هل تشبه انتخابات الستينيات ما يجري اليوم؟
اقتراب الاستحقاق الانتخابي أعاد ذاكرة بنت جبيل الى انتخابات “أيام زمان” التي كانت تجري وفق قانون الأكثري ” قانون 1960″، عندما كان القضاء دائرة انتخابية.
يتذكر بعض الأهالي مجريات الحياة السياسية آنذاك بلوعة وحسرة من أنصار “زعماء الماضي”، خصوصاً بسبب “الجهل والحاجة المادية اللذين سمحا للعديد من رجالات السياسة احتكار العمل السياسي”.
أجواء الانتخابات في الستينيات ما عادت تشبه ما يجري اليوم، “ليس بالقانون، بل بالطريقة المعتمدة سابقاً من قبل السياسيين، التي كانت تتطلب الاعتماد على المفاتيح الانتخابية وزيارات المرشحين، اضافة الى التهديد والوعيد المباشرين”.
غياب المرشحين اليوم عن زيارة ناخبيهم ووجهاء البلدات والقرى، اضافة الى الاعتماد شبه الكلّي على وسائل الاعلام، جعل من كبار السن يتذكرون نمط الانتخابات السابقة خصوصاً في ستينيات القرن الماضي.
“يوم كان المرشحون يجولون في القرى والبلدات لتصبح محادل الزعماء تحدل معها كل الأصوات المناوئة”، فلا يذكر أبناء بنت جبيل مرشحاً منفرداً استطاع حينها الفوز بمقعد انتخابي، رغم اختلاف المعايير التي كانت تعتمد في بعض الحالات عند الناخبين والمرشحين. لكنهم يتذكرون الحشود الغفيرة والولائم الانتخابية التي كانت تعقد في دارتي “البيك” رئيس المجلس النيابي السابق أحمد الأسعد، أو نجله كامل في بلدة الطيبة أو علي بزي في بنت جبيل.
ودور الـ”مفاتيح الانتخابية” من وجهاء العائلات الجنوبية في تجيير الناخبين للمرشحين، وهو ما أصبح اليوم مفقوداً وغير معتمد؛ فيعتبر أبو أحمد مصطفى ( حولا) أن “أحمد الأسعد كان يعتمد على المفاتيح الانتخابية ويقدم الخدمات لأصحابها وهؤلاء يكفلون جمع الأصوات والمؤيدين له”.
ويتحدث مصطفى عن حنكة الأسعد الذي كان، قبل الانتخابات بعدة أيام، “يدخل الى منازل الفلاحين ويسألهم عن مواشيهم وأبقارهم وزراعتهم، بعد أن يكون قد سمع أخبارهم من أزلامه”، حتى أنه كان يحرص على زيارة رجال الدين. فيقول مختار شقرا السابق عدنان الأمين “كان أحمد الأسعد عندما يقصد منزل المرجع الديني السيد حسن محمود الأمين في بلدة خربة سلم، يبدأ في السير على قدميه من مدخل البلدة، وقبل أن يصل الى المنزل يخلع حذاءه ويحمله بيديه، ثم يتقدم من السيد منحنياً بهدف كسب أكبر عدد من محبّي السيد”. ورغم ذلك، فان البعض كان يواجه البيك متحدياً.
ويذكر الأمين أنه ذات مرّة “أثناء عبور أحمد الأسعد موكبه المؤلف من عدة سيارات، من محلّة عين المزراب في تبنين، التقى بأحد رجال الدين المعروفين، فطلب منه الصعود الى سيارته لايصاله الى حيث يريد، فقال له لن أركب مع أمثالك”.
وعن تدخل رجال السلطة والأمن في الانتخابات يذكر علي مصطفى أن “السياسيين كانوا متسلّطين، ويستخدمون رجال الأمن لفرض انتخابهم، فذات مرّة طلب ضابط الأمن في حولا من المختار أن يحدد له عدد الأصوات المناوئة للأسعد في الانتخابات البلدية، فقال له عددهم خمسين، فأمر الضابط باعتقالهم جميعا، لكنه فوجىء بعدها بفوز الشيوعيين بفارق كبير، فقال للمختار لو كنت أعلم بذلك لاعتقلت جميع أبناء البلدة”. ويذكر الأمين أيضاً أن “أحد ضبّاط الأمن، برتبة نقيب، من الطائفة الدرزية، كان يؤدي خدمته في بلدة شقرا، فتوجه الى أحد أعيان البلدة وأمره أمام الملأ بأن ينتخب كامل الأسعد بعد التهديد والوعيد”. وكانت المواكب السيارة للمرشحين تجول في البلدات والقرى، ويجلس على ظهر احدى السيارات رجل يجيد التأويل والمديح.
وما يذكره الأمين عن ما كان يناديه بعض المناصرين في أوائل الستينيات بعد وفاة أحمد الأسعد “صرخة الدّهر المريعة زعزعت أركان عامل لمّا نادى المنادي مات أحمد عاش كامل”. وكان ذلك مبايعة لكامل الأسعد أثناء الانتخابات.
أمّا أحمد الخطيب (93 سنة) الذي كان وقتها من أتباع الأسعد، فيقول: “أيام الانتخابات كنّا نقترب من منازل خصوم الأسعد ونردّد المواويل التي تمجّد البيك استفزازاً.
ويذكر كبار السن أنه عند اقتراب موعد الانتخابات النيابية يأمر “البيك” المفاتيح الانتخابية بدعوة الأهالي لزيارة بلدة الطيبة، فتتجمّع الوفود من البلدات، متجهة الى قصر البيك، وكل وفد يحمل بيرقاً من لون مختلف وينادي بشعار يدلّ على انتمائه السياسي.
أما عن الخدمات التي كانت تقدّم من المرشّح، فيقول أحمد الزين أن “البيك لم يكن يوظّف الاّ عدداً قليلاً من الأهالي، في كل بلدة موظف او اثنين، ودائماً يحصلون على الوعود دون أن تلبّى”. ويقول أبو أحمد مصطفى “كان الزعماء يوظفون خصومهم لكسب تأييدهم، أما المناصرون فاصواتهم مؤمنة”، لكن على الوفود المناصرة أن تحضر معها الخراف والاغنام لتقديمها للبيك وتستعمل للولائم واطعام الحضور.
وفي المقابل كانت تقع بعض المعارك بالعصي والأيدي، خاصة عند التقاء المواكب الانتخابية المتخاصمة أثناء الحملات الانتخابية، فيذكر المختار الأمين “أنه في العام 1968 صودف مرور موكب المرشح عبد اللطيف بيضون أثناء مرور موكب كامل الأسعد، وحدثت معركة قاسية بالعصي والأيدي أدّت الى تكسير زجاج سيارات الموكبين.
وقد كان بعض المرشّحون المنفردون يحاولون استغلال خدماتهم للناس لنيل أصواتهم، لكن أحدهم لم يفوز وقتها، ومن جملة هؤلاء الطبيب ابراهيم شعيتو من بلدة الطيري، وهو كان من الأطباء القلائل آنذاك، وقد ترشّح في العام 1968 للانتخابات في دائرة بنت جبيل معتمداً شعار “لا تنسوا أني طبيب بينكم ألبّي حاجاتكم”، لكنه لم ينل الاّ عدداً قليلاً من الأصوات.
ويعتبر الشيوعي العريق ابراهيم نعيم بزي (97 سنة) أن “المرشحين آنذاك لم تكن ترشيحاتهم حبّاً بالنيابة بل لأهداف عقائدية أو مادية، وعندما قرّر الحزب الشيوعي ترشيح حسين مروة عن قضاء بنت جبيل، كان على علم بعدم قدرته على النجاح، لكنه أراد من ترشيحه أن يدخل الى كل منزل من منازل القضاء ليشرح لهم واجب النائب على الناخب وواجب الناخب على النائب والمشاكل التي يعاني منها الوطن”.
داني الأمين