حقوق

تنميط المرأة في الإعلان اللبناني: كوني جميلة واطبخي؟

تارة تراها الجسد المثير للرغبة، وطوراً تراها “ست البيت”. هكذا تختصر الإعلانات اللبنانية أدوار المرأة، مكرّسة بذلك صوراً نمطية، ومعيدة إنتاج أدوار جندرية، تستمدها من ذكورية متجذرة في المجتمع.

لكن هل من مسؤولية للإعلانات تجاه ما تنقله من رسائل لجمهورها؟ وهل الارتقاء بالمجتمع نحو مناهضة التمييز بين الجنسين، أحد مسؤولياتها؟ أم أن دورها يتوقف عند التماهي مع ما ينضح به الإناء الذي تتنقي منه جماهيرها المستهدفة، هي التي تبغي الربح أولاً وآخراً؟

مؤخراً أثار حديث لوزير الداخلية محمد فهمي، جدلاً واسعاً في لبنان، بعدما دعا اللبنانيات لأن “تطبخن يوم الأحد في منازلهن”، مستشهداً بإعلان “مش عاملة عشا؟” وهو لخير دليل على تكريس الإعلانات للصورة النمطية للنساء.

فمن الذي يحكم اليوم، الإعلان أم الجمهور المستهدف؟ وهل تخضع صناعة المحتوى الإعلاني لمعايير وأفكار المجتمع، كل المجتمع؟ وماذا تقول النسوية عن الإعلانات كمؤثر على سلوكيات الأفراد وأفكارهم؟

منوّر محمد: الذكورية تبيع

يقول منوّر محمد، صاحب ومؤسس شركة “CopyArabia” للإعلانات، ومؤلف كتاب “أسس كتابة الإعلانات” الصادر مؤخراً، إنّه ليس بالضرورة أن تتوافق الأفكار الواردة في الإعلانات و قناعة صانعيها، لافتاً إلى أن صناعة المحتوى الإعلاني تضم فريق عمل يتألف من الكاتب الإعلاني (Copywriter)، والمصمم الفني للإعلان (Art Director)، والمدير الإبداعي(Creative Director). أما المسؤولية الأخيرة في عرض الإعلان للجمهور، فتقع عند المُعلن، الذي له الكلمة الأخيرة.

ويشير محمد في حديث لـ”أحوال”، إلى أنّ اللعب على وتر الأدوار الجندرية والأفكار الكلاسيكية في الإعلانات أمر متعمد، ويعزو ذلك لسببين؛ أما السبب الأول، فهو محاولة خلق ” controversy” أو إثارة الجدل لدى المشاهدين، وهي أحد المعايير الأساسية لنجاح الإعلانات التجارية.

إلى ذلك، لا يعتبر منوّر أنّ هذا النوع من الإثارة مرتبط بالذكورية وحدها، التي تقع بدورها “تحت مظلة الجندرية ومن بعدها الجنس”، موضحاً أن الجنس بدوره يدخل ضمن الثالوث المكوّن للإثارة في أي عمل إبداعي سواء كان فيلماً، مسلسلاً أو إعلاناً، أما مكوّنات هذا الثالوث فهي: التابو الجنسي، السياسة، والدين.

أما السبب الثاني برأيه، فهو أنّ عمل صانع الإعلان ليس استنهاض المجتمع والارتقاء به، بل هو يراقب سلوك المستهلك كي يتوجه له بحسب ذلك السلوك، ليكون الإعلان بالتالي مرآةً للمجتمع وانعكاساً له.

ويضيف، في التماهي مع الأفكار السائدة لدى المشاهدين، تسهيل لهدف الاعلان سواء كان الربح الفوري للمنتج أو الخدمة، أو حتى تكوين الوعي لشراء المنتج في مرحلة ثانية.

معايير ذاتية غير موضوعية

من جهة ثانية، يشدّد منوّر على أن الإعلان التجاري يتعمد الجذب بغض النظر عن الوسيلة، فهدف كاتب الإعلان وشركة الاعلانات صناعة عمل مبدع بمعايير ابداعية ذاتية غير موضوعية، فما يراه كاتب الإعلان عملاً مبدعاً، قد يراه سواه أذى لفئة من المجتمع، أو إهانة لها.

كما أنّ الإعلان “ما شغلتو يربي المجتمع”، ويذكّر منوّر هنا بإعلان لمصرف جمّال ترست بنك، كان شعاره “منحكي لغتك”، في محاولة للقول للمشاهد “أنا متلك”، وليس “أنا بدي ارتقي فيك”. فالمنتج او الخدمة يجب أن تتماهى مع الجمهور كي يتقبلها بسلاسة”، إذ أن “أحداً لا يحب تلقي الأوامر.

ونسأله عن حدود الأفكار الإبداعية في الإعلان؛ ليجيب، كل شيء مسموح في الحب والحرب، وكذلك الإعلان، إلا ما يُجرّمه القانون اللبناني.

على قاعدة “ما في أبيض وأسود”، بل أكثرية طاغية في المجتمع، وإذا ما كان هدف الإعلان هو الوصول والتأثير باكبر شريحة ممكنة، يلفت منوّر إلى أنّه  يُؤخذ بأفكار السواد الأعظم في المجتمع، حتى لو على حساب الأقلية.

إلى ذلك، يرى محمد أن استخدام الأفكار الكلاسيكية لن يخدش إلا فئة محدودة من المجتمع اللبناني؛ فغالبية مجتمعنا هي من الكلاسيكيين، ومن يتكلمون بعدم التنميط هم نسبة قليلة، معتبراً أننا “بحاجة لعقود من الزمن لإحداث تغيير جذري..

التمثيل السياسي للمرأة… مدخل للتغيير؟

ويضرب محمد مثالاً عن الإعلانات في الولايات المتحدة منذ نصف قرن، وكيف كانت تختصر دور المرأة بالمطبخ، و اشباع رغبات الرجل، مقارناً إياها بالإعلانات الأميركية اليوم، التي تغيّرت بشكل جذري تزامناً مع الغاء الفروقات بين الجنسين، وانخراط المرأة الأميركية بطريقة طبيعية في المجتمع، وصولاً إلى تبوئها مؤخراً ثاني أعلى منصب سياسي في البلاد. مقارِناً تمثيل المرأة على مستوى السياسة بين أميركا ولبنان.

وفي معرض دفاعه عن أن التغيير مسار يواكب تطور المجتمعات بشكل طبيعي، يستشهد محمد بإعلان لمسحوق “yes 3 بواحد” للتنظيف، الذي كان يرتكز على قيم مجتمعية قديمة، تصعب اليوم إعادة إنتاجها في الأفكار الإعلانية.

وصحيح أنه بإمكان المحتوى الإعلاني أن يكون ابداعياً وغير ذكوري في الوقت نفسه، لكن الأخير هو الأسرع والأسهل للأسف، يقول محمد، ودائماً وفقاً لقاعدة ثالوث الإثارة الذي يتحكم بالعملية الإبداعية.

عواضة: الإعلان مسؤول عن تكوين الرأي العام

عام 2014، أطلقت منظمة “Fe-Male” التي تهتم بمحاربة الصورة النمطية للنساء في الإعلام والإعلان، حملة مناصرة الكترونية بعنوان “مش بالتسليع منتجك بيبيع”.

وفي هذا الصدد، تقول المديرة التنفيذية بالشراكة للمنظمة، علياء عواضة، أنّ “للاعلام والإعلان دور كبير في تسليع المرأة وتشييئها، وهو أمر بغاية الخطورة. فالإعلان لا يستخدم أجساد النساء للتسويق لسلع معينة وحسب، بل يساهم في تكريس العنف ضدها”.

ولا توافق عواضة مقولة إنّ الإعلان يتماهى والمجتمع، انطلاقاً من دوره بل ومسؤوليته في تكوين الرأي العام  وتربية الأجيال الناشئة. وبما أننا في عصر التكنولوجيا والوجود الكثيف على التلفاز والشبكة العنكبوتية، فهذا يعني أن ما نقدمه للمشاهد يدخل إلى عقله وأسلوب تفكيره، ونحن بذلك نصنع الرأي العام بطريقة تكرّس دونية النساء وتشييئها.

وفي معرض شرحها لخطورة “تشييء” المرأة، تقول “إذا أسقطنا دفتراً على الأرض لن نأسف عليه لأنه شيء. وكذلك يصبح العنف مبرراً عند تشييئ المرأة”.

بالمقابل، “لا تنحصر المشكلة في الإعلان وحسب”، تقول عواضة، بل بالمنتجات المرئية جميعها وكذلك بالمؤثرين والمؤثرات اجتماعياً، فالخطورة تنبع من قدرتهم على الوصول إلى ملايين المتابعين والمتابعات، وقدرتهم كذلك على تكريس الأدوار النمطية للنساء.

هذا، وتلفت إلى أننا “لسنا ضد إظهار المرأة العاملة في المطبخ” ولكن فلتظهر لنا الإعلانات أدواراً أخرى للمرأة. وتستطرد “فرجونا المرأة العاملة، فرجونا صانعة القرار، الاقتصادية، المهندسة”، سيما وأنه في مجتمعاتنا هناك وجود حقيقي لهذه النساء.

الجمهور مش عايز كده

ولا تؤمن عواضة بمقولة “الجمهور عايز كده”، فالجمهور اذا اعطيناه خيارات يختار، لكن اذا فرضنا عليه، فسيضطر للمشاهدة.

كما أن “الطبخ ليس عيباً”، تقول عواضة، وتسأل لماذا في الحيز العام، أي عندما يصبح هناك مال وشهرة يقبل الرجل بهذه الأعمال، ما لا يقبله في الحيز الخاص داخل المنزل؟

وعن المقاطعة كأسلوب لحث المعلنين على الابتعاد عن استخدام الصور النمطية في إعلاناتهم، ترى أنها فكرة جيدة، لكن الأهم هو العمل مع صناع المحتوى ليكونوا متحسسين ومتحمسات جندرياً، وليكونوا ابداعيين أكثر، عوض استخدام المرأة في الإعلان للفت النظر ليس إلا.

وهنا تقول عواضة: أفهم أن تصور امرأة إعلان لانجري، لكنني لا أفهم وجود امرأة عارية أمام السيارة محور الإعلان، كما أفهم وجود سيدة في إعلان لمسحوق غسيل، لكنني لا افهم لماذا لا يريد الرجل أن يقوم بإعلان مماثل.

الإبداع المتحسس جندرياً… ممكن

حاز إعلان من شركة Billie الأميركية المتخصصة في تصنيع شفرات الحلاقة للنساء، إعجاباً غير مسبوق بين الأميركيين، بعدما أظهر فتاة ينمو على جسدها الشعر وتحتاج إلى حلاقته بين الحين والآخر.

واستطاعت صورة واقعية بعيدة عن الكمال، أن تخلق الإثارة والجدل والإبداع، وسط كومة من الإعلانات التي تصوّر جسد المرأة على أنه دوماً خال كلياً من الوبر.

ولعلّ تمرّد ميغان ميركل في طفولتها على إعلان يخص النساء بـتنظيف القدور، ولعل ثورتها مؤخراً على الحياة الملكية، لأمثلة على ما هي المرأة قادرة على صنعه، وهو ما تستحق أن تشاهده في إعلانات تتوجه لمجتمع تشكّل نصفه النساء.

فتات عياد

 

فتات عياد

صحافية وكاتبة محتوى، تحمل إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى