صندوق النقد، وبالتالي توقف الدعم المالي والذهاب الى مزيد من الانهيار.

إلا أن مشروع ميقاتي اصطدم برفض مجلس النواب الذي يتكون من كتل نيابية لا مصلحة لها بإقرار هكذا صيغة تسطو على ما تبقى من أموال المودعين قبل الانتخابات النيابية، لا سيما وأن هذه الصيغة تأتي لتشريع مصادرة أموال المودعين، ما سيحول الأمر الى كباش حكومي – نيابي.

فمن يربح هذا الكباش؟ وهل يطيح بقانون الكابيتال كونترول؟ ولماذا طرحه الآن طالما الكل متفق على أنه محل انقسام ولم تحظَ أي صيغة بتوافق القوى السياسية، أكان في الحكومة أم المجلس النيابي؟ هل هذه مسرحية لضرب عصفورين بحجر واحد؟

-اظهار مجلس النواب وكتله حرصهم على مصالح المواطنين وودائعهم في المصارف
-ذريعة لتأجيل البت بـ”الكابيتال كونترول” الى الحكومة المقبلة والمجلس النيابي الجديد؟ ما ينقذ المصارف من تجرع كأس إعادة الودائع واستعادة بعض المليارات المهربة من الخارج.

جهات مالية مطلعة تلفت لـ”أحوال” الى أن “الكابيتال كونترول” لم يعد ذي جدوى بعد تهريب عشرات مليارات الدولارات الى الخارج خلال العامين الماضيين، وبعد الانهيار المالي والاقتصادي وانهيار العملة الوطنية، في وقت يجب إقراره فور اندلاع أحداث تشرين واقفال المصارف للحؤول دون تهريب الأموال.

وفيما استبعدت أوساط نيابية أن يتم مناقشة الصيغة الذي يتم التداول بها في جلسة المجلس غداً أو أن يوافق النواب على إقراره، تشير مصادر نيابية في كتلة ميقاتي الى أن البند المتعلق بالكابيتال كونترول لا يزال على جدول أعمال الجلسة رغم وجود لغط حوله.

من جهة اخرى، رجحت مصادر نيابية أخرى أن يؤجل القانون الى المجلس الجديد، لرفض المصارف أي خطة لإعادة الودائع وتنظيم التحويلات والسحوبات المصرفية في ظل الحرب القضائية – المصرفية القائمة، كما استبعدت إعادة الودائع في المدى المنظور قبل “التسوية” القضائية – المصرفية وإقرار خطة اقتصادية – مالية مصرفية متكاملة وانتهاء المفاوضات مع صندوق النقد وتفعيل مؤتمرات الدعم المالي الدولي للبنان.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى