ناجي حايك انتصر أخيراً: التيار الوطني الحرّ نحو اليمين
منذ سنةٍ على الأقل، أي منذ قيام حراك ١٧ تشرين تحديدًا، بدأت معالم تبدّل نظرة جمهور التيّار الوطني الحرّ تظهر تجاه بعض القضايا الخلافية في الداخل اللبناني. ساهم الشارع الموجّه والحملات الإعلامية التي عملت على إظهار التيّار كالمسبّب الوحيد بما وصل إليه لبنان من تدهورٍ كبير وتفشّي رقعة الفساد داخله بشكل واسع، بدفع الجمهور ومن ثمّ قيادة التيار إلى الذهاب نحو مقاربة أخرى للواقع، تفيد بأنّ العلاقة مع حزب الله لم تعد مربحةً كما كانت حين وُقّعت ورقة التفاهم. هذه النظرة تكوّنت بعد خوض الطرفين أكثر من ملف أظهر حزب الله أنّه غير مستعد للذهاب به نحو النفس الأخير، لا سيّما ملفات فساد يتّهم التيار الوطني الحرّ حلفاء آخرين للحزب بالضلوع بها، نتيجة حسابات لها علاقة بالاستقرار ووأد الفتنة.
اتساع الهوّة بين الوطني الحرّ وحزب الله
كبرت رقعة الابتعاد وتهشّمت العلاقة أكثر إلى حين وصول موعد المفاوضات اللبنانية مع كيان الإحتلال، حيث اعترض حزب الله هذه المرّة بشكل علني وبصوت مرتفع على قرار رئيس الجمهورية تشكيله وفد التفاوض منفرّدًا وعدم موافقته وفريقه على تعديل شكل الوفد، رغم طلب حزب الله ذلك بشكل رسمي وبعيدًا عن الأضواء. كمُّ الإمتعاض لدى قيادة التيار كان كبيرًا خصوصًا أنّ بعض المحيطين بالوزير جبران باسيل سلكوا مسار المقارنة حين كان حزب الله يعترض على خطوة يريدها الرئيس بري لم يكن ليصدر بيانًا علنيًا بهذا الشكل. بالطبع لم يفسّر هؤلاء خصوصية الحزب في الساحة الشيعية، وربّما لم يقرأوا بدقّة هواجس الأخير من موجات التقارب مع الكيان الإسرائيلي.
علاوةً على ذلك، لا يزال قياديو التيّار الوطني الحر بمن فيهن الوزير جبران باسيل ضمن دائرة التهديد بفرض عقوبات سياسية واقتصادية عليهم، يعلم الجميع أنّ باطنها واحد وهو العلاقة مع الحزب.
حصل التباعد، ولكن ما زال في الجرّة أذنًا صامدة لم تنكسر، ولكن في الواقع يبدو أنّ حمل العلاقة بات ثقيلًا. هذا التباعد انعكس بالطبع على مسيرة التيار وجمهوره، الذي بالفعل خسره حزب الله كمؤيّد وحاضن في معاركه الخارجية وربّما، والأيّام هي الحكم، في معركته مع العدو في أيّ حرب مقبلة. جنحوا اليوم بعد ١٥ عامًا تقريبًا نحو اليمين، عادوا إلى يمينيتهم التي تربّوا عليها في الأحرار والكتائب والقوّات والتنظيمات المسيحية، وحملوها معهم إلى التيار الوطني الحر سامحين لميشال عون في كبحها والتغطية عليها، حتى سقطت.
ناجي حايك منتصراً في الكباش الداخلي
عاد العونيون بعد هذا الضغط إلى ما قبل العام 2006، حين نجح ميشال عون باستمالتهم نحو شارع مؤيّد تمامًا للمقاومة ضد العدو الإسرائيلي. ناجي حايك، منظّر اليمين في بيئة التيّار، والقيادي السابق الذي لم تكن قيادة التيّار تستلطف وجوده وآراءه القاسية والجارحة، بات اليوم هو المنتصر في كباش داخلي لطالما سعى لعدم الذوبان في جسد ورقة التفاهم، بل حاول تكريس نظريّة حياد لبنان قبل خروجها من بكركي، فنُبذ من القيادة وبعض الجمهور إلى اليوم الذي تيقّنوا فيه أنّه كان محقًّا، من وجهة نظرهم طبعًا.
يُدرك الرجل تمامًا أنّ معركته الرابحة لن تفيد التيار، ولكن هي واقع كان لا بدّ من العودة إليه. فالتيار ومؤسسه ميشال عون، بحسب حديث حايك لـ “أحوال”، هم في صلب اليمين، منذ أن كان الرئيس مؤيّدًا وداعمًا للجبهة اللبنانية. لدى الرجل مآخذ كثيرة على حزب الله، ولم يعد وحده في المعركة، فبعدما كان يمثّل الأقلّية نجح بإسقاط وجهة نظره على الأكثريّة، فتمكّن من صناعة رأي عام يفهمه. يرفض حايك فكرة أنّه سعى بالفعل لتكريس نظريّته، هو ومن يشبهونه في الطرح، بل يلفت أنّ العوامل والظروف وأداء الحلفاء أوصلت التيار وجمهوره إلى هذا التموضع.
يشدّد حايك على أنّ معارك حزب الله لا تشبه التيار، ولا بيئة التيار، وأنّ الحزب رغم كل ما يحصل اليوم ما زال مصرًّا على التشدّد في المواجهة. ” نحن واضحون في توصيف موقع إسرائيل بالنسبة لنا، ولكنّنا لسنا مستعدين لدفع ثمن السير في ركاب حروب غير واقعية تحت عنوان إزالة إسرائيل. مشكلتنا مع الكيان الصهيوني وطنية لبنانية وليست دينية. نحن ندعم القضية الفلسطينية لأنّها محقة ولهم يعود القرار الاخير بخصوص حل الدولتين”. يوضح حايك هنا الإلتباس الشائك حول مفهوم العداء .قد تكون هذه القراءة التي يُجمع عليها معظم قياديي التيار هي التي أدّت إلى التباين الأخير بين بعبدا وحارة حريك، وهو ما قد يظهر في سنوات وظروف لاحقة في حال بقيت هذه العلاقة قائمة.
عمومًا لا تصعد أسهم اليمين إلّا عندما يفشل الوسط في تثبيت حضوره السيادي، فالألمان انتخبوا النازيين بشكل ديمقراطي لأنّ الوسط أوصل دولتهم إلى مأزق صوّرها في خانة الضعف، الأمر نفسه يحصل في أوروبا اليوم، وفي الساحة اللبنانية القاعدة لا تتغيّر. يعلم التيار الوطني الحرّ أنّ شعبيته اليوم تدحرجت من خانة الريادة مسيحيًا إلى رقم متدنٍ جدًا لم يكن أشد المتفائلين من أخصامه يتوقع وصوله إليها.
قد يكون التحالف مع الحزب، وخيارات الحزب لاحقًا، والضغوط الأميركية والمعيشية اليوم هي السبب الفعلي لشعور العونيين أنّهم في الزاوية، ولكن العودة إلى قراءة المشهد بتمعّن يفيد بأنّ التحالف مع قوى من أجل معركة الرئاسة كانت هي نفسها الخصم في السياسة وعادت بعد الانتخابات الرئاسية؛ سُحب من التيار ذريعة وجوده التي قامت بالأساس على تسونامي محاربة الفساد، فباتت الشراكة مع الفاسدين، من وجهة نظر الجمهور، هي المعضلة الحقيقية التي عكست عجزًا لدى القيادة، التي سلكت الوسطية في الطرح، في تثبيت شعبيتها وإقناع جمهورها بخطابها السياسي.
اليمين انتصر اليوم، أو يمكن القول أنّه تفوّق بعدما عادت القاعدة إلى الجذور، ولكن السؤال الأساسي، هل ستصمد يمينية التيار أمام شراسة المنافسة مسيحيًا أم أنّ المسار الذي قاده جبران باسيل في السنوات الأخيرة سيبقى قائمًا مرتكزًا على البقاء على مسافة واحدة من محورين متصارعين وصولاً إلى جولة متقدمة فوق الحلبة؟ الأجواء تشير إلى أنّ المأزق كبير والتغيير بات ملزمًا.
ماهر الدنا