أميركا واستغلال الإضطهاد الديني
بقلم المهندس باسل قس نصر الله
أصبح الجميع يعلمون أن الولايات المتحدة الأميركية لا تحتاج إلى استئذانٍ لكي تخرق سيادة الآخرين. وإضافة إلى ذلك، ترفض التوقيع على الكثير من المعاهدات الدولية المهمة التابعة للأمم المتحدة، وتحوك القوانين لِتُحاسب الدول الأخرى التي تعتبرها مخالفة لها، فتضغط عليها وتبتزها، ومن هذه القوانين “الحرية الدينية”.
أرادت أميركا استغلال الدين لمصالحها، فقامت وزارة خارجيتها عام 1998 بوضع قانون الحرية الدينية الدولية، ونشرت أول تقرير في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2001، ووضعت أسماء دولٍ اعتَبَرت أن الحرية الدينية فيها غائبة أو مُضَيَّقة.
لقد صدقَ الكونغرس على هذا القانون المرتبط بتشجيع الحرية الدينية كهدف للضغط والتدخّل في السياسات الدولية لشعوب العالم، لِتصل إلى درجة الابتزاز، وبِواجهةٍ اسمها “محاربة الاضطهاد الديني في العالم”.
لقد انطلقت فكرة القيام بتحرك أميركي رسمي للاهتمام بالحرية الدينية في العالم بحملة – من أجل ما سمي “إنقاذ مسيحيي العالم من الاضطهاد” – أطلقها المحامي الأميركي الجنسية واليهودي الديانة مايكل هوروفيتز، الذي شغل منصباً رفيعاً في عهد الرئيس الأميركي رونالد ريغان، خلال مقالٍ في جريدة “وول ستريت” بتاريخ 5 تموز/ يوليو 1995 تحت عنوان: “التعصب الجديد بين الصليب والهلال”.
لقد أدّت جهود المروجين لمزاعم الاضطهاد الديني (المسيحي) إلى أن يوعز الرئيس الأميركي كلينتون إلى وزير الخارجية وارن كريستوفر بتشكيل لجنة أطلقَ عليها اسم “لجنة الشريط الأزرق” في تشرين الثاني/نوفمبر 1996، ثم أعلن الرئيس كلينتون في 16 كانون الثاني/نوفمبر 1997 ما سُمي “اليوم الوطني للحرية الدينية”، إذ قال إنَّ إدارته ستضع قضية حق ممارسة الحرية الدينية كأحد المعايير التي تحكم علاقات الولايات المتحدة بالدول الأخرى.
وأثمرت الحملة اليهودية، فَشَهدت هذه المرحلة عدة مشاريع قوانين كما يلي:
– الأول مشروع قانون تقدم به النائب الجمهوري فرانك وولف، وهو عضو في الكونغرس عن ولاية فرجينيا، والجمهوري آرلين سبكتور، وهو عضو في الكونغرس عن ولاية بنسلفانيا ورئيس لجنة الاستخبارات فيها، وذلك باسم “التحرر من الاضطهاد الديني” أو مشروع قانون “وولف – سبكتر”، الذي يحمل في مجلس النواب الرقم 2431.H.R.
– الثاني هو مشروع قانون “دون نيكلز”، وهو مشروع موازٍ قُدِّم إلى مجلس الشيوخ في 26 آذار/مارس 1998، وهو القانون الذي تم إقراره بعد التعديلات. سمي “قانون الحرية الدينية الدولية”، وتم إقراره في 9 تشرين الأول/أكتوبر 1998.
وقد وافق على إنشاء مكتب الحرية الدينية الدولية الذي يرأسه سفير من دون سفارة. أنيطت بالمكتب مسؤولية إصدار التقرير السنوي عن وضع الحرية الدينية والاضطهاد الديني في كل دول العالم في كلّ عام.
وتُحدِّد وزارة الخارجية على أساس هذا التقرير ما تسمّيها “الدول التي تثير قلقاً خاصاً” بسبب انتهاكاتها “المنهجية والمستمرة والفاضحة” للحرية الدينية، والتي تتعرض لعقوبات أميركية، من ضمنها عقوبات اقتصادية.
إن أميركا تدّعي الدفاع عن المسيحية والإسلام والهندوسية والبوذية والبهائية والصابئة والأيزيدية والكاكائية وكل التنوعات الدينية، ولكن هدفها من كل ذلك سياسيٌ ومصالحيٌ بحت.
عندما غزت الولايات المتحدة الأميركية العراق في نيسان/أبريل 2003، أصدرت مذكرة اعتقال بحق 55 شخصية سياسية وحكومية، وطبعت صورهم على بطاقات لعب الورق، وكان من بينهم 35 شيعياً، وهي الحقيقة التي لا تنسجم مع الخرافة الأميركية القائلة إنَّ الحكومة العراقية كانت أداة سنّية لاضطهاد الأغلبية الشيعة.
إن أميركا في قانون الاضطهاد الديني تستغل بعض المشاكل بين المسلمين والمسيحيين لتحوّلها إلى خلاف بين الإسلام والمسيحية، فيما ينطبق عليه قول الإمام علي: “كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ”.
اللهم اشهد اني بلغت