غوتيريش في طرابلس.. ثاني أمين عام يزور المدينة
إكتسبت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الإثنين 20 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري إلى طرابلس اهتماماً محليّاً لافتاً، لجهة معرفة الأهداف والأسباب التي دفعت مسؤول أبرز منظمة دوليّة للمجيء إلى المدينة، في زيارة هي الثّانية لأمين عام للأمم المتحدة إلى عاصمة الشّمال اللبناني، منذ زيارة الأمين العام السّابق بان كي مون لها في 25 آذار/مارس 2016.
في الشّكل كانت لـ”غوتيريش” محطتان فقط في طرابلس، مثله مثل كي مون، لكنّ الفارق بين الزيارتين اللتين يفصل بينهما 6 سنوات تقريباً، أنّ اهتمامات الرجلَين وبرنامج كلا الزيارتين كانت مختلفة.
ففي الزّيارة الأولى، أبدى كي مون إهتماماً بالمواطنين اللبنانيين، من خلال مشاركته وزير الشّؤون الإجتماعية، حينذاك، رشيد درباس إفتتاح مركز للشّؤون الإجتماعية في محلّة الشّعراني بمنطقة القبة، إضافة إلى زيارته تجمّعاً لعائلات سورية نازحة مقيمة في حيّ التنك البائس في مدينة الميناء.
أمّا غوتيريش فأهمل النّازحين السّوريين في زيارته واستبدلهم باللاجئين الفلسطينين، لكنّه أبقى كما سلفه على الإهتمام بالمواطنين اللبنانيين الذي التقى ممثلين عنهم في مقر بلدية الميناء، حيث ينفّذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP في المدينة مشروع تأهيل كورنيشها البحري الشهير.
لكنّ برنامج زيارة غوتيريش إلى طرابلس بقي مجهولاً إلى السّاعات الأخيرة التي سبقت وصوله إليها، بعدما اكتفى مكتبه الإعلامي بالإشارة إلى أنّه “سيزور بعد ظهر الإثنين طرابلس، حيث يستقبله وزير الدّاخلية والبلديات بسّام مولوي ويقوم بجولة على مراكز محدّدة”، لم يتم الكشف عنها.
غير أنّ هذه المراكز المحدّدة تبين لاحقاً أنّها تشمل مدرسة اللد للاجئين الفلسطينيين في محلة الغرباء بمنطقة الزاهرية في طرابلس، والتي تشرف عليها وكالة الأونروا، وتفقد كورنيش الميناء، حيث جرى إبلاغ صحافيين محدّدين ببرنامج الزيارة، قبل تعديله في اللحظات الأخيرة. إذ بعدما كانت زيارة كورنيش الميناء هي محطة غوتيريش الأولى، جرى استبدالها بزيارة إلى مدرسة اللد، وهو تعديل تضاربت المعلومات حول إنْ كان لأسباب أمنية، برغم أن الإجراءات الأمنية التي اتُخذت قبل وخلال زيارته كانت مشدّدة للغاية، أم أنّ التعديل كان بسبب الطقس العاصف والأحوال المناخية السّيئة، التي دفعت أمين عام الأمم المتحدة إلى الاستعاضة عن زيارة الكورنيش والإطلاع على الأعمال الجارية فيه، باجتماع مع فاعليات عقد في مقرّ بلدية الميناء.
في مدرسة اللد أبدى أعضاء في لجنة الأهل أمام غوتيريش قلقاً واسعاً من أنْ “يصبح اللاجىء الفلسطيني منسيّا”، في حين كشف تلاميذ في المدرسة له بأنّهم ينامون جياعاً لأنّ والدهم لم يستطع أن يُؤمّن لهم طعاماً، وأنّ بعض زملائهم تركوا المدرسة لأنّهم لم يستطعوا تأمين أجرة نقلهم بالباص، برغم تأكيد أغلبهم أمامه أن التعليم هو نافذة تغيير وحيدة متاحة لهم، ما دفع غوتيريش إلى حثّهم على “عدم فقدان الأمل بغدٍ أفضل” برغم أنّ إقرار السّلام في الشّرق الأوسط وحلّ الدولتين وإعادة اللاجئين هو “أمرٌ صعب”، حسب قوله.
غير أنّ زيارة غوتيريش إلى مدرسة اللد سبقها بنحو 24 ساعة إعتصام نفذّه مهجرون من مخيمات سورية أمام مكتب الأونروا في طرابلس، إحتجاجاً منهم على قرار الوكالة وقف تقديم بدل الإيواء لهم، وهو أمر أشار إليه مسؤول الجبهة الديمقراطية في الشّمال، عاطف خليل، لـ”أحوال” بأنّ “الإعتصامات شملت جميع مخيمات لبنان، وجرى تسليم الأونروا رسالة تمّ رفعها إلى غوتيريش، طالبنا فيها بوضع موازنة ثابتة للأونروا مثل بقية المؤسّسات التابعة للأمم المتحدة، وليس إبقاء تمويل الأونروا قائماً فقط على التبرّعات التي تخضع للإبتزاز الأميركي، لأنّ معاناة شعبنا أصبحت كبيرة جداً، وهو ما قاله مباشرة تلاميذ مدرسة اللد للأمين العام حين لقائه بهم”.
أمّا في مقرّ بلدية الميناء، التي منع عناصر الأمن المولجة حماية الأمين العام للأمم المتحدة صحافيين من التقاط صور وتوجيه أسئلة إليه، فقد اجتمع غوتيريش بحضور مولوي بالقائم بأعمال بلدية الميناء عامر حداد والقائمقام إيمان الرافعي التي لفتت إلى “تداعيات النّزوح السّوري”، ورئيس غرفة طرابلس والشّمال توفيق دبّوسي، الذي اعتبر أنّ “المساعدات الإنسانية الدّولية ضرورية لكنّها لم تعد كافية إنْ لم ترفق بتبني مشاريع إعمار واسعة واستثمار، كفيلة بتأمين أسس النّهوض والإستثمار لتوفير فرص عمل للشباب”، بينما حذّر الأستاذ الجامعي والنّاشط سامر أنّوس المجتمع الدولي ممّن وصفهم بـ”المافيا” التي تحكم البلاد، و”دورها التدميري في البلاد، وتهميش طرابلس والميناء”.
عبد الكافي الصمد