النفق المعجزة، أو الاكتشاف العظيم لبلدية بيروت، هو النفق الذي كلّف بلدية بيروت ملايين الدولارات، مصحوبًا بأزمة سير خانقة لشهور وشهور، إنه نفق سليم سلام العظيم.
القصة تعود ليس إلى سنين بعيدة بل إلى شهور قريبة، لم ينسها اللّبنانيون، إذ بات الدخول إلى النفق أو العبور من فوقه يعد رحلة عسيرة تسجل في يوميات اللّبناني المسكين، الذي لا يكاد يخرج من حفرة حتى يقع بأخرى. وبعد مضي أكثر من سنة وبتكلفة تسودها الريبة والشكوك، 18 مليون دولار أمريكي أنجز النفق العتيد!
هذا الرقم ليس كلفة حفر النفق، فالنفق قديم العهد، إنه تكلفة صيانته والذي يبلغ طوله 800 متر فقط وليس كيلوميترات طويلة، وقد شملت هذه الأعمال إزالة البلاط القديم لجدرانه بأخرى مشابهة تمامًا مع فارق واحد وهو كتابة إسم بيروت بالبلاط الأزرق وعبارات من قصيدة الشاعر نزار قباني ( يا بيروت يا ست الدنيا).
كتابة هذه العبارات هي على الغالب لا لزوم لها فإمّا ألا يراها اللّبناني لأنه يقود مسرعًا وراء لقمة عيشه وإمّا أن يراها في زحمة سير تخنقه، فيتذكر مذلّة أن يولد في هذه البقعة ويشتم الساعة، لذا كان بالإمكان تنظيف البلاط القديم عوضًا عن استبداله، أما السقف فبدا واضحًا الترقيع الحاصل فيه، كذلك الشفاطات فلا زال قسم منها يعمل يومًا ويستريح في اليوم الثاني.
العديد من الدراسات أعدّت حول طبيعة هذه الأعمال، فالكل شكّك بالأرقام إذ إن كلفة إصلاح التهوئة والإنارة والبلاط لا يمكن أن تتعدّى نصف القيمة التي تمّ إنفاقها، وحتى أن البعض نشر أرقامًا لكلفة بناء نفق في النروج بكلفة 6250$ للمتر الواحد، بينما كلف صيانة نفق سليم سلام 12000$ للمتر الواحد، أي أن كلفة الصيانة في لبنان بلغت ضعف قيمة بناء النفق في النرويج، وهذا ما دفع بالمواطنين للتشكيك بطبيعة هذه الأعمال، لكن ما إن تدرك أن الجهة التي تتعهد المشاريع ضمن بيروت هي نفسها التي تعهدت صيانة النفق فتشتم مع روائح الدخان والانبعاثات الحبيسة داخله روائح الصفقات والسمسرات.
بعد شهور على الإنتهاء من مسرحية الصيانة، فوجىء اللّبنانيون ببيان لقوى الأمن الداخلي تُعلم فيه المواطنين بأن إحدى الشركات المتعهدة ستقوم بتبليط مداخل ومخارج النفق اعتبارًا من مساء الخميس 1-10-2020 ولمدّة خمسين يومًا تقريبًا وطلبت منهم التقيّد بالإجراءات والتوجيهات تسهيلًا لحركة المرور ومنع الازدحام.
هذا البيان أُثار حفيظة البعض إذ اعتبروا أن النفق لم يمضِ على الانتهاء من ترميمه إلّا بضعة شهور، وللتحقق من هذه القضية اتصل “أحوال” بمحافظ بيروت القاضي مروان عبود، الذي أكد أن هذه الأعمال تجميلية لمدخل النفق ومخرجه، وستقوم فنّانة بتبليط جدرانه الخارجية بالموزاييك، مشددًا على أنّ هذه الأعمال ستكون مجانية ولن تكلّف البلدية أي تكاليف مادية، آملًا من المواطنين الالتزام بإرشادات قوى الأمن الداخلي حتى الانتهاء من هذه الأعمال.
قصة نفق سليم سلام أشبه بقصص ألف ليلة وليلة، مسلسل طويل من الأعمال والتصليحات ومعظمها لزوم ما لا يلزم، إذ كان بالإمكان صرف هذه المبالغ في استحداث جسور جديدة وإصلاح الطرقات والأرصفة، وأخطر ما في الأمر هو حجم المال العام المهدور، وصرفه في أماكن لا جدوى منها، في ظل غياب الحسيب والرقيب، كذلك الشكوك المحيطة بالمناقصات التي غالبًا وللمصادفة ترسو على ذات المتعهد، فهل تستطيع الأعمال الفنية هذه تجميل الصورة التي هُشّمت في أذهان اللّبنانيين من هدر أموالهم هنا وهناك؟؟ وهل يصلح الفنان ما أفسدته العصابة؟.
منير قبلان