ملفّان مهمّان لطالما شكّلا مادّة جذب، ملفّ هيئة إدارة السّير، وملف التّفتيش المركزيّ، فالأوّل شهد في الفترة الأخيرة تجاذبات سياسيّة وإداريّة وقانونيّة، كان “دور البطولة” فيها للمديرة هدى سلّوم، والثّاني لطالما شكّل مادّة دسمة نظراً للظّروف التي مرّ بها ولا يزال، فهو في أحيانٍ كثيرة كان مجرّد هيئة فارغة المضمون، لا ينطبق اسمها على عملها، يهرب منها المفتّشون كما حصل مثلاً عام 2014 عندما قدّم 45 مفتشاً طلبات نقل من إدارة التفتيش المركزي من أصل 100 مفتش ضمن ملاكها العام، بسبب تأخّر التّرفيع والترقيات 13 سنة، واعتبارهم أنّ الهدف واحد وهو تعطيل التّفتيش بشكل نهائي.
لا يزال يتعرّض التفتيش المركزي للإنتقاد حتّى اليوم، خصوصاً بسبب قلّة انعقاد هيئته، وأحياناً عدم انعقادها بشكلٍ نهائي لأشهر، ولكنه في الأول من تشرين أول الحالي أصدر عبر رئيسه القاضي جورج أوغست عطية رأياً مهمّاً اعتبر فيه أنّ استمرار رئيسة هيئة إدارة السّير هدى سلوم في مركزها مخالف للقانون منذ انتهاء فترة الثلاث سنوات لتعيينها في 24 أيار 2017، وأنّ قرارها ترفيع رئيس مصلحة تسجيل السياّرات والآليّات أيمن عبد الغفور غير قانونيّ، فماذا في تفاصيل القرار؟
بيان رأي بتوصيات ثلاثة… غير ملزمة
في 1 تشرين أول أرسل التفتيش المركزي كتاباً إلى وزارة الداخلية والبلديات موضوعه “بيان رأي” في مسألة “ترفيع المستخدم في ملاك السير والآليات والمركبات، أيمن عبد الغفور، وتعيينه رئيساً لمصلحة تسجيل السيارات والآليات”، وورد فيه أنّه وبعد الإطلاع على كل المستندات المرفقة، يتبيّن أن سلّوم قد إنتهت مدة وضعها خارج الملاك ولكنّها استمرت في متابعة أعمالها سنداً لقرار وزير الداخلية والبلديات رقم 698 تاريخ 18 أيار 2017 تأميناً لإستمرارية المرفق العام واستقراره. وحيث أن وضعها خارج الملاك قد تمّ بمرسوم، وبالتالي فإن قرار وزير الداخلية، عملاً بمبدأ موازاة الصيغ، لا يمكن أن يحلّ محل المرسوم، إذ كان يتوجّب صدور مرسوم آخر عن مقام مجلس الوزراء يُعيد تجديد وضعها خارج الملاك أو إعادتها الى الملاك الأصلي سنداً لأحكام المادة 51 من المرسوم الإشتراعي رقم 112\59 من نظام الموظفين، مشيرا الى أن القرار المتعلق بترفيع السيد عبد الغفور، قد اتّخذته المدير العام بتاريخ 12 تشرين أول 2019، مع العلم أن تاريخ وضعها خارج الملاك قد انتهى بتاريخ 27 تموز 2017، ما يجعله غير قانونيّ لصدوره عن مرجع فقد صلاحياته.
وبناءً عليه طلب التفتيش المركزي تعليق مفاعيل القرار 1428\ 2019 تاريخ 12/11/2019، المتعلق بترفيع السيد أيمن عبد الغفور لعدم قانونيته، وعرض الوضع الوظيفي للسيدة هدى سلّوم على مقام مجلس الوزراء، واقتراح تعيين مجلس إدارة جديد لهيئة إدارة السير والآليات والمركبات.
وفي هذا السياق يؤكد المحامي والأستاذ المحاضر في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية مجتبى مرتضى أنّه يحقّ للتفتيش المركزيّ أن يتحرّك بناءً لطلب وإمّا عفواً ضمن صلاحياته، ويستخلص نتائج، ويقترح العقوبات الواردة ضمن القانون، ويُحال الملف للقضاء المختص بحال كان الخطأ جزائياً، وفي هذا الملف المُثار أمامنا، يقدم القاضي عطيّة رأياً، عادة ما يكون بناءً لطلب، وقد قدّم بنهايته توصيات غير ملزمة.
ويضيف مرتضى في حديث لـ”أحوال”: “لن يكون للبيان مفاعيل حقيقية إلا إذا أخذ مجلس الوزراء بالتوصية، وهذا الأمر يكون كالعادة خاضعاً للسلطة السياسية”، مشيراً الى أن القاضي استند على النظام الذي يقول بأن سلّوم موضوعة خارج الملاك، وبالتالي يجب أن تعود إلى ملاكها الأصلي أو تستقيل من وظيفتها الأصلية اذا ما أرادت الإستمرار بعملها الحالي، وأن المرسوم أقوى من القرار الوزاري، ما يعني أن المرسوم لا يُلغى ولا يُجدّد إلا بمرسوم، مشدداً على أن القاضي اعتبر وجودها في وظيفتها الحالية غير شرعي، وبالتّالي ما يصدر عنها من قرارات تكون غير شرعية، ليصل بذلك إلى هدف بيانه وهو القول أن وجود عبد الغفور في موقعه غير شرعي.
عبد الغفور يملك وسائل الرد
بعد التوصيات غير الملزمة الصادرة عن رئيس التفتيش المركزي، يُطرح التساؤل حول توقيت ما أورده عطيّة في بيانه، الأمر الذي تعتبره مصادر مقرّبة من عبد الغفور “استكمالا” للحرب التي أطلقها أحد معقّبي المعاملات الموقوف عن عمله بقرار من عبد الغفور، بسبب ارتباطه بملفات فساد في نافعة طرابلس.
وتشير المصادر عبر “أحوال” الى أن التوصيات الصادرة عن القاضي عطيّة بُنيت على معلومات غير دقيقة، خصوصاً أن قرار تعيين عبد الغفور حاز على موافقة مجلس الخدمة المدنية، التي هي المرجع الصالح، وحاز أيضاً على موافقة وزارة الداخلية، وصدر وفق الأصول، مشددة على أن التفتيش وقع في الخطأ عندما لم يسأل الإدارة عن المستندات الموجودة بحوزتها.
تؤكد المصادر أن عبد الغفور سيردّ على التفتيش المركزي وفقاُ للأصول لتوضيح المسألة، وسيلجأ للقانون لحفظ حقّه الذي حصل عليه وفقاً للأصول الرسمية. فهل تشهد هذه المسألة تطورات إضافية أم أن حدودها بعض الضجيج الإعلامي فقط؟
محمد علوش