كامل مهنا يعرّي العولمة ومنظمات المجتمع المدني ودار الندوة تحتفي بكتابه
في كتابه الجديد “مواجهة الاستثمار المفرط لمنظمات المجتمع المدني: عامل تجربة ديمقراطية لبناء مواطن ووطن”، يفكك الدكتور كامل مهنا أحد أكثر المواضيع إشكالية في لبنان والعالم اليوم، وهو حالة الاستهلاك الرائج لمفهوم المجتمع المدني، نتيجة لانتشار التعامل الصنمي مع هذا المفهوم، إلى درجة نزعت منه قدرته وفاعليته وقدرته على تحقيق التغيير المنشود، خصوصاً أن المجتمع المدني، بحسب مهنا، هو ساحة الصراع الحقيقية التي تنجذب إليها وتتفاعل فيها قوى التغيير، بحيث تفرز خطابًا واستراتيجية وطنيين، يهدفان إلى تحقيق المزيد من الديمقراطية، والمزيد من الضمانات لحقوق الإنسان، كما يشكل المجتمع المدني فضاء للحرية، ووسيلة للعبور نحو المواطنة والديموقراطية.
ولمناسبة الإصدار الجديد احتفلت دار الندوة بالكتاب والكاتب الدكتور كامل مهنا، وسط حشد من الكتّاب والإعلاميين والشخصيات السياسية والاجتماعية وعائلة مؤسسة عامل الدولية، ورغم كل العوائق من حرارة الطقس والتحفظات الصحية وتكلفة النقل للحضور القادم من المناطق، فقد امتلأت القاعة بأصدقاء ومحبين تهافتوا على الكتاب واستمعوا إلى الندوة التي ناقشت مضمونه والأفكار التي طرحت فيه.
قدم الندوة والمشاركين فيها الوزير السابق بشارة مرهج، وتحدث كل من الوزير السابق الدكتور جورج قرم والدكتور مصطفى حجازي والأستاذ أحمد بزون، وكان الختام مع كلمة صاحب الكتاب الدكتور كامل مهنا رئيس مؤسسة عامل الدولية.
في البداية أشاد مرهج بدور مؤسسة عامل على الصعيدين الوطني والعالمي بقيادة الدكتور كامل مهنا “العامل ليل نهار من أجل كل إنسان بمعزل عن انتماءاته وخياراته”، وأشار إلى أن هذا الكتاب يأتي بمثابة إجابة عن القضية التي أثيرت بشكل واسع بعد 17 تشرين، وتتعلق بالنقاش حول دور وهوية منظمات المجتمع المدني، وأن “كامل مهنا الطبيب والرائد في مجال العمل الإنساني والمدني قدم نظرة موضوعية لقياس هذه المسألة، ووضع معياراً للوطنية أساسه رفض الإملاءات الخارجية والتركيز على القيام بالتغيير بعيداً عن كل أشكال الوصاية والتبعية”.
تلاه المفكر الدكتور جورج قرم الذي اعتبر أن المؤلَّف الجديد للدكتور كامل مهنا في غاية الأهمية لزيادة الفهم والوعي الوطني والاجتماعي والإنساني معاً، وأنه “إذا كانت مؤلفات الدكتور مهنا لها جميعها طابع مرجعي في تفسيره لنشأة وتطور المجتمع المدني، فإن لمؤلفه الجديد طابعاً مغايراً في المحتوى وطريقة عرضه”.
ورأى قرم أن المؤلّف الجديد للدكتور مهنا أتى ليبدد الكثير من الأوهام، السائدة ويدعو في الوقت نفسه إلى خلق “انحياز اجتماعي” كما فعلت عامل، مشيراً إلى أن الأعمال الفكرية التي يقوم بها الدكتور مهنا تؤسس لحفظ “ذاكرة العمل المدني”، وأن هذه الموسوعة المتشكلة من الكتب التي يؤلفها، ستصبح مرجعاً أساسياً لكل من يهتم بالتعرف والتعمق في الجذور التاريخية لقطاع المجتمع المدني في لبنان، وفي موجبات مواكبته للواقع وتطلعه نحو المستقبل.
ولفت عالم النفس والمفكر الدكتور مصطفى حجازي في مداخلته إلى أن “الإنسان المتمكن بطاقاته والمصانة كرامته، في كنف مؤسسة عامل والدكتور كامل مهنا، أصبح هو المرجعية لبناء دولة المواطنة التي نحلم فيها في لبنان”. ورأى أن تجربة مؤسسة عامل الدولية الميدانية، شكلت حجر الزاوية في البناء النظري لكل أعمال الدكتور كامل مهنا حول النضال الإنساني وتفكيك قضايا المجتمع المدني، ومن أبرزها الكتاب الجديد. واعتبر في مداخلته أن كامل مهنا “عرّى العولمة وعلاقتها بأنظمة الحكم في دول العالم الثالث، ومعها بعض المنظمات التي تقوم بتبييض صفحة النهب والاستغلال، مقابل فتات المساعدات، وتستخدم في فرض الاستعمار الناعم الذي يتغلغل إلى الدول بهدف تدميرها وتبرير نهبها”. واختصر تقييمه للكتاب بقوله: “إنه يشكل، مع الكتاب الذي سبقه “أبعاد التنمية والعولمة المستبدة”، حلقتين بارزتين في سلسلة اصدارات الدكتور مهنا التي تشكّل موسوعة يجب أن تدرس، وتعقد حولها ندوات ومحاضرات في كل الوطن العربي”.
الناقد أحمد بزون وصف مؤلف الدكتور مهنا الجديد بأنه مكتوب بمشاعره ومداد تعبه ودم تجربته، مشيراً إلى أن نص كامل مهنا “لا يختص بالماضي والحاضر فقط، بل يطرح أفكار التنمية التي تتحرك في عالم متغير، ففي كل يوم تسقط أرقام وترتفع أخرى في الفقر والغنى وانتهاك الحقوق، وتستجد حالات إنسانية في لبنان والعالم. وما دامت حركة النزوح واللجوء متفاقمة، وقنابل الاستعمار الجديد تنفجر بلا هوادة كل يوم في كل مكان من سواد العالم، سوف تنحني أفكار وتنهض أفكار بديلة”.
ولفت بزون إلى أن جوهر نضال كامل مهنا هو السعي إلى التغيير الذي يحتاج لبنان إليه، وإلى دعوة منظمات المجتمع المدني إلى أن تلعب دورها الأساسي في بناء المواطن – الإنسان الذي تقوم على عاتقه كل مشاريع الإصلاح، ضمن خطة متكاملة يشارك فيها، إلى جانب المجتمع المدني، القطاع الخاص والحكومة، على قاعدة مشاركة الجميع في إدارة العملية التنموية، للتخلص من مسلسل طويل من الفكر السلبي الإحباطي المدمِّر.
وختم الندوة الدكتور كامل مهنا بكلمة شكر لدار الندوة لجهدها في إقامة النشاط، وعلى رأسها معالي الوزير بشارة مرهج المناضل العروبي، ورفيق درب الأستاذ معن بشور وكل العاملين والعاملات في المنتدى القومي العربي ودار الندوة، كما شكر الحضور والمشاركين في الندوة، وتحدث عن مبادئ “عامل” والشعارات التي ترفعها والدور الذي تقوم به، مصوباً اللغط السائد في مفهوم المجتمع المدني.
ولفت الدكتور مهنا إلى أنه من خلال هذا الكتاب والكتب التي سبقته وتلك التي تليه، يحاول أن ينجز ما يشبه الموسوعة الشاملة، حول تأسيس وتطوير تجربة “عامل” وتجربته الشخصية الواسعة والمكثفة في المجتمع المدني، تلك التجربة التي كانت محفوفة دائماً بالمخاطر زمن الحرب، ومزدحمة بالصعوبات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية بعدها، وتعتبر اليوم في مصاف التجارب العالمية، رغم حفلة التدمير الجنوني التي يعيشها لبنان اليوم، وتنعكس حملاً ثقيلاً على كل من يعمل في ساحات العمل الصحي والتنموي.