“8 أيام” عمل درامي بوليسي يخطف الأنفاس. أحداث تمرّ على مدى ثمانية أيام أو حلقات، لكنها تختصر حياة ومواقف وتكشف عن مدى السواد والرذيلة المتغلغل في هذا الكون، من الإتجار بالبشر إلى القتل السهل إلى تعاطي المخدرات إلى الغدر والخيانة والتعنيف المبرح، إلى العدالة المزيفة والمرتشية ورجال القانون الضالعين في ستر الجريمة.
الكاتب والمخرج مجدي السميري والشركة المنتجة “فالكون فيلمز” صنعا مسلسلًا بحلّة سينمائية. الصورة كاشفة نقية، الحركة متقنة، الملامح واضحة، لا حشو ولا أطناب، فقط كاميرا تسحب النفس من عمق الصدر وتشلحه زفيراً وشهيقاً عالي النبرة. إنه عمل على غرار الأفلام والأعمال الأجنبية المتقنة بكل تفاصيله.
الممثلون يشلحون أثوابهم القديمة ويلبسون حلّة أيامهم الجديدة التي سيسافرون فيها عبر ثمانية أيام، حيث دارت الكاميرا وتبعتهم في تنقلاتهم وحركتهم وكشفت عن مستور نواياهم، فقاموا بأداء مذهل من أكبر ممثل فيهم إلى أصغرهم. الكل يبدو بطلاً دون تهاون. فهذا العمل المرصوص الجوانب والأعماق والقائم على التشويق والحركة، لا يمكن إلا أن نقول فيه إنه معجنة فن كاملة.
لا تعرف مَن البطل هنا، لكن تأتي المفاجأة بأن يضع في أرق خلقه أقوى أداء. سنتيا خليفة بطلة التعابير والجسد التمثيلي البعيد عن المكياج وتحف الجمال المصطنعة، هي المطعونة والملكومة من أب قاس ومدمّر، تتحوّل إلى ضابط بوليس من أجل رفع الظلم عن المقهورين ومتابعة الحقيقة مهما كلفها الأمر. تحمل السلاح وتقاتل كمحترفة وبحركة رياضية مدهشة. لا شك أن سنتيا انتقلت الى مكان آخر تمثيلي بات فوق القمم، حيث باتت من صنّاع الدهشة ولبس المشاعر مهما كانت صعبة ومعقدة.
مكسيم خليل “أمير” هو المحامي الذي يبيع ضميره ووجدانه بتبرئة المجرمين، ومن ثم يأكل الضرب ويقع في فكّي العصابة التي طالما دافع عنها، فتبدأ رحلته في الكشف عن براءته المشكوك فيها. يظهر لنا كأب يحب ابنته وهو الذي يدافع عن الاتجار بالبشر واغتصاب الفتيات وبيعهم في سوق الرقيق، وانعدام الانسانية سيأكل من خبزه المعفن. هو الرأس الفاسد وحامل القانون زيفاً، يتشاطر بالحق والأبوة ولا نصدقه أو نشفق عليه. مكسيم خليل في هذا الدور لا يدرّ لنا إحساساً ولا تبجيلاً، إنه يخنقنا بسفالته.
بديع أبو شقرا رجل أمن آخر، يسهّل أمور المجرمين ويتواطأ معهم ويقع فريسة أعماله المشبوهة. يحضر لنا كعاشق وخائن لزوجته. وبين جميع خياناته الوظيفية والعائلية، ننفر من تأنّقه المبتذل وحركته الملتوية. يتقن أبو شقرا لعب هذه الأدوار الشيطانية المبتذلة، فهو الشخصية التي نجدها في كل دولة وفي كل زمن. رجل انتهازي يسخّر ضميره لتسهيل الجريمة لمنفعته الشخصية.
لا يوجد دور اعتباطي، بل كلّه مرصوص في مكانه وحينه، والأداء عالٍ من إلسا زغيب إلى ياسر البحر رئيس العصابة وجميع رفاقه في السوء، كلّهم تضافروا في تقديم عمل متقن بدون أدنى هفوة.
باسم ياخور هو الترعة التي فيها ستصبّ كل إشكالات العمل، يظهر في آخر حلقة بأنه هو خلف كل هذا الطحن والسواد الذي نعيشه لينتقم لابنته التي قضت عليها عصابة الإجرام. هذا الظهور المفاجئ لحل كل الألغاز لم يكن مقنعاً، والدهشة أتت كيف لشخص واحد أن يتحكم بكل هذه العصابة المحترفة بالشر وما لها من أضلع مع رجال أمن وحقوق، أن يكون هو رأس الحربة في طعن الشر كله.
“8 أيام” عمل كامل رشيق يبتعد شطوطاً عن الدراما التقليدية ويقترب أكثر نحو الفن السينمائي الحركي المنمّق، ذات الجودة العالية في الصورة وتعابير الجسد بكل ثناياه. لكن لا يمكن أن نقول عنه فناً شعبياً. فالموضوع مثقل بالمواجع وارتهان الأخلاق للسفالة. إنه دائرة الحياة التي نعيش فيها حيث الظلم أطنان والرحمة حمل هش دون اعتبار.
كمال طنوس