صحة

هل فقدت اللقاحات فعاليتها مع السلالة الجديدة من “كورونا”؟ طبيبان لبنانيان يجيبان

ينتهي عام كورونا بأخبار غير مبشّرة بدّدت كل الأجواء الإيجابيّة التي كانت قد أشاعتها اللقاحات التي بشّرت ببداية نهاية الوباء الذي يضرب العالم منذ سنة.

فقد أثار إعلان منظّمة الصحّة العالمية أمس الأحد عن رصد تفشي السلالة الجديدة من فيروس كورونا التي تم اكتشافها في بريطانيا مؤخراً في ثلاث دول أخرى المخاوف حول امتداد هذه السلالة إلى باقي دول العالم، وحول ما إذا كانت اللقاحات فعّالة مع هذه السلالة.

لا داعي للهلع

‏د. أصالة لمع، الطبيبة اللبنانية المقيمة في فرنسا، نشرت سلسلة أبحاث قامت بها حول معنى الطفرات عموماً وما حصل تحديداً مع طفرة بريطانيا.

وتقول د. لمع “حتى الآن لا داعي للهلع، الأمر تحت المراقبة إنّما لسنا أكيدين أن الفيروس أصبح أكثير انتشاراً أو خطورة، واحتمال أن يتأثر عمل اللقاح ضئيل جداً “.

وتشرح د. لمع الأسباب “أولاً لنعود الى الفيروس نفسه. هذا الفيروس هو فيروس ذو حمض نووي ريبوزي يسمى RNA (وليس حمضا نوويا DNA). فيروسات الـARN تتحول بسهولة وبسرعة أكبر من فيروسات الـADN.   لماذا؟

‏علينا أن نعرف أنه في كل مرة، يتم نسخ الـ ARN الى مئات الآلاف من النسخ. هذه الأحماض مشكلة من أربع أسس سنسميها هنا A,G,C,U متسلسلة بترتيب معين. إحصائياً، عندما يتم نسخ الـ ARN كل هذه المرات، سوف يحدث أخطاء في هذا التسلسل. حرف سوف ينقص أو سيزيد أو سيبدل بآخر”.

‏تتابع “هذه الأخطاء شائعة أيضاً في فيروسات الـ ADN انما يتم تصحيحها بفعالية اكبر عبر آليات تؤمن ثبات جينوم الفيروس وعدم تحوله. هذه الآليات غير موجودة أو هي أقل فعالية في فيروسات الـ ARN.”.

‏وتقول د. أصالة لمع أنّه يجب الانتباه أنه في أغلب الأحوال، هذه الأخطاء لن يكون لها نتائج ملموسة على الفيروس. وأنّ الكثير من الطفرات تسمى “صامتة” أي أنها ستغير الحرف وأحياناً تركيبة البروتين انما لن تغير عمله النهائي.

‏وتتابع “اذاً أغلب الأحيان الطفرات الفيروسية تكون بلا تأثير على الفيروس أو أحياناً بالعكس تكون لها نتائج سلبية تعطل عمله غالباً. الفيروس يحتوي على عدد صغير جداً من الجينات ويكفي أحياناً أن نغير جيناً واحداً لنعطل كل الآلية الفيروسية.”.

بين كورونا والأنفلونزا الإسبانية

‏وتشير د. لمع إلى أنّه من ناحية ثانية تذهب الطبيعة غالباً إلى إحداث طفرات تجعل الفيروس أقل خطورة. وأنّه ليس من مصلحة الفيروس أن يقتل أكثر لأن هدفه الأساسي هو “البقاء”،  لذا تتجه الطفرات غالباً لجعل الفيروسات أكثر انتشاراً إنما أقل خطورة ما يسمح للفيروس بالانتشار أكثر انما بأن يؤذي أقل.

‏وتلفت إلى أنّ بعض النظريات مثلاً تعتبر أن هذا ما حدث مع فيروس الأنفلونزا الإسبانية وسمح بتوقف الجائحة في حينها.

‏وتتابع “انما في الوقت نفسه، الأمر عشوائي، وكلما زاد انتشار الفيروس، كلما زاد تحوره، وكلما ارتفع احتمال اختيار selection لطفرات قد تكون أكثر خطورة! الطفرات هي من طبيعة فيروسات الـ  ARN، ومن الطبيعي أن تحدث انما من الطبيعي أيضاً أن يكون الأمر تحت المراقبة الشديدة.

‏وتتابع “منذ سنة تعرض فيروس كورونا لأكثر من ٢٠ الف طفرة، ٤٠٠٠ منها في بروتين الشوكي spike الدي يستخدمه الفيروس للدخول الى الخلية. سرعة التحور تعتبر بطيئة لحسن الحظ نسبة لفيروسات أخرى كالانفلونزا مثلاً”.

‏كل هذه الطفرات لم يكن لها كما تشرح د. أصالة تأثيرات حقيقية على الفيروس. الطفرة الأساسية التي تعرض لها الفيروس مسبق هي المسماة D614G والمنتشرة بشكل أساسي في العالم منذ شهور. لم تثبت الدراسات نهائيا على كثرتها أن هذه الطفرة جعلت الفيروس أكثر انتشاراً. الأكيد أنها لم تجعله أكثر خطورة.

سلالة بريطانيا انتشرت على نطاق واسع

‏وعن  حديث الساعة، الطفرة التي ظهرت في بريطانيا VUI-202012/01  تقول د. لمع ” هي عبارة عن تغير في ١٧ نقطة من التسلسل الجيني للفيروس، عدة نقاط تخص البروتين الشوكي spike

‏١١٠٨ حالات مصابة بهذه السلالة من الفيروس اكتشفت حتى ١٣/١٢،هذا عدد مرتفع بالنسبة لعينات عشوائية ما افترض أن السلالة منتشرة على نطاق أوسع.”.

هل هذا يعني أن السلالة أكثر قدرة على الانتشار؟

تقول د. لمع ” طبعا لا.اكتشفت السلالة في أماكن ارتفع فيها عدد الحالات بشكل كبير: Correlation is not causation

‏رقم ٧٠٪ الذي استخدمه بوريس جونسون بالأمس هو ناتج عن دراسات modeling احصائية وليس عن دراسات مخبرية، هي جارية الآن ويمكن رغم صعوبتها أن تقدم الاجابة قريباً.

بشكل مشابه لا نعرف بعد ان كانت السلالة تجعل الفيروس أكثر خطورة ويجب انتظار نهاية الدراسات”.

‏وتتابع “الأكيد أن هذه السلالة منتشرة بشكل كبير، وأنه يجب مراقبتها عن كثب. أما قرارات منع السفر فأعتقد أنها متأخرة وغير نافعة… في هذه المرحلة من الصعب التصديق أن السلالة لم تخرج بعد من بريطانيا!!

‏خصوصاً أن الطفرة تسببت بفحوصات PCR سلبية خاطئة لفقدان نقطتين في التسلسل الجيني تستهدفهما عدة فحوصات PCR موجودة في الأسواق. احتمال اذاً أن يكون اكتشاف الطفرة خارج بريطانيا مسألة وقت.

انتشر الليلة مثلا خبر اكتشاف مريض في ايطاليا مصاب بسلالة الفيروس المتحور!”.

‏ هل ستؤثر الطفرة على اللقاح؟

بحسب د. أصالة “الجواب الأكثر احتمالاً هو: لا. يتم تصميم اللقاح لإحداث استجابة مناعية من نوع polyclonal antibodies أي باستخدام “نطاق”واسع من البروتين spike ويجب أن تخص التغيرات *كل*هذا النطاق لكي تتأثر فعالية اللقاح بشكل جدي،وهذا أمر غير محتمل أن يحدث مرة واحدة. استثناء وحيد هو حدوث طفرة تغير conformation البروتين الشوكي.”.

‏وتشير د. لمع إلى أنّه تبدو الأمور جيدة مثلاً بالنسبة للقاح موديرنا والدراسات جارية طبعاً وتتابع

‏” تؤكد هذه الطفرة أهمية اللقاحات وحاجتنا الماسّة لها كالأمل الأكبر للخروج من هذا النفق. هذا الفيروس هو من يحدد قواعد اللعبة، ولا يجب علينا أن ننتظر حدوث طفرة تجعله أكثر خطورة مثلاً.”.

‏وأخيراً، حتى نعرف أكثر عن هذه السلالة الجديدة تقول د. لمع إنّ القواعد الذهبية تبقى نفسها: تباعد اجتماعي، غسل اليدين، كمامة…. واللقاح لمن استطاع اليه سبيلاً”.

هل يستطيع فحص الـPCR كشف السلالة الجديدة؟

يؤكّد د. محمد حجيج أنّ “فحص ال PCR الموجود في معظم الدول منها لبنان و المعتمد من منظمة الصحة العالمية ما زال يستطيع أن يكشف ڤيروس كورونا من السلالة الجديدة. وأنّ بعض المختبرات في بريطانيا التي تعتمد فحص PCR مختلف قد عانت من عدم الكشف عن الإصابات.

وأكّد د. حجيج أنّ السلالة الجديدة من فيروس كورونا، ظهرت في شهر أيلول، إذ تمّ الكشف عنها في بريطانيا من خلال ما يعرف بالـgenomic ، إذ يقوم الأطباء بفك الشيفرة الجينية لآلاف الإصابات منذ بداية الجائحة. لذلك يعتقد د. حجيج أن السلالة الجديدة انتشرت فعلًا في جميع أنحاء العالم خصوصًا وأنّ باقي الدول لا تفعل ما تفعله بريطانيا لناحية تشخيص الإصابات

هل يؤثر التحور الجديد لفيروس كورونا على فعالية اللقاح؟

يقول د. حجيج “يتم الآن دراسة خصائص الفيروس الجديد، وخلال الأسابيع القليلة القادمة ستظهر نتائج ما إذا ما كان اللقاح لا يزال فعالاً، و ستتم أيضاً دراسة ومراقبة الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح خلال التجربة لمعرفة مدى تأثير هذا التحوّر.

وعن هذا التحوّر يقول ” هذا التحوّر للفيروس هو أسرع بكثير من ما كان متوقعاً، فهذه مدّة زمنية قصيرة كي يقوم بتحوّر كبير كهذا”.

ويتابع “على الأرجح التحوّر بدأ داخل شخص يعاني من ضعف مناعة جرّاء مرض معين، ما أتاح للفيروس التّواجد مدّة طويلة في هذا الجسم، وهذا ما ساعد الفيروس على الالتفاف على جهاز المناعة من خلال التحوّر”.

 

 

 

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى