أشجار الغار.. هل تصبح بديلاً منتجاً للمزارعين؟
لا تزال أشجار “الغار” تنتشر بكثرة في بعض قرى جبل عامل، التي كانت تشتهر سابقاً بصناعة صابون الغار، الذي أصبح اليوم من التراث الآيل الى الانقراض، لولا محافظة بعض أبناء بعض البلدات الحدودية على صناعته والتجارة به وبزيت الغار، الذي بات مطلوباً اليوم أكثر من أي وقت مضى، ” نظراً لندرته وفوائده المتعددة التي أكدها العلم الحديث” بحسب حسن عليان من بلدة تولين (مرجعيون).
صناعة الزيت وصابون الغار، الذي عرفته قرى بنت جبيل ومرجعيون منذ عقود طويلة، يرتبط تاريخها بتاريخ الزّيتون والزّيت العتيق في المنطقة. عندما كان الصّابون البلديّ، قبل ظهور أدوات التنظيف المصنّعة، يستخدم بكثرة في مجمل بيوت المنطقة والجنوب، لا سيما في الاستحمام وغسيل الأواني والتّنظيف المنزليّ.
ولا يزال اليوم يفضّل على غيره من أنواع الصابون لخلوّه من المواد الكيمائية والمركّبات الصّناعيّة. بعض ربّات المنازل في حولا، خصوصا من المسنّات، ينتظرن موسم شجر الغار لتحقيق بعض الأرباح التي يعتمدن عليها في معيشتهن، تقول فاطمة أيوب ان “حبّات الغار تشبه حبّات الزيتون الصغيرة، ولونها بنيّ داكن.
وتتجمّع بشكل عناقيد يتم قطافها في فصل الخريف”، وكالعادة لا يزال المزارعون يعتمدون على الطريقة القديمة في عمليتي القطاف والعصر وهي ” طريقة يدوية تناقلها القرويون من جيل إلى آخر”.
تعمد أيوب الى “طبخ حبّات الغار على نار الحطب في وعاء معدني خاص” ثم ” تصفّى الحبات من الماء المغلي وتعصر في وعاء آخر، ويوضع الزيت في جرّة فخّار تم طليها بالطين من الخارج”، ويقول جهاد عواضة “يتمّ اغلاق الجرّة جيداً بالأعشاب، أو بمصفاة، وتقلب في حفرة داخلها وعاء من تنك، ويوضع العشب اليابس حول الجرّة ليحرق بعدها لينساب الزيت الطبيعي المصفّى من الجرّة الى الوعاء في أسفل الحفرة”.
هذا وكانت عدة جمعيات تابعة للأمم المتحدة قد عمدت الى اخضاع بعض مزارعي المنطقة الحدودية لدورات تدريبية متخصّصة في صناعة صابون الغار.
وتعتبر تربة عيتا الشعب ( بنت جبيل) غنية بأشجار الغار مقارنة بالأراضي الزراعية الأخرى المجاورة لبلدة عيتا، وقد عمد بعض النسوة في البلدة، الى صناعة زيت وصابون الغار في منازلهن بعد أن تم سابقا تأمين المعدات اللاّزمة لهنّ, من قبل جمعية صامدون, وبالتعاون مع الأخصائي رامي زريق، الاستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت وبعض المتطوعين الآخرين, تقول زهرة سرور “حصلنا على معدات مميزة لصناعة صابون الغار تأمين المعدات المطلوبة من بينها قوالب خاصة وطناجر, اضافة الى طابع محفور عليه اسم صابون عيتا الشعب, وتعهدت الجمعيات الدولية بتسويق الانتاج في لبنان وخارجه بأسعار تشجيعية ومدعومة, وخصص “ستاند” ثابت في سوق الطيّب في صيدا لعرض الصابون المصنّع هناك, اضافة الى تأمين جولات خاصة لنساء عيتا على معامل الصابون في لبنان”.
وتشير سرور الى أنه ” بعد قطف ثمار الغار نقوم بغليها لفترة طويلة لتتحول الى زيت الغار وبعدها نقوم بتصنيعها لتصبح صابوناً, فهذا النوع من الصابون نادر جداً ومطلوب, لكنه يحتاج الى تسويق, فتربة عيتا هي الوحيدة في الجنوب التي تنبت فيها شجرة الغار, ورغم ذلك فقد ساهمت الحرب الأخيرة بالقضاء على العديد من أشجار الغار, والبعض الآخر محاصر بالقنابل العنقودية” .
وبينت سرور أن ” ثمن تنكة زيت الغار 800 ألف ليرة, واذا تم تصنيعها الى صابون يزيد الثمن الى مليون ليرة.وتأمل سرور بالمزيد من العمل والمساعدة لتأمين تسويق انتاجهن, خاصة بعد أن زادت الحاجة الى الانتاج والعمل بفعل الأضرار الكثيرة التي لحقت بمصادر الانتاج في عيتا بسبب حرب تموز الأخيرة”.
يشار الى أن متحف الصابون في صيدا يعود تاريخه الى القرن السابع عشر، وهو متحف نادر في منطقة الشّرق الاوسط، ويحتوي على معروضات تتضمّن: منتجات الصّابون، وكل ما يتعلّق بلوازم الحمّام التركيّ، والصّابون البلدي والمعطّر، فضلاً عن قسم منتجات المطبخ، من حلويات بالعسل وراحة الحلقوم وماء الزهر والورد، المحلّية الصنع. وتشير سرور الى أن من ” أهم فوائد زيت وصابون الغار تغذية البشرة وجذور الشعر وتخليص الجسم من البكتيريا المسببة للرائحة الكريهة، كما يستخدم كدواء لمعالجة بعض الأمراض الجلدية سيما داء الصدفية”.
تعود صناعة الغار في عيتا إلى منتصف القرن الماضي. وتروي بعض النسوة أنهن تعلمن هذه الصناعة من اللاجئات الفلسطينيات، من أبناء نابلس، اللواتي حملن معهنّ، إثر نكبة عام 1948، بعض الصابون النابلسي الذي صنعنّه بأنفسهنّ. في عيتا، التفتت النابلسيات إلى وجود شجر الغار بكثافة، فعمدن إلى تصنيع الصابون منه، وكشفن لنساء عيتا «سرّ المهنة». مهنة ليست سهلة، بل تعدّ من الأعمال الشاقة التي اعتادت النسوة القيام بها، وخصوصاً لأن استخراجه يستغرق وقتاً طويلاً اذ إنه يعتمد على الحرارة، وهو يصنّع في البيوت ويتزامن مع موسم قطاف الزيتون في شهر تشرين الأول.
داني الأمين