مطاردة سلامة مستمرة.. لا قرار بتوقيفه لأسباب سياسية!
خبراء قانونيون لـ"أحوال": لا نص قانوني يمنع مداهمة القضاء لمصرف لبنان
لم تكُن المداهمة التي نفذتها المدّعي العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضية غادة عون، برفقة قوة من أمن الدولة لمبنى مصرف لبنان في محلة الحمرا، هي المداهمة الأولى من نوعها، فقد سبق ونفذ أمن الدولة اكثر من مداهمة بهدف توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الا ان المحاولات باءت بالفشل؛ لكن عملية اليوم هي الأولى من نوعها إن لجهة حجم الانتشار الأمني الكبير في محيط المصرف المركزي، وإن لجهة دخول القاضية عون مبنى المصرف ومصادرة ملفات من الطابق الأول منه.
كما لم تكُن العملية الدراماتيكية منعزلة عن “المطاردة البوليسية” التي تنفذها القاضية عون لـ سلامة منذ حوالي العام، وبالتالي لن تنتهي خلال أيام أو شهور، بل إنها مستمرة حتى توقيف الحاكم وإحالته الى القضاء، وفق ما تقول جهات مطلعة على الملف لـ”أحوال”، “كونه مسؤول بالدرجة الأولى عن أغلب الأزمات والأوضاع الصعبة التي وصلنا اليها اليوم، لا سيما الارتفاع المستمر بسعر صرف الدولار في السوق السوداء، والتحكم بموضوع فتح الاعتمادات للفيول والمحروقات والقمح وغيرها من السلع الأساسية”.
كما يعتبر التيار الوطني الحر، وفق ما تشير مصادره لـ”أحوال”، أن “سلامة هو رأس الحربة لمواجهة عهد رئيس الجمهورية ميشال عون بوسائل مختلفة، وأحد أهم الوسائل الذي يستخدمها خصوم العهد في المواجهة معه منذ ثلاث سنوات، علماً أن القاضية عون تكرر القول إن لا خلفيات سياسية لقراراتها وخطواتها الميدانية، بل هي فقط تمارس صلاحياتها وواجباتها القانونية والمهنية والوطنية”.
لكن كالعادة انقسمت الآراء السياسية وكذلك القانونية حيال المداهمة؛ فمنهم من وضعها في إطارها القانوني الطبيعي لتنفيذ الإستنابة القضائية كما اعتبرت القاضية عون ومراجع قضائية وقانونية عدة، ومنهم الآخر اعتبرها استعراضات وخطوات مخالفة للقانون والأصول القضائية.
الخبير الدستوري وأستاذ القانون د.عادل يمين يوضح لـ”أحوال” أنه “ليس من نص قانوني يمنع على الضابطة العدلية الدخول إلى مصرف لبنان سعياً لإحضار أحد المتواجدين داخله الصادر بحقه بلاغ بحثٍ وتحرٍ، لذلك يحق لقاضية عون أو اي قاضٍ معني بالملف مداهمة اي مكان لتنفيذ أمر قضائي أو استنابة قضائية”.
في المقابل، يتلاقى الخبير الدستوري د. سعيد مالك مع يمين على أحقية القضاء في مداهمة أي مؤسسة رسمية في حال وجود استنابة قضائية، لكن مالك يشير لـ”أحوال” الى أن “اقتحام مصرف لبنان الذي حصل اليوم مخالفة لقاعدة الصلاحية المكانية بالنسبة لاقدام عون على اقتحام المركزي”، لكنه يؤكد بالمقابل عدم وجود نص يمنع أو يحظر مداهمة القضاء لأي مؤسسة رسمية أو عامة، باستثناء مداهمة الرئاسات الثلاث الذين يتمتعون بحصانة وحرمة نظراً لموقعهم الدستوري والمعنوي، ولكن باقي مؤسسات الدولة كوزارات ومؤسسات عامة باستطاعة النيابة العامة او الضابطة العدلية مداهمة أو اقتحام أي مؤسسة.
ويخلص مالك إلى القول إن المخالفة في هذه الحالة محصورة بالصلاحية المكانية فقط وليس بالمداهمة بحد ذاتها.
ما هي الخطوة القانونية المقبلة التي سيلجأ إليها القضاء ضد سلامة؟
يرى يمين أن الأجهزة الأمنية ستكرر المداهمات لأماكن تواجد حاكم مصرف لبنان، أكان في منازله أو في مكان عمله في مصرف لبنان، وذلك لتنفيذ المذكرة القضائية بإحضاره، فيما ستستمر القاضية غادة عون بالملاحقة القضائية والميدانية أيضاً.
أما الخبير الدستوري سعيد مالك فيرى أن “الخطوة القضائية المقبلة مرهونة بقرار القضاء المختص، أي القاضية عون، شرط أن تلتزم بالاصول والقواعد القانونية لجهة الصلاحية واتخاذ الاجراءات اللازمة، وبالتالي الأمر بعهدة القاضي الذي يحقق بالملف وتحديداً القاضية عون”.
هذا في القانون، أما في السياسة فانقسم اللبنانيون بين مؤيد للمداهمة ومعارض لها.. لكن تساؤلات طُرحت حول مدى جدية توقيف سلامة والعجز الأمني عن تحديد مكانه، لا سيما أن جهاز أمن الدولة وأجهزة أمنية أخرى يمكنهم تحديد مكانه، علماً أن سلامة كما تفيد المعلومات كان موجوداً في مكتبه في أحد طوابق المصرف، لكن لم يتم توقيفه بسبب عدم وجود اشارة قضائية بذلك، ما يخفي غياب القرار السياسي الحاسم بتوقيف سلامة وإقالته من منصبه لأسباب سياسية واقتصادية داخلية وخارجية عدة، وفرغ المداهمات من مضمونها ويضعها في خانة المسرحيات، وبالتالي تضعف الثقة الشعبية بها؛ مع الاشارة الى أن مجلس الوزراء يستطيع اقالة سلامة وتعيين آخر مكانه واحالته الى القضاء، لكن هذا لن يحصل في ظل موقف رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ومرجعيات سياسية أخرى الرافض لاقالة الحاكم وتوقيفه في الوقت الراهن، نظراً لخطورة ذلك وتداعياته على الاوضاع العامة في البلد.
وبدأت هذه التداعيات بالظهور من بوابة إعلان نقابة موظفي مصرف لبنان الاضراب والاقفال التام لثلاثة أيام، ما سيؤثر على كافة الاوضاع المالية والنقدية والاقتصادية في البلاد، وسيؤدي الى توقف التعاملات المصرفية والمقاصة وتمويل المصارف بالدولار والليرة وتطبيق التعاميم وفتح الاعتمادات ومنصات صيرفة، وقد يؤدي الى ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وتفاقم أزمات الكهرباء والمياه والقمح والمواد الغذائية، في ظل موجة الاضرابات العامة للقطاع العام ما سيأخذ الدولة الى الشلل التام والفوضى العارمة.
محمد حمية