قدر لبنان الدائم…. “في كل عرس الو قرص”
لا تقع واقعة على الأرض قاطبةً الا ولبلاد الأرز حصة منها، كيف لا وفي كل أزمة “لنا منها نصيب” حسب مساهمتنا وكلٌ على قدره وحجمه، فكيف اذا كانت أزمة ضخمة كالتي نعيشها اليوم في الحرب الروسية الأوكرانية؟ بين بوادر أزمة القمح ورغيف الخبز والحبوب وبين طلاب لبنان في بلاد الأوكران وبيان الخارجية المثير للجدل وابتذال بعض الاعلام في التعامل مع الأزمة: أهلاً بكم في جمهورية “كل مين ايدو الو”.
في ظل حبس الأنفاس بانتظار المآلات العسكرية في اوكرانيا، وبين جشع تجار لبنان وبين حال أبناءه المحتجزين هناك في بلاد الصقيع، يقول لـ”أحوال” رجل الأعمال اللبناني د. مارك طعمة، وهو من أبناء الجالية اللبنانية في كييف، أنّ “عدد من اللبنانيين في أوكرانيا يقوم بمساعدة الطلاب والعائلات اللبنانية الموجودة في دائرة الحرب قدر الإمكان، إن من ناحية تأمين طريق للحدود أو تأمين الملاجيء وغيره من الإحتياجات من أجل الصمود”.
ويتابع “اللبنانيين يواجهون مشكلة كبيرة وهي أنّ الطرقات المؤدية إلى الحدود البولونية أو الرومانية ليست آمنة، والمرور عبرها يتطلب الحيطة والحذر، ورغم ذلك فإنّ عدد كبير من اللبنانيين استطاع عبور الحدود بسلام”.
ويضيف “لم يكن هناك خطوات استباقية أو جهوزية لهذه المرحلة الصعبة لأن أحداً لم يتوقع حصول الحرب بهذه السرعة، علماً بأن الخارجية اللبنانية وبالتنسيق مع السفارة اللبنانية قد نشروا بياناً على صفحة السفارة اللّبنانية في أوكرانيا وأقرّو بأن الوضع الأمني يمكن أن يسوء ويجب أخذ الحيطة والحذر”.
وعن مدى تعاون السفارة اللبنانية في أوكرانيا في عملية إجلاء اللبنانيين، يقول “السفارة بسفيرها الأستاذ علي ضاهر وبالتنسيق مع الخارجية اللبنانية يحاولون قدر الإمكان القيام بواجبهم تجاه اللبنانيين المقيمين في أوكرانيا لتأمين مسار آمن لهم”.
أمّا بالنّسبة للبنانيين العالقين في الأراضي الأوكرانية فيوضح طعمة أنّ “هناك عدد من رجال الأعمال وأبناء الجالية يساعدونهم إما مادياً بسبب إغلاق جميع المصارف ومؤسسات تحويل الأموال، أو معنويًا لإرشادهم حول كيفية الوصول والعبور الآمن إلى الحدود”.
الخوري
وعلى ما يبدو أن الحرب الروسية – الأوكرانية ستعمّق كوارث دول المنطقة بما فيها لبنان المأزوم أصلاً، ويرى الخبير الاستراتيجي البرفسور بيار الخوري أن “لا شيء مطمئن من جراء الأزمة، ولبنان خاسر – خاسر صافٍ فيها”.
ويشرح بالتفصيل أن “لبنان اليوم معرض بشكل كبير لتداعيات هذه الأزمة على صعيد الأمن الغذائي خاصة القمح، وهذا الأمر ليس فقط بسبب مخاطر الإمداد الأوكراني بل والأهم بسبب توجه معظم الدول العالم لتعزيز مخزوناتها المرتبطة بالأمن الغذائي وتزايد التنافس على هذه الموارد”.
ويتابع “ذات الأمر ينطبق وربما بشكل أكثر حيوية على المصادر الطاقوية في ظل العقوبات على الدول المنتجة لموارد الطاقة وآخرها روسيا، وما يمكن أن يشكله ذلك من خطر ارتفاع أسعار الطاقة. كل ذلك يحصل في ظل شح موارد العملات الأجنبية في لبنان وعدم قدرته على تشكيل احتياطات الحد الأدنى الضروري في مثل هذه الظروف الدقيقة”.
ويضيف الخوري “المعيار الثالث لانعكاس الأزمة على لبنان هو التضخم العالمي المصاحب للأزمة بأبعادها المذكورة والذي كان قد بدأ يهدد النمو حتى قبل الأزمة الأوكرانية. التضخم الآن غول كبير يضرب كل أصقاع الأرض وانعكاساتها على لبنان ستكون كارثية لأن لبنان يشهد تضخما سنويا للسنة الثالثة على التوالي بالأرقام الثلاثة”.
خلاصة القول كل شئ يعمل الآن ضد الاقتصاد اللبناني وحتى النفط والغاز المؤمل استخراجه بعد ترسيم الحدود الجنوبية قد لا يكون متاحاً إذا ما تعقدت علاقات القوى الدولية أكثر.
الجباعي
في المقابل يوضح المحلل الاقتصادي د. محمود الجباعي لـ”أحوال” أنّ “أوكرانيا مع روسيا تشكلان 28% من إجمالي صادرات القمح العالمية، حيث ثمثل صادرات روسيا من القمح إلى العالم نسبة 18% وتحتل المرتبة الأولى أما أوكرانيا فتمثل نسبة صادراتها 10% وتحتل المرتبة الرابعة، وبالتالي فإن الحرب الروسية على أوكرانيا ستؤثر على كل الدول ومنها لبنان الذي يعتمد بنسبة تفوق الـ50% من حاجته من القمح والحبوب والذرة من الصادرات الأوكرانية، فيما يغطي حاجاته الغذائية الأخرى من روسيا”.
ويتابع “حتى الآن يمتلك لبنان احتياطي من القمح يكفيه لمدة شهرين وهناك بعض السفن المحملة بالقمح في طريقها إلى لبنان ما يعني أن لا مشلكة تلوح في الأفق إن لم يطل أمد الأزمة بين البلدين”.
أما بالنسبة لموضوع الغاز فيشير إلى أنّ “ارتفاع أسعارها بسبب الأزمة سيؤثر على لبنان الذي يفتقد إلى الأجهزة الرقابية ما يسّهل على التجار إمكانية استغلال المواطن”.
وفيما يخص الجالية اللبنانية في أوكرانيا، يؤكد الجباعي “ضرورة وجود مطلب رسمي لإجلائهم اللبنانيين، إذ يبلغ عدد المقيمين في مدينة خاركيف وحدها مثلاً حوالي 4300 لبناني منهم 1000 طالب تقريباً”.
داعياً السفارة اللبنانية في أوكرانيا أن “تكون وسيطاً فعلياً وتؤمن ممراً آمناً لهم إلى بولندا او بلاروسيا كي يستطيعوا الوصول إلى لبنان مجدداً”، كما طلب من الدولة اللبنانية “تشديد الرقابة على دور السفارة والتأكد من حسن تعاملها مع هذه المسألة تفادياً لأي نوع من التقصير أو الاهمال”.