“الهيبة الرد” مثقلة بثمارها… كادت تنسينا اسم تيم حسن
الخصب في منى واصف كافٍ ليقضي على كل قحط حولها
أربعة اجزاء و”الهيبة” مستمرّة، لا اجترار لا تكرار ولا حشو. التشويق مستمر. كلام قليل حوارات مقتضبة وأحداث تتلى. شخصيات ترسم طريقها في وعر الحياة حيث القتل والانتقام والتجارة بالسلاح والمخدرات وكبار يعملون في الممنوع والناس أزلام تريد فقط أن تعيش.
تيم حسن نكاد ننسى اسمه وهو يلبس شخصية جبل شيخ الجبل، بطل من طراز التطبّع غلب الطبع. تطبع بالقوة والشهامة والرجولة والقدرة على المواجهة والكلام الذي لا يسقط الأرض. شخصيّة حازمة وتدها مشدود في المصائب. صدرها رحب عندما تكون مقصداً. حكمة وافرة في أخذ القرارات. ورومانسية بالغة عندما يتعلق الأمر بالقلب. هذه الخصال التي حملها جبل جعلت منه قدوة.
جبل استطاع أن يخلق نسيجاً متداخلاً يصعب فهمه بين الرأفة والبطش، بين الكرم والعمل في الممنوع ، بين رحابته وفتح أبوابه لكل طارق وانتقامه من خائنه. بين رجل يسهل عليه شهر سلاحه وقلب ينزف أمام وردة زرعتها يد حبيبته. المشاهد يجد نفسه منغمساً في حبه ومشدوهاً برجل أقل نظيره.
تيم التحف بشخصية جبل حد الابتكار والإبداع. فأقام لها صوتاً خاصاً وتعابير خاصة وحركة جسديّة خاصّة. فحيناً يمضغ شيئاً وحيناً يصرم شفتيه عن حدة وصرامة أو يرفع إصبعه تحدّياً وتوعداً. لا يسرف في الكلام يكفي أن يشير بيده حتى نفهم المغزى. هذه الجبلة الفريدة التي حضرها تيم حسن أو المخرج سامر البرقاوي أو أياً يكن جعلت من جبل قدوة يقلد بشكله ولحيته وحركاته ومفرداته، ومن استطاع أن يكون أشد غوراً رأى في جبل شهامة نفتقدها ورجولة قادرة على الاحتضان وسلام عندما يكون الرجل غطاءً من حق.
سيكون صعب على تيم حسن ومشاهديه الفكاك من هذه الشخصية التي رسخت في العيون على مدى أربع مواسم متتالية. فلا هو سيقبل بما هو أقل من جبل ولا المشاهد قادر أن يتقبّل أي هوان أو ضعف،
بعد أن وصلت الرسالة لجتها في الأداء والمضمون. فجبل إن حكى الكل استمع له وإن مشى فتحت السبل أمامه وإن صمّم أنجز وإن جُرح هجّ في البراري يداوي نزيفه ويرمّم نفسه الضعيفة ليعود أقوى مما كان.
نجاح “الهيبة” لا يقف فحسب عند القصّة التي تتطابق الواقع في الكثير من زواياها، وهناك هيبات عديدة في بلداننا ومناطقنا تعيش كما يعيش أهل الهيبة، ولا عند الطاقم التمثيلي المحترف، بل في تلك الواقعية في التصوير. فالمشهد دوماً محبوك ومثير.
لا استسهال ولا تزوير دوماً تبدو الأمور حقيقيّة، فالسلاح سلاح والرصاص رصاص. هذا الكرم في الإخراج والسّخاء في مواقع التصوير الخارجي، وهذه الحقيقية تجعل من “الهيبة ” عملاً متفرداً وناجحاً لا يتكل على الديكورات والإكسسوارات والحوارات الممجوجة.
نجاح “الهيبة” لو خلا من كل شيء يكفيه أمر واحد وجود ناهد عمران “منى واصف” حتى يكون للهيبة هيبتها. وحدها قادرة أن ترفع حجر الزاوية. وحدها قادرة في كل طلة أن ترسم حالة.
صوتها رافعة ينتشل أي سقوط، قامتها نهوض، محياها حياة، طرقة عصاها صحوة، وقفتها محور ارتكاز.
هامة قادرة على السّطوع ورش النور على كل من حولها، يكفي أن تمر الكاميرا على أطراف ثوبها حتى تحدثك عن الدهشة. هذه الشخصية الاستثنائية التي جمعت حولها القلوب والعيون والأجيال والأزمان هي رسولة الفن ومدرسته وخميرته.
منى واصف تنحت المشاعر الإنسانية ليصبح كل شيء طافح حتى اللجّة، كأنها تسقط قلباً في قلوبنا. ليس مهماً ما تقول بل بما يتركه فينا قولها بعد أن تنطق به. ليس مهماً ما نسمعه منها بل بما نعيشه من خفقات بين نبراتها. إن سكتت تضج بنا الاحاسيس من محياها وإن حكت تراءت أمامنا كل الصور الممكنة.
الكل يمرّ بالكلام عن “الهيبة” وأبطالها وأحداثها وأجزائها وينتقد شخصياتها لكن كل شيء يبدو باهتاً وكل كلام يبدو ظلاً طالما النور هنا، والفن هنا، والأبداع هنا. فمن يريد ان يشبع عليه أن يتزوّد من زاد منى واصف. ومن يريد الغزارة عليه أن يستوعب كل هطول منى واصف. ومن يريد أن يرتوي عليه أن يقبض على مائها، هي النفس المغمورة بالجود.
ما نراه منها هو الروح متجسّدة بلحم ودم وعرق ونبرات لذا يأتي حضورها أسراً.
عندما تحضر أمامنا تكشف عن أعماقها فنحدق فيها بما هو أبعد من المشهد نفسه. هذا الخصب الذي فيها كافياً ان يقضي على كل قحط حولها.
التقييم والنقد لا معنى له طالما الملكة قالت كلمتها ومضت في التصوير. والجميع حولها مصاب بالحظ كونه إما شاهدها أو وقف أمامها أو صوّرها أو التقى بها.