في ذكرى “تحرير الجنوب”: ايمان بالقوة واقتراب من الحدود الفلسطينية وأمل بـ “تحرير جديد”
قبل التحرير، في العام 2000، كانت الأودية والجبال على خط التماس، مع ما عرف بـ”الحزام الأمني” سابقاً، خالية من الابنية السكنية، كونها كانت محورا للعمليات العسكرية التي كان يشنها المقاومون للاحتلال؛ وكذلك حال المنطقة الملاصقة للحدود مع فلسطين المحتلة، والتي كان يمنع العدو الأهالي الاقتراب منها، أو اقامة المنازل فيها.
واقع الحال اليوم تغير كلياً، المشهد مثير ويحمل الكثير من الدلالات، فقد أصبحت هذه المناطق مليئة بالمنازل، واتصلت القرى والبلدات ببعضها البعض، واللاّفت هو العمران الكثيف على الحدود مع فلسطين المحتلّة، حتى أصبحت التلال المحيطة بمواقع الاحتلال في فلسطين المحتلة، هي الأغلى ثمناً، فقد بنيت فيها القصور والمنازل الفخمة، وامتلأت بالسكان.
قد لا يبالي الكثيرون بهذا المشهد، لكن الواقع مؤثر حتماً الى المحتل الاسرائيلي، لأنه يعبّر عن لامبالاة أهالي القرى الحدودية مع فلسطين المحتلة بـ«جيرة الاحتلال» الذي يتحصن على تماس منازلهم وأرزاقهم في بروج مشيدة.
أحمد رمال، ابن بلدة العديس (مرجعيون) يقيم على بعد أمتار من موقع صهيوني محصّن، يرى أن “هجمة الاهالي للبناء قرب العدو، وعلى مشارف فلسطين المحتلة، لها دلالتين، الأولى، هي عدم خوف الأهالي من العدو، وايمانهم بأنه بات عاجزاً عن القيام بأي اعتداء؛ والثانية، هي أننا نحنّ الى فلسطين، ونتسابق على احتلال النقاط المشرفة عليها، لتصبح هذه الأماكن من أكثر الأماكن اثارة وجمالاّ، لأن من خلالها نشاهد فلسطين وتلالها لجميلة، كما نشاهد معظم القرى والبلدات الجنوبية، وصولاً الى الساحل الجنوبي”.
يذكر حسن قطيش (حولا) أيام الاجتياح الاسرائيلي في العام 198، ويتحدث عن كيف كان واقع الجنوبيين حينها: “احساس بالهزيمة والضعف، خوف من الاحتلال، لا يمكنهم المواجهة، يأسرون من داخل منازلهم دون أي ردة فعل”.
ويشير الى أن “على كل اللبنانيين الانتباه الى أهمية انجاز التحرير، وأهمية قوة الجنوبيين لحماية أرضهم وحدودهم”.
في منطقة مرجعيون، يستطيع المراقب أن يلحظ ولادة قرى جديدة بكاملها، لم تكن موجودة ما قبل التحرير، أو بعده بوقت قصير. مئات الأبنية أُنشئت على الحدود بعد حرب تموز.. “هناك حوالي 600 منزل تم بناؤها في خراج بلدتي العديسة ومركبا، ومثلها في كفركلا ومرجعيون وحاصبيا وميس الجبل وعيترون وغيرها”، يقول احمد سرحان، ويبين أن “أسعار الأراضي ارتفعت بشكل ملحوظ، وتلك الأراضي المطلة على المستعمرات، هي الأكثر طلبًا والأغلى اسعارًا”.
ومعظم أصحاب هذه المنازل، هم من أبناء البلدة الذين نشأوا خارجها، ولكنهم يحرصون على تمتين ارتباطهم بجذورهم، فضلاً عن وجود مشترين جدد من خارج المنطقة أساسًا، حيث ينتصب قصران مقابل مستوطنة المطلة، تعود ملكيتهما لشخصين من عائلتي العيتاني والحص البيروتيتين، جذبتهما الطبيعة الخلابة التي تتمتع بها المنطقة.
على طريق عام مركبا- حولا، انتشرت المنازل بالعشرات أيضًا، وجميعها ملاصق للحدود، وبعضها ملبّس بالحجر الصخري والقرميد الأحمر.
ويلفت حسين الأشقر إلى “أن هناك منازل فخمة جدًا، كلّفت أصحابها مئات الآلاف من الدولارات. وحركة البناء متواصلة حتى وصلت حدود 600 منزل بعد التحرير، واستمرت حركة البناء على حالها بعد حرب تموز، وخاصة تلك الملاصقة للحدود، في تحدٍ يعيشه أبناء هذه القرى ضد وطأة الاحتلال وتهديده وعنجهيته”.
في ذكرى التحرير، يتم نشر صور تلك البلدات والقرى المحررة، وعلى زائر هذه المنطقة، أن يقارن بين مشاهد التحرير الأولى وبين الواقع اليوم، ليرى أن الجنوبيين أكثر ثقة بأنفسهم، لكنهم يحتاجون من جديد الى “تحرير” آخر، يحررهم من الفساد، ويمكنهم من تأمين فرص عمل لائقة بانتصارهم الأول.
وفي بلدة حولا، نشط تشييد المنازل قبالة موقع العبّاد الشهير، وأصبح هناك حي بكامله يسمى “حي القصور”، ملاصق للحدود تمامًا، ومن يريد موقعاً جذاباً لمنزله عليه أن يشتري عقاراً قرب موقع “العبّاد”، فالمكان مرتفع ومطلّ على سهل الحولا وبلدة هونين وسهل الخالصة وكريات شمونة، حتى ان هناك من شيد منزله مقابل مستعمرة المنارة، في منطقة “شبه مقطوعة” وخالية من أية أبنية أو بنى تحتية أساسية؛ هذا ما يدفع إلى تحسس كم كان أهل هذه القرى متلهفين إلى تحريرها حتى يعودوا إليها ويعمروها من جديد.
ويعلق محمد صولي بالقول: «طبعًا كان هذا حلمًا، ولكنه لم يكن ليتحقق لولا وجود السلاح الذي كان عماده إرادة الإنسان في هذه المنطقة، وفي كل مكان عرف الاحتلال القاسي والمرير».
وباتجاه الجنوب أكثر فأكثر، تصل إلى بلدة ميس الجبل، التي أصبح قصدها ضرورياً لكلّ من يريد بناء منزله، وكذلك تجهيزه، من أبناء قرى وبلدات مرجعيون وبنت جبيل، وحتى من مناطق أكثر بعدًا جغرافيًا.
إذ شهدت البلدة، الملاصقة لحدود فلسطين المحتلة، بعد التحرير ازدهارًا كبيرًا في افتتاح المؤسسات التجارية، خصوصًا تلك المتخصصة في بيع المفروشات والأدوات المنزلية، وأصبحت البلدة عامرة بأهلها، الذين عادوا إليها بالمئات، وكذلك بالوافدين إليها يوميًا للتبضع والتسوق، “في ظل شعور بالأمان لطالما غاب عن هذه المنطقة، واستعادته بكل ثقة بفضل المقاومة وجهوزية شبابها، للدفاع عن البشر والحجر”، يقول محمد صولي.
داني الأمين