إنفلاتٌ أمني في طرابلس ومخاوف من دعوات “الأمن الذاتي”
يوم الثلاثاء في 14 كانون الأوّل الجاري، ألقت دورية من فرع المعلومات في قوى الأمن الدّاخلي القبض على م. ر (لبناني من مواليد عام 1985)، خلال كمين نُصب له في شارع عزمي الشّهير في طرابلس، بعد عملية رصد ومراقبة، قبل توقيفه، إثر توافر معلومات لدى القوى الأمنية عن تورّط الموقوف في عمليات سرقة كثيرة في طرابلس، وتأكّدت هذه الشكوك لديها بعد العثور داخل السيّارة التي قُبض عليه فيها، على أدوات تستعمل في عمليات السّرقة، مثل مقصٍ حديدي ومفكّ وقطّاعة.
وبنتيجة التحقيقات التي جرت معه، إعترف م. ر. بسرقة 14 بطارية سيّارة وإطارات سيّارات عدّة وكابل كهربائي من النّحاس طوله نحو 150 متراً يعود إلى أحد أصحاب مولّدات الكهرباء الخاصّة في المدينة.
هذه الحادثة ليست سوى غيض من فيض حوادث سرقة تشهدها مدينة طرابلس بالجملة والمفرّق يومياً، بعضها تتمكّن القوى الأمنية من القبض على مرتكبيها، وأغلبها لا تتمكّن من ذلك، فضلاً عن إشكالات وحوادث وإطلاق نار وتضارب وطعن بالسكاكين يسقط فيها جرحى وقتلى، ما جعل عاصمة الشّمال تعيش يومياً هاجس الإشكالات والسّرقات على نحو غير مسبوق في تاريخها، باستثناء فترات قليلة أيّام الحرب الأهلية 1975 ـ 1990.
قبل أيّام، دخل ملثمون إلى ميني ماركت في محلّة باب الرّمل في المدينة، وأجبروا صاحبه على إعطائهم “غلّة” يومه كامله. ومع أنّ القوى الأمنية إستطاعت معرفة من ارتكبوا الإعتداء، وتمكّنت من توقيفهم، إلا أنّ أصحاب المحال التجارية إضطروا إلى تشديد الحراسة على أبوابهم وتخفيض ساعات الدّوام خلال الليل حيث تكثر أعمال السّرقة، الأمر الذي جعل طرابلس تكاد تخلو من وجود محل تجاري مفتوحة أبوابه ليلاً، لتتحول إلى ما يشبه مدن الأشباح، خصوصاً مع انقطاع التيّار الكهربائي عن المدينة ساعات طويلة، وتوقّف مولدات الإشتراك الخاصّة عن العمل ليلاً، واستغناء كثير من المواطنين عن الإشتراك في المولّدات بسبب ارتفاع تكلفتها، واستعانتهم ببطاريات عوضاً عنها.
أعمال السّرقة إمتدت إلى بطاريات السيّارات ومضخّات المياه وغيرهما، فقد أفاد مواطنون “أحوال” بأنّ سرقات من هذا النوع تكاد يشهدها كلّ حيّ وشارع في طرابلس في الآونة الأخيرة، إذ يستفيق كثيرون على قيام مجهولين بسرقة بطاريات سيّاراتهم المركونة في أحد شوارع المدينة أو في مرائب خاصة وكذلك مضخّات المياه، ما يجعل وصول المياه إلى بيوتهم متعذّراً، ما دفع أغلب المواطنين للجوء إلى أساليب عدّيدة لحماية ممتلكاتهم من السّرقة والتعدّيات، مثل ربط البطّاريات والمضخّات بجنازير وأسلاك حديدية أو تلحيمها، أو نزع البطّاريات من سيّاراتهم ليلاً ونقلها إلى بيوتهم، قبل إعادة تركيبها في السيّارات صباح اليوم التّالي.
لكنّ أعمال السّرقة لم تقتصر على الأملاك الخاصّة بالمواطنين فقط، من محال تجارية وسيّارات وهواتف خليوية وبيوت وأغراض شخصية مختلفة وغيرها، بل امتدت أيضاً إلى الأملاك العامّة. فأسلاك شبكة الكهرباء النّحاسية في طرابلس وجوارها تشهد يوميّاً حوادث سرقة، حيث يعمد السّارقون إلى بيعها في “بُوَر” بيع الخردة الكثيرة بأسعار بخسة، وبأقلّ من سعرها الحقيقي.
آخر الأملاك العامّة التي تعرّضت للسّرقة هذا الأسبوع كان السّور الحديدي لكورنيش الميناء، في حادث تسبّب بضجّة وشكّل فضيحة دفع الأجهزة الأمنية إلى استنفار قواها، قبل أن تتمكن من استعادة جزء من السّور المسروق والقبض على الفاعلين، بعدما تبيّن لاحقاً أنّ السارقين قاموا بفعلتهم على دفعتين، وأنّ القوى الأمنية لم تتحرّك برغم تبلغها السّرقة في المرّة الأولى، إلى أن فعلت ذلك بعد حصول السّرقة في المرّة الثانية.
كلّ ذلك جعل أصواتاً ترتفع في المدينة تنتقد الحكومة والأجهزة الأمنية على تقصيرها وعجزها عن ضبط الوضع الأمني، ووضع حدّ لأعمال السّرقة والتعدّيات. إذ تحفل منصّات وسائل التواصل الإجتماعي بانتقادات شديدة توجّه تحديداً إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية والبلديات بسّام مولوي، حيث يسأل أصحابها: “إذا كانت السّرقات تحصل في طرابلس ورئيس الحكومة ووزير الداخلية منها، فكيف سيكون حال المدينة لو كان رئيس الحكومة ووزير الدّاخلية من مناطق أخرى؟”.
وما زاد المخاوف أكثر، هو ما أكّدته مصادر أمنية لـ”أحوال”، إضافة إلى معلومات تنتشر في طرابلس وتتحدث عن أنّ شراء الأسلحة الفردية لاستخدامها من أجل حماية النّفس والممتلكات قد ازدادت في المدينة في الأشهر الأخيرة بشكل لافت.
ودفع تسيّب الوضع الأمني على هذا النحو إلى ارتفاع أصوات تحذّر من اللجوء إلى الأمن الذاتي، كما فعل الحَراك المدني في الشّمال، إذا بقيت الحكومة والأجهزة الأمنية عاجزة عن وضع حدّ لأعمال السّرقة والتعدّيات والتشبيح على المواطنين في طرابلس، ما سيؤدّي إلى انفلات أمني قد لا تستطيع أيّ جهة معالجته وإعادة الوضع إلى طبيعته بسهولة.
عبد الكافي الصمد